الباحث القرآني

(p-٢٣٠)ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ما كانُوا يَعْبُدُونَهُ لا يَنْفَعُهم فَقالُوا: ﴿فاليَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ نَفْعًا ولا ضَرًّا ونَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: الخِطابُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَعْضُكُمْ﴾ مَعَ مَن ؟ نَقُولُ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَلائِكَةَ لِسَبْقِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ وعَلى هَذا يَكُونُ ذَلِكَ تَنْكِيلًا لِلْكافِرِينَ حَيْثُ بَيَّنَ لَهم أنَّ مَعْبُودَهم لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ، ويُصَحِّحُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] وقَوْلُهُ: ﴿ولا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ [الأنبياء: ٢٨] ولِأنَّهُ قالَ بَعْدَهُ: ﴿ونَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا﴾ فَأفْرَدَهم ولَوْ كانَ المُخاطَبُ هُمُ الكُفّارَ لَقالَ: فَذُوقُوا. وعَلى هَذا يَكُونُ الكُفّارُ داخِلِينَ في الخِطابِ حَتّى يَصِحَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بَعْضُكم لِبَعْضٍ﴾ أيِ المَلائِكَةُ لِلْكُفّارِ، والحاضِرُ الواحِدُ يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ مَن يُشارِكُهُ في أمْرٍ مُخاطَبًا بِسَبَبِهِ، كَما يَقُولُ القائِلُ لِواحِدٍ حاضِرٍ لَهُ شَرِيكٌ في كَلامٍ: أنْتُمْ قُلْتُمْ، عَلى مَعْنى أنْتَ قُلْتَ، وهم قالُوا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعَهُمُ الجِنُّ أيْ لا يَمْلِكُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ أيُّها المَلائِكَةُ والجِنُّ، وإذا لَمْ تَمْلِكُوها لِأنْفُسِكم فَلا تَمْلِكُوها لِغَيْرِكم، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُخاطَبُ هُمُ الكُفّارَ لِأنَّ ذِكْرَ اليَوْمِ يَدُلُّ عَلى حُضُورِهِمْ، وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ: ﴿ونَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إنَّما ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا لِبَيانِ حالِهِمْ في الظُّلْمِ، وسَبَبِ نَكالِهِمْ مِنَ الإثْمِ ولَوْ قالَ: ”فَذُوقُوا عَذابَ النّارِ“ لَكانَ كافِيًا لَكِنَّهُ لا يَحْصُلُ ما ذَكَرْنا مِنَ الفائِدَةِ، فَإنَّهم كُلَّما كانُوا يَسْمَعُونَ ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ والعِنادِ والإثْمِ والفَسادِ يَتَحَسَّرُونَ ويَنْدَمُونَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿نَفْعًا﴾ مُفِيدٌ لِلْحَسْرَةِ، وأمّا الضُّرُّ فَما الفائِدَةُ فِيهِ مَعَ أنَّهم لَوْ كانُوا يَمْلِكُونَ الضُّرَّ لَما نَفَعَ الكافِرِينَ ذَلِكَ ؟ فَنَقُولُ: لَمّا كانَتِ العِبادَةُ تَقَعُ لِدَفْعِ ضُرِّ المَعْبُودِ كَما يُعْبَدُ الجَبّارُ ويُخْدَمُ مَخافَةَ شَرِّهِ بَيَّنَ أنَّهم لَيْسَ فِيهِمْ ذَلِكَ الوَجْهُ الَّذِي يَحْسُنُ لِأجْلِهِ عِبادَتُهم. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ هَهُنا: ﴿عَذابَ النّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ وقالَ في السَّجْدَةِ: ﴿عَذابَ النّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ﴾ جَعَلَ المُكَذَّبَ هُنالِكَ العَذابَ وجَعَلَ المُكَذَّبَ هَهُنا النّارَ وهم كانُوا يُكَذِّبُونَ بِالكُلِّ، والفائِدَةُ فِيها أنَّ هُناكَ لَمْ يَكُنْ أوَّلُ ما رَأوُا النّارَ بَلْ كانُوا هم فِيها مِن زَمانٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها وقِيلَ لَهم ذُوقُوا عَذابَ النّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠] أيِ العَذابَ المُؤَبَّدَ الَّذِي أنْكَرْتُمُوهُ بِقَوْلِكم: ﴿لَنْ تَمَسَّنا النّارُ إلّا أيّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠] أيْ: قُلْتُمْ: إنَّ العَذابَ إنْ وقَعَ فَلا يَدُومُ فَذُوقُوا [ العَذابَ ] الدّائِمَ، وهَهُنا أوَّلُ ما رَأوُا النّارُ لِأنَّهُ مَذْكُورٌ عَقِيبَ الحَشْرِ والسُّؤالِ، فَقِيلَ لَهم: هَذِهِ ﴿النّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب