الباحث القرآني
(p-٢٠٦)(سُورَةُ سَبَأٍ)
مَكِّيَّةٌ، وقِيلَ: فِيها آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ وهي ﴿ويَرى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ الآيَةَ.
وهِيَ أرْبَعٌ وقِيلَ خَمْسٌ وخَمْسُونَ آيَةً
﷽
﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ولَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾
﷽
﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ولَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ .
السُّوَرُ المُفْتَتَحَةُ بِالحَمْدِ خَمْسُ سُوَرٍ: سُورَتانِ مِنها في النِّصْفِ الأوَّلِ، وهُما الأنْعامُ والكَهْفُ، وسُورَتانِ في الأخِيرِ، وهُما هَذِهِ السُّورَةُ وسُورَةُ المَلائِكَةِ، والخامِسَةُ وهي فاتِحَةُ الكِتابِ تُقْرَأُ مَعَ النِّصْفِ الأوَّلِ ومَعَ النِّصْفِ الأخِيرِ، والحِكْمَةُ فِيها أنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَعَ كَثْرَتِها وعَدَمِ قُدْرَتِنا عَلى إحْصائِها مُنْحَصِرَةٌ في قِسْمَيْنِ: نِعْمَةُ الإيجادِ، ونِعْمَةُ الإبْقاءِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَنا أوَّلًا بِرَحْمَتِهِ وخَلَقَ لَنا ما نَقُومُ بِهِ، وهَذِهِ النِّعْمَةُ تُوجَدُ مَرَّةً أُخْرى بِالإعادَةِ فَإنَّهُ يَخْلُقُنا مَرَّةً أُخْرى ويَخْلُقُ لَنا ما يَدُومُ، فَلَنا حالَتانِ الِابْتِداءُ والإعادَةُ، وفي كُلِّ حالَةٍ لَهُ تَعالى عَلَيْنا نِعْمَتانِ: نِعْمَةُ الإيجادِ ونِعْمَةُ الإبْقاءِ، فَقالَ في النِّصْفِ الأوَّلِ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] إشارَةً إلى الشُّكْرِ عَلى نِعْمَةِ الإيجادِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى فِيهِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن طِينٍ﴾ [الأنعام: ٢] إشارَةً إلى الإيجادِ الأوَّلِ، وقالَ في السُّورَةِ الثّانِيَةِ وهي الكَهْفُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الكِتابَ ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا﴾ ﴿قَيِّمًا﴾ [ الكَهْفِ: ١] إشارَةً إلى الشُّكْرِ عَلى نِعْمَةِ الإبْقاءِ، فَإنَّ الشَّرائِعَ بِها البَقاءُ، ولَوْلا شَرْعٌ يَنْقادُ لَهُ الخَلْقُ لاتَّبَعَ كُلُّ واحِدٍ هَواهُ، ولَوَقَعَتِ المُنازَعاتُ في المُشْتَبِهاتِ وأدّى إلى التَّقاتُلِ والتَّفانِي، ثُمَّ قالَ في هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إشارَةً إلى نِعْمَةِ الإيجادِ الثّانِي ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ﴾ وقالَ في المَلائِكَةِ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إشارَةً إلى نِعْمَةِ الإبْقاءِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا﴾ والمَلائِكَةُ بِأجْمَعِهِمْ لا يَكُونُونَ رُسُلًا إلّا يَوْمَ القِيامَةِ يُرْسِلُهُمُ اللَّهُ مُسَلِّمِينَ كَما قالَ تَعالى: ﴿وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] وقالَ تَعالى عَنْهم: ﴿سَلامٌ عَلَيْكم طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] وفاتِحَةُ الكِتابِ لَمّا اشْتَمَلَتْ عَلى ذِكْرِ النِّعْمَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [ الفاتِحَةِ: ٢] إشارَةً إلى (p-٢٠٧)النِّعْمَةِ العاجِلَةِ، وقَوْلِهِ: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ إشارَةً إلى النِّعْمَةِ الآجِلَةِ قُرِئَتْ في الِافْتِتاحِ وفي الِاخْتِتامِ، ثُمَّ فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الحَمْدُ شُكْرٌ، والشُّكْرُ عَلى النِّعْمَةِ، واللَّهُ تَعالى جَعَلَ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ ولَمْ يُبَيِّنْ أنَّهُ لَنا حَتّى يَجِبَ الشُّكْرُ، نَقُولُ جَوابًا عَنْهُ: الحَمْدُ يُفارِقُ الشُّكْرَ في مَعْنًى وهو أنَّ الحَمْدَ أعَمُّ فَيُحْمَدُ مَن فِيهِ صِفاتٌ حَمِيدَةٌ وإنْ لَمْ يُنْعِمْ عَلى الحامِدِ أصْلًا، فَإنَّ الإنْسانَ يَحْسُنُ مِنهُ أنْ يَقُولَ في حَقِّ عالِمٍ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ أصْلًا: إنَّهُ عالِمٌ عامِلٌ بارِعٌ كامِلٌ، فَيُقالُ لَهُ: إنَّهُ يَحْمَدُ فُلانًا ولا يُقالُ: إنَّهُ يَشْكُرُهُ إلّا إذا ذَكَرَ نِعَمَهُ أوْ ذَكَرَهُ عَلى نِعَمِهِ، فاللَّهُ تَعالى مَحْمُودٌ في الأزَلِ لِاتِّصافِهِ بِأوْصافِ الكَمالِ ونُعُوتِ الجَلالِ، ومَشْكُورٌ ولا يَزالُ عَلى ما أبْدى مِنَ الكَرَمِ وأسْدى مِنَ النِّعَمِ فَلا يَلْزَمُ ذِكْرُ النِّعْمَةِ لِلْحَمْدِ بَلْ يَكْفِي ذِكْرُ العَظَمَةِ وفي كَوْنِهِ مالِكَ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ عَظَمَةٌ كامِلَةٌ فَلَهُ الحَمْدُ، عَلى أنّا نَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ يُوجِبُ شُكْرًا أتَمَّ مِمّا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٩] وذَلِكَ لِأنَّ ما في السَّماواتِ والأرْضِ إذا كانَ لِلَّهِ ونَحْنُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ لا هو، يُوجِبُ ذَلِكَ شُكْرًا لا يُوجِبُهُ كَوْنُ ذَلِكَ لَنا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْتُمْ أنَّ الحَمْدَ هَهُنا إشارَةٌ إلى النِّعْمَةِ الَّتِي في الآخِرَةِ، فَلِمَ ذَكَرَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ ؟ فَنَقُولُ: نِعَمُ الآخِرَةِ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَذَكَرَ اللَّهُ النِّعَمَ المَرْئِيَّةَ وهي ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ﴾ لِيُقاسَ نِعَمُ الآخِرَةِ بِنِعَمِ الدُّنْيا ويُعْلَمَ فَضْلُها بِدَوامِها وفَناءِ العاجِلَةِ ولِهَذا قالَ: ﴿وهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ إشارَةً إلى أنَّ خَلْقَ هَذِهِ الأشْياءِ بِالحِكْمَةِ والخَيْرِ، والحِكْمَةُ صِفَةٌ ثابِتَةٌ لِلَّهِ لا يُمْكِنُ زَوالُها فَيُمْكِنُ مِنهُ إيجادُ أمْثالِ هَذِهِ مَرَّةً أُخْرى في الآخِرَةِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الحِكْمَةُ هي العِلْمُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الفِعْلُ فَإنَّ مَن يَعْلَمُ أمْرًا ولَمْ يَأْتِ بِما يُناسِبُ عِلْمَهُ لا يُقالُ لَهُ حَكِيمٌ، فالفاعِلُ الَّذِي فِعْلُهُ عَلى وفْقِ العِلْمِ هو الحَكِيمُ، والخَبِيرُ هو الَّذِي يَعْلَمُ عَواقِبَ الأُمُورِ وبَواطِنَها فَقَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) أيْ في الِابْتِداءِ يَخْلُقُ كَما يَنْبَغِي وخَبِيرٌ أيْ بِالِانْتِهاءِ يَعْلَمُ ماذا يَصْدُرُ مِنَ المَخْلُوقِ وما لا يَصْدُرُ إلى ماذا يَكُونُ مَصِيرُ كُلِّ أحَدٍ فَهو حَكِيمٌ في الِابْتِداءِ خَبِيرٌ في الِانْتِهاءِ.
{"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق