الباحث القرآني
(p-١٨٢)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ والحِكْمَةِ﴾ أيِ القُرْآنِ. ﴿والحِكْمَةِ﴾ أيْ كَلِماتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ إشارَةً إلى ما ذَكَرْنا مِن أنَّ التَّكالِيفَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ في الصَّلاةِ والزَّكاةِ، وما ذَكَرَ اللَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى﴾ لِيَعْلَمْنَ الواجِباتِ كُلَّها فَيَأْتِينَ بِها، والمُحَرَّماتِ بِأسْرِها فَيَنْتَهِينَ عَنْها.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ إشارَةٌ إلى أنَّهُ خَبِيرٌ بِالبَواطِنِ لَطِيفٌ، فَعِلْمُهُ يَصِلُ إلى كُلِّ شَيْءٍ، ومِنهُ اللَّطِيفُ الَّذِي يَدْخُلُ في المَسامِّ الضَّيِّقَةِ ويَخْرُجُ مِنَ المَسالِكِ المَسْدُودَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ والمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ لَمّا أمَرَهُنَّ ونَهاهُنَّ وبَيَّنَ ما يَكُونُ لَهُنَّ وذَكَرَ لَهُنَّ عَشْرَ مَراتِبَ الأُولى: الإسْلامُ والِانْقِيادُ لِأمْرِ اللَّهِ. والثّانِيَةُ: الإيمانُ بِما يَرِدُ بِهِ أمْرُ اللَّهِ، فَإنَّ المُكَلَّفَ أوَّلًا يَقُولُ: كُلُّ ما يَقُولُهُ أقْبَلُهُ، فَهَذا إسْلامٌ، فَإذا قالَ اللَّهُ شَيْئًا وقَبِلَهُ صَدَّقَ مَقالَتَهُ وصَحَّحَ اعْتِقادَهُ فَهو إيمانٌ، ثُمَّ اعْتِقادُهُ يَدْعُوهُ إلى الفِعْلِ الحَسَنِ والعَمَلِ الصّالِحِ فَيَقْنُتُ ويَعْبُدُ وهو المَرْتَبَةُ الثّالِثَةُ المَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿والقانِتِينَ والقانِتاتِ﴾، ثُمَّ إذا آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا كَمُلَ فَيُكَمِّلُ غَيْرَهُ ويَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ ويَنْصَحُ أخاهُ فَيَصْدُقُ في كَلامِهِ عِنْدَ النَّصِيحَةِ وهو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿والصّادِقِينَ والصّادِقاتِ﴾، ثُمَّ إنَّ مَن يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ يُصِيبُهُ أذًى فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿والصّابِرِينَ والصّابِراتِ﴾ ثُمَّ إنَّهُ إذا كَمُلَ وكَمَّلَ قَدْ يَفْتَخِرُ بِنَفْسِهِ ويَعْجَبُ بِعِبادَتِهِ فَمَنَعَهُ مِنهُ بِقَوْلِهِ: ﴿والخاشِعِينَ والخاشِعاتِ﴾ أوْ نَقُولُ: لَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الحَسَناتِ أشارَ إلى ما يَمْنَعُ مِنها وهو إمّا حُبُّ الجاهِ أوْ حُبُّ المالِ مِنَ الأُمُورِ الخارِجِيَّةِ أوِ الشَّهْوَةُ مِنَ الأُمُورِ الدّاخِلَةِ، والغَضَبُ مِنهُما يَكُونُ لِأنَّهُ يَكُونُ بِسَبَبِ نَقْصِ جاهٍ أوْ فَوْتِ مالٍ أوْ مَنعٍ مِن أمْرٍ مَشْتَهًى.
فَقَوْلُهُ: ﴿والخاشِعِينَ والخاشِعاتِ﴾ أيِ المُتَواضِعِينَ الَّذِينَ لا يُمِيلُهُمُ الجاهُ عَنِ العِبادَةِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والمُتَصَدِّقِينَ والمُتَصَدِّقاتِ﴾ أيِ الباذِلِينَ الأمْوالَ الَّذِينَ لا يَكْنِزُونَها لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ إيّاها. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والصّائِمِينَ والصّائِماتِ﴾ إشارَةً إلى الَّذِينَ لا تَمْنَعُهُمُ الشَّهْوَةُ البَطْنِيَّةُ مِن عِبادَةِ اللَّهِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والحافِظِينَ فُرُوجَهم والحافِظاتِ﴾ أيِ الَّذِينَ لا تَمْنَعُهُمُ الشَّهْوَةُ الفَرْجِيَّةُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ﴾ يَعْنِي هم في جَمِيعِ هَذِهِ الأحْوالِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، ويَكُونُ إسْلامُهم وإيمانُهم وقُنُوتُهم وصِدْقُهم وصَبْرُهم وخُشُوعُهم وصَدَقَتُهم وصَوْمُهم بِنِيَّةٍ صادِقَةٍ لِلَّهِ، واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى في أكْثَرِ المَواضِعِ حَيْثُ ذَكَرَ الذِّكْرَ قَرَنَهُ بِالكَثْرَةِ هَهُنا، وفي قَوْلِهِ بَعْدَ هَذا: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١] وقالَ مِن قَبْلُ: ﴿لِمَن كانَ يَرْجُو اللَّهَ واليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الممتحنة: ٦] لِأنَّ الإكْثارَ مِنَ الأفْعالِ البَدَنِيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أوْ عُسْرٌ، فَإنَّ الإنْسانَ أكْلُهُ وشُرْبُهُ، وتَحْصِيلُ مَأْكُولِهِ ومَشْرُوبِهِ يَمْنَعُهُ مِن أنْ يَشْتَغِلَ دائِمًا بِالصَّلاةِ، ولَكِنْ لا مانِعَ لَهُ مِن أنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعالى وهو آكِلٌ ويَذْكُرَهُ وهو شارِبٌ أوْ ماشٍ أوْ بائِعٌ أوْ شارٍ، وإلى هَذا أشارَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] ولِأنَّ جَمِيعَ الأعْمالِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وهي النِّيَّةُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أعَدَّ اللَّهُ لَهم مَغْفِرَةً﴾ تَمْحُو ذُنُوبَهم وقَوْلُهُ: ﴿وأجْرًا عَظِيمًا﴾ ذَكَرْناهُ فِيما تَقَدَّمَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضى اللَّهُ ورَسُولُهُ أمْرًا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾
قِيلَ: بِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في زَيْنَبَ حَيْثُ أرادَ النَّبِيُّ ﷺ تَزْوِيجَها مِن زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ فَكَرِهَتْ إلّا النَّبِيَّ عَلَيْهِ (p-١٨٣)السَّلامُ، وكَذَلِكَ أخُوها امْتَنَعَ فَنَزَلَتِ الآيَةُ فَرَضِيا بِهِ، والوَجْهُ أنْ يُقالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أمَرَ نَبِيَّهُ بِأنْ يَقُولَ لِزَوْجاتِهِ إنَّهُنَّ مُخَيَّراتٌ فُهِمَ مِنهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لا يُرِيدُ ضَرَرَ الغَيْرِ، فَمَن كانَ مَيْلُهُ إلى شَيْءٍ يُمَكِّنُهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن ذَلِكَ، ويَتْرُكُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ حَقَّ نَفْسِهِ لِحَظِّ غَيْرِهِ، فَقالَ في هَذِهِ الآيَةِ: لا يَنْبَغِي أنْ يَظُنَّ ظانٌّ أنَّ هَوى نَفْسِهِ مُتَّبِعُهُ، وأنَّ زِمامَ الِاخْتِيارِ بِيَدِ الإنْسانِ كَما في الزَّوْجاتِ، بَلْ لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ أنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِيارٌ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَما أمَرَ اللَّهُ هو المُتَّبَعُ وما أرادَ النَّبِيُّ هو الحَقُّ، ومَن خالَفَهُما في شَيْءٍ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا؛ لِأنَّ اللَّهَ هو المَقْصِدُ والنَّبِيُّ هو الهادِي المُوصِلُ، فَمَن تَرَكَ المَقْصِدَ ولَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الهادِي فَهو ضالٌّ قَطْعًا.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا","إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِینَ وَٱلۡمُسۡلِمَـٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰبِرَ ٰتِ وَٱلۡخَـٰشِعِینَ وَٱلۡخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِینَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰۤىِٕمِینَ وَٱلصَّـٰۤىِٕمَـٰتِ وَٱلۡحَـٰفِظِینَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَـٰفِظَـٰتِ وَٱلذَّ ٰكِرِینَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا وَٱلذَّ ٰكِرَ ٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا","وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلࣰا مُّبِینࣰا"],"ayah":"إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِینَ وَٱلۡمُسۡلِمَـٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰبِرَ ٰتِ وَٱلۡخَـٰشِعِینَ وَٱلۡخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِینَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰۤىِٕمِینَ وَٱلصَّـٰۤىِٕمَـٰتِ وَٱلۡحَـٰفِظِینَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَـٰفِظَـٰتِ وَٱلذَّ ٰكِرِینَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا وَٱلذَّ ٰكِرَ ٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











