الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأهُ اللَّهُ مِمّا قالُوا﴾ . لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ مَن يُؤْذِي اللَّهَ ورَسُولَهُ يُلْعَنُ ويُعَذَّبُ وكانَ ذَلِكَ إشارَةً إلى إيذاءٍ هو كُفْرٌ، أرْشَدَ المُؤْمِنِينَ إلى الِامْتِناعِ مِن إيذاءٍ هو دُونَهُ وهو لا يُورِثُ كُفْرًا، وذَلِكَ مِثْلُ مَن لَمْ يَرْضَ بِقِسْمَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وبِحُكْمِهِ بِالفَيْءِ لِبَعْضٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ آذَوْا مُوسى﴾ وحَدِيثُ إيذاءِ مُوسى مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قالَ بَعْضُهم هو إيذاؤُهم إيّاهُ بِنِسْبَتِهِ إلى عَيْبٍ في بَدَنِهِ، وقالَ بَعْضُهم: [ إنَّ ] قارُونَ قَرَّرَ مَعَ امْرَأةٍ فاحِشَةٍ حَتّى تَقُولَ عِنْدَ بَنِي إسْرائِيلَ: إنَّ مُوسى زَنى بِي فَلَمّا جَمَعَ قارُونُ القَوْمَ، والمَرْأةُ حاضِرَةٌ ألْقى اللَّهُ في قَلْبِها أنَّها صَدَقَتْ ولَمْ تَقُلْ ما لُقِّنَتْ، وبِالجُمْلَةِ الإيذاءُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ كافٍ وهو أنَّهم قالُوا لَهُ: ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا﴾ [المائدة: ٢٤] وقَوْلُهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] وقَوْلُهم: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ [البقرة: ٦١] إلى غَيْرِ ذَلِكَ فَقالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: لا تَكُونُوا أمْثالَهم إذا طَلَبَكُمُ الرَّسُولُ إلى القِتالِ؛ أيْ: لا تَقُولُوا: ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا﴾ ولا تَسْألُوا ما لَمْ يُؤْذَنْ لَكم فِيهِ: ”وإذا أمَرَكُمُ الرَّسُولُ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنهُ ما اسْتَطَعْتُمْ“ وقَوْلُهُ: ﴿فَبَرَّأهُ اللَّهُ مِمّا قالُوا﴾ عَلى الأوَّلِ ظاهِرٌ؛ لِأنَّهُ أبْرَزَ جِسْمَهُ لِقَوْمِهِ فَرَأوْهُ وعَلِمُوا فَسادَ اعْتِقادِهِمْ ونَطَقَتِ المَرْأةُ بِالحَقِّ وأمَرَ المَلائِكَةَ حَتّى عَبَرُوا بِهارُونَ عَلَيْهِمْ فَرَأوْهُ غَيْرَ مَجْرُوحٍ فَعَلِمُوا بَراءَةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ قَتْلِهِ الَّذِي رَمَوْهُ بِهِ، وعَلى ما ذَكَرْنا ﴿فَبَرَّأهُ اللَّهُ مِمّا قالُوا﴾ أيْ أخْرَجَهُ عَنْ عُهْدَةِ ما طَلَبُوا بِإعْطائِهِ البَعْضَ إيّاهم وإظْهارِهِ عَدَمَ جَوازِ البَعْضِ، وبِالجُمْلَةِ قَطَعَ اللَّهُ حُجَّتَهم ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ والمَسْكَنَةَ وغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿وكانَ عِنْدَ اللَّهِ وجِيهًا﴾ أيْ ذا وجاهَةٍ ومَعْرِفَةٍ، والوَجِيهُ هو الرَّجُلُ الَّذِي يَكُونُ لَهُ وجْهٌ أيْ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِالخَيْرِ، وكُلُّ أحَدٍ وإنْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ مَعْرُوفًا لَكِنَّ المَعْرِفَةَ المُجَرَّدَةَ لا تَكْفِي في الوَجاهَةِ، فَإنَّ مَن عَرَفَ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ خادِمًا لَهُ وأجِيرًا عِنْدَهُ لا يُقالُ: هو وجِيهٌ عِنْدَ فُلانٍ، وإنَّما الوَجِيهُ مَن يَكُونُ لَهُ خِصالٌ حَمِيدَةٌ تَجْعَلُ مِن شَأْنِهِ أنْ يُعْرَفَ ولا يُنْكَرَ، وكانَ كَذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب