الباحث القرآني

(p-١٦٨)ثُمَّ بَيَّنَ الهِدايَةَ وقالَ: ﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ هو أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم في الدِّينِ ومَوالِيكم ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكم وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ﴾ أرْشَدُ وقالَ: ﴿هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ أعْدَلُ، فَإنَّهُ وضْعُ الشَّيْءِ في مَوْضِعِهِ، وهو يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ تَرَكَ الإضافَةَ لِلْعُمُومِ، أيْ أعْدَلُ كُلِّ كَلامٍ كَقَوْلِ القائِلِ: اللَّهُ أكْبَرُ. وثانِيهِما: أنْ يَكُونَ ما تَقَدَّمَ مَنوِيًّا كَأنَّهُ قالَ: ذَلِكَ أقْسَطُ مِن قَوْلِكم هو ابْنُ فُلانٍ، ثُمَّ تَمَّمَ الإرْشادَ وقالَ: (﴿فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم في الدِّينِ ومَوالِيكُمْ﴾ يَعْنِي قُولُوا لَهم: إخْوانُنا وأخُو فُلانٍ، فَإنْ كانُوا مُحَرَّرِينَ فَقُولُوا: مَوْلى فُلانٍ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ يَعْنِي قَوْلَ القائِلِ لِغَيْرِهِ: يا بُنَيَّ بِطَرِيقِ الشَّفَقَةِ، وقَوْلُ القائِلِ لِغَيْرِهِ: يا أبِي بِطَرِيقِ التَّعْظِيمِ، فَإنَّهُ مِثْلُ الخَطَأِ، ألا تَرى أنَّ اللَّغْوَ في اليَمِينِ مِثْلُ الخَطَأِ وسَبْقِ اللِّسانِ، فَكَذَلِكَ سَبْقُ اللِّسانِ في قَوْلِ القائِلِ: ابْنِي، والسَّهْوُ في قَوْلِهِ ابْنِي مِن غَيْرِ قَصْدٍ إلى إثْباتِ النَّسَبِ سَواءٌ. وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما سَبَقَ وهو الجُناحُ، يَعْنِي ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكم فِيهِ جُناحٌ. ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ويَرْحَمُ المُذْنِبَ، وقَدْ ذَكَرْنا كَلامًا شافِيًا في المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ في مَواضِعَ، ونُعِيدُ بَعْضَها هَهُنا فَنَقُولُ: المَغْفِرَةُ هو أنْ يَسْتَرِدَّ القادِرُ القَبِيحَ الصّادِرَ مِمَّنْ تَحْتَ قُدْرَتِهِ حَتّى إنَّ العَبْدَ إذا سَتَرَ عَيْبَ سَيِّدِهِ مَخافَةَ عِقابِهِ لا يُقالُ إنَّهُ غَفَرَ لَهُ، والرَّحْمَةُ هو أنْ يَمِيلَ إلَيْهِ بِالإحْسانِ لِعَجْزِ المَرْحُومِ إلَيْهِ لا لِعِوَضٍ، فَإنَّ مَن مالَ إلى إنْسانٍ قادِرٍ كالسُّلْطانِ لا يُقالُ رَحِمَهُ، وكَذا مَن أحْسَنَ إلى غَيْرِهِ رَجاءً في خَيْرِهِ أوْ عِوَضًا عَمّا صَدَرَ مِنهُ آنِفًا مِنَ الإحْسانِ لا يُقالُ رَحِمَهُ، إذا عُلِمَ هَذا فالمَغْفِرَةُ إذا ذُكِرَتْ قَبْلَ الرَّحْمَةِ يَكُونُ مَعْناها أنَّهُ سَتَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ رَآهُ مُفْلِسًا عاجِزًا فَرَحِمَهُ وأعْطاهُ ما كَفاهُ، وإذا ذُكِرَتِ المَغْفِرَةُ بَعْدَ الرَّحْمَةِ وهو قَلِيلٌ يَكُونُ مَعْناها أنَّهُ مالَ إلَيْهِ لِعَجْزِهِ فَتَرَكَ عِقابَهُ ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ سَتَرَ ذُنُوبَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب