الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِأزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ .
لَمّا ذَكَرَ أنَّ مَن يُؤْذِي المُؤْمِنِينَ يَحْتَمِلُ بُهْتانًا وكانَ فِيهِ مَنعُ المُكَلَّفِ عَنْ إيذاءِ المُؤْمِنِ، أمَرَ المُؤْمِنَ بِاجْتِنابِ المَواضِعِ الَّتِي فِيها التُّهَمُ المُوجِبَةُ لِلتَّأذِّي لِئَلّا يَحْصُلَ الإيذاءُ المَمْنُوعُ مِنهُ. ولَمّا كانَ الإيذاءُ القَوْلِيُّ مُخْتَصًّا بِالذِّكْرِ اخْتَصَّ بِالذِّكْرِ ما هو سَبَبُ الإيذاءِ القَوْلِيِّ وهو النِّساءُ فَإنَّ ذِكْرَهُنَّ بِالسُّوءِ يُؤْذِي الرِّجالَ والنِّساءَ بِخِلافِ ذِكْرِ الرِّجالِ فَإنَّ مَن ذَكَرَ امْرَأةً بِالسُّوءِ تَأذَّتْ وتَأذّى أقارِبُها أكْثَرَ مِن تَأذِّيها، ومَن ذَكَرَ رَجُلًا بِالسُّوءِ تَأذّى ولا يَتَأذّى نِساؤُهُ، وكانَ في الجاهِلِيَّةِ تَخْرُجُ الحُرَّةُ والأمَةُ مَكْشُوفاتٍ يَتْبَعُهُنَّ الزُّناةُ وتَقَعُ التُّهَمُ، فَأمَرَ اللَّهُ الحَرائِرَ بِالتَّجَلْبُبِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ قِيلَ يُعْرَفْنَ أنَّهُنَّ حَرائِرُ فَلا يُتْبَعْنَ ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: المُرادُ يُعْرَفْنَ أنَّهُنَّ لا يَزْنِينَ لِأنَّ مَن تَسْتُرُ وجْهَها مَعَ أنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لا يُطْمَعُ فِيها أنَّها تَكْشِفُ عَوْرَتَها فَيُعْرَفْنَ أنَّهُنَّ مَسْتُوراتٌ (p-١٩٩)لا يُمْكِنُ طَلَبُ الزِّنا مِنهُنَّ. وقَوْلُهُ: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يَغْفِرُ لَكم ما قَدْ سَلَفَ بِرَحْمَتِهِ ويُثِيبُكم عَلى ما تَأْتُونَ بِهِ راحِمًا عَلَيْكم.
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والمُرْجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلّا قَلِيلًا﴾
لَمّا ذَكَرَ حالَ المُشْرِكِ الَّذِي يُؤْذِي اللَّهَ ورَسُولَهُ، والمُجاهِرِ الَّذِي يُؤْذِي المُؤْمِنِينَ، ذَكَرَ حالَ المُسِرِّ الَّذِي يُظْهِرُ الحَقَّ ويُضْمِرُ الباطِلَ وهو المُنافِقُ، ولَمّا كانَ المَذْكُورُ مِن قَبْلُ أقْوامًا ثَلاثَةً نَظَرًا إلى اعْتِبارِ أُمُورٍ ثَلاثَةٍ: وهُمُ المُؤْذُونَ اللَّهَ، والمُؤْذُونَ الرَّسُولَ، والمُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ، ذَكَرَ مِنَ المُسِرِّينَ ثَلاثَةً نَظَرًا إلى اعْتِبارِ أُمُورٍ ثَلاثَةٍ:
أحَدُها: المُنافِقُ الَّذِي يُؤْذِي اللَّهَ سِرًّا.
والثّانِي: الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ الَّذِي يُؤْذِي المُؤْمِنَ بِاتِّباعِ نِسائِهِ.
والثّالِثُ: المُرْجِفُ الَّذِي يُؤْذِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالإرْجافِ بِقَوْلِهِ: غُلِبَ مُحَمَّدٌ وسَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ وسَيُؤْخَذُ، وهَؤُلاءِ وإنْ كانُوا قَوْمًا واحِدًا إلّا أنَّ لَهم ثَلاثَ اعْتِباراتٍ وهَذا في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ والمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] حَيْثُ ذَكَرَ أصْنافًا عَشَرَةً، وكُلُّهم يُوجَدُ في واحِدٍ، فَهم واحِدٌ بِالشَّخْصِ كَثِيرٌ بِالِاعْتِبارِ، وقَوْلُهُ: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ أيْ لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ ولَنُخْرِجَنَّهم مِنَ المَدِينَةِ، ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ وتَخْلُو المَدِينَةُ مِنهم بِالمَوْتِ أوِ الإخْراجِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ، فَإذا أغْرَيْناكَ لا يُجاوِرُونَكَ، والأوَّلُ: كَقَوْلِ القائِلِ: يَخْرُجُ فُلانٌ ويَقْرَأُ؛ إشارَةً إلى أمْرَيْنِ.
والثّانِي: كَقَوْلِهِ يَخْرُجُ فُلانٌ ويَدْخُلُ السُّوقَ فَفي الأوَّلِ يَقْرَأُ وإنْ لَمْ يَخْرُجْ، وفي الثّانِي لا يَدْخُلُ إلّا إذا خَرَجَ. والِاسْتِثْناءُ فِيهِ لَطِيفَةٌ وهي أنَّ اللَّهَ تَعالى وعَدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ يُخْرِجُ أعْداءَهُ مِنَ المَدِينَةِ ويَنْفِيهِمْ عَلى يَدِهِ إظْهارًا لِشَوْكَتِهِ، ولَوْ كانَ النَّفْيُ بِإرادَةِ اللَّهِ مِن غَيْرِ واسِطَةِ النَّبِيِّ لَأخْلى المَدِينَةَ عَنْهم في ألْطَفِ آنٍ [ بِقَوْلِهِ ] كُنْ فَيَكُونُ، ولَكِنْ لَمّا أرادَ اللَّهُ أنْ يَكُونَ عَلى يَدِ النَّبِيِّ لا يَقَعُ ذَلِكَ إلّا بِزَمانٍ وإنْ لَطُفَ فَقالَ: ﴿ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلّا قَلِيلًا﴾ وهو أنْ يَتَهَيَّئُوا ويَتَأهَّبُوا لِلْخُرُوجِ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنَّۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنَّۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق