الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ المَوْتَ ما دَلَّهم عَلى مَوْتِهِ إلّا دابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأتَهُ فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا في العَذابِ المُهِينِ﴾ . لَمّا بَيَّنَ عَظَمَةَ سُلَيْمانَ وتَسْخِيرَ الرِّيحِ والرُّوحِ لَهُ، بَيَّنَ أنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنَ المَوْتِ، وأنَّهُ قَضى عَلَيْهِ المَوْتَ، تَنْبِيهًا لِلْخَلْقِ عَلى أنَّ المَوْتَ لا بُدَّ مِنهُ، ولَوْ نَجا مِنهُ أحَدٌ لَكانَ سُلَيْمانُ أوْلى بِالنَّجاةِ مِنهُ، وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: كانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقِفُ في عِبادَةِ اللَّهِ لَيْلَةً كامِلَةً ويَوْمًا تامًّا وفي بَعْضِ الأوْقاتِ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وكانَ لَهُ عَصًا يَتَّكِئُ عَلَيْها واقِفًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، ثُمَّ في بَعْضِ الأوْقاتِ كانَ واقِفًا عَلى عادَتِهِ في عِبادَتِهِ إذْ تُوُفِّيَ، فَظَنَّ جُنُودُهُ أنَّهُ في العِبادَةِ وبَقِيَ كَذَلِكَ أيّامًا وتَمادى شُهُورًا، ثُمَّ أرادَ اللَّهُ إظْهارَ الأمْرِ لَهم، فَقَدَّرَ أنْ أكَلَتْ دابَّةُ الأرْضِ عَصاهُ فَوَقَعَ وعُلِمَ حالُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا في العَذابِ المُهِينِ﴾ كانَتِ الجِنُّ تَعْلَمُ ما لا يَعْلَمُهُ الإنْسانُ فَظَنَّ أنَّ ذَلِكَ القَدْرَ عِلْمُ الغَيْبِ ولَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الإنْسانُ لَمْ يُؤْتَ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا فَهو أكْثَرُ الأشْياءِ الحاضِرَةِ لا يَعْلَمُهُ، والجِنُّ لَمْ تَعْلَمْ إلّا الأشْياءَ الظّاهِرَةَ وإنْ كانَتْ خَفِيَّةً بِالنِّسْبَةِ إلى (p-٢١٧)الإنْسانِ، وتَبَيَّنَ لَهُمُ الأمْرُ بِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ إذْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَهُ لَما بَقُوا في الأعْمالِ الشّاقَّةِ ظانِّينَ أنَّ سُلَيْمانَ حَيٌّ. وقَوْلُهُ: ﴿ما لَبِثُوا في العَذابِ المُهِينِ﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ مِنَ الجِنِّ لَمْ يَكُونُوا في التَّسْخِيرِ؛ لِأنَّ المُؤْمِنَ لا يَكُونُ في زَمانِ النَّبِيِّ في العَذابِ المُهِينِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب