الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يانِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾
لَمّا خَيَّرَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ واخْتَرْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أدَّبَهُنَّ اللَّهُ وهَدَّدَهُنَّ لِلتَّوَقِّي عَمّا يَسُوءُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، ويَقْبُحُ بِهِنَّ مِنَ الفاحِشَةِ الَّتِي هي أصْعَبُ عَلى الزَّوْجِ مِن كُلِّ ما تَأْتِي بِهِ زَوْجَتُهُ، وأوْعَدَهُنَّ بِتَضْعِيفِ العَذابِ، وفِيهِ حِكْمَتانِ:
إحْداهُما: أنَّ زَوْجَةَ الغَيْرِ تُعَذَّبُ عَلى الزِّنا بِسَبَبِ ما في الزِّنا مِنَ المَفاسِدِ، وزَوْجَةُ النَّبِيِّ تُعَذَّبُ إنْ أتَتْ بِهِ لِذَلِكَ ولِإيذاءِ قَلْبِهِ والإزْراءِ بِمَنصِبِهِ، وعَلى هَذا بَناتُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَذَلِكَ، ولِأنَّ امْرَأةً لَوْ كانَتْ تَحْتَ النَّبِيِّ ﷺ وأتَتْ بِفاحِشَةٍ تَكُونُ قَدِ اخْتارَتْ غَيْرَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، ويَكُونُ ذَلِكَ الغَيْرُ خَيْرًا عِنْدَها مِنَ النَّبِيِّ وأوْلى، والنَّبِيُّ أوْلى مِنَ النَّفْسِ الَّتِي هي أوْلى مِنَ الغَيْرِ، فَقَدْ نَزَّلَتْ مَنصِبَ النَّبِيِّ مَرْتَبَتَيْنِ فَتُعَذَّبُ مِنَ العَذابِ ضِعْفَيْنِ.
ثانِيَتِهِما: أنَّ هَذا إشارَةٌ إلى شَرَفِهِنَّ، لِأنَّ الحُرَّةَ عَذابُها ضِعْفُ عَذابِ الأمَةِ إظْهارًا لِشَرَفِها، ونِسْبَةُ النَّبِيِّ إلى غَيْرِهِ مِنَ الرِّجالِ نِسْبَةُ السّاداتِ إلى العَبِيدِ لِكَوْنِهِ أوْلى بِهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ، فَكَذَلِكَ زَوْجاتُهُ وقَرائُبُهُ اللّاتِي هُنَّ أُمَّهاتُ المُؤْمِنِينَ، وأُمُّ الشَّخْصِ امْرَأةٌ حاكِمَةٌ عَلَيْهِ واجِبَةُ الطّاعَةِ، وزَوْجَتُهُ مَأْمُورَةٌ مَحْكُومَةٌ لَهُ وتَحْتَ طاعَتِهِ، فَصارَتْ زَوْجَةُ الغَيْرِ بِالنِّسْبَةِ إلى زَوْجَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كالأمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلى الحُرَّةِ، واعْلَمْ أنَّ قَوْلَ القائِلِ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ في قُوَّةِ قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] مِن حَيْثُ إنَّ ذَلِكَ مُمْكِنُ الوُقُوعِ في أوَّلِ النَّظَرِ، ولا يَقَعُ في بَعْضِ الصُّوَرِ جَزْمًا وفي بَعْضٍ يَقَعُ جَزْمًا مَن ماتَ فَقَدِ اسْتَراحَ، وفي البَعْضِ يَتَرَدَّدُ السّامِعُ في الأمْرَيْنِ، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ﴾ عِنْدَنا مِنَ القَبِيلِ الأوَّلِ، فَإنَّ الأنْبِياءَ صانَ اللَّهُ زَوْجاتِهِمْ عَنِ الفاحِشَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ أيْ لَيْسَ كَوْنُكُنَّ تَحْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وكَوْنُكُنَّ شَرِيفاتٍ جَلِيلاتٍ مِمّا يَدْفَعُ العَذابَ عَنْكُنَّ، ولَيْسَ أمْرُ اللَّهِ كَأمْرِ الخَلْقِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ تَعْذِيبُ الأعِزَّةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ أوْلِيائِهِمْ وأعْوانِهِمْ أوْ شُفَعائِهِمْ وإخْوانِهِمْ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ وتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ وأعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ وتَعْمَلْ صالِحًا﴾ بَيانًا لِزِيادَةِ ثَوابِهِنَّ، كَما بَيَّنَ زِيادَةَ عِقابِهِنَّ ﴿نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ مَعَ لَطِيفَةٍ وهي أنَّ عِنْدَ إيتاءِ (p-١٨٠)الأجْرِ ذَكَرَ المُؤْتِي وهو اللَّهُ، وعِنْدَ العَذابِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالمُعَذِّبِ فَقالَ: ﴿يُضاعَفْ﴾ إشارَةً إلى كَمالِ الرَّحْمَةِ والكَرَمِ، كَما أنَّ الكَرِيمَ الحَيَّ عِنْدَ النَّفْعِ يُظْهِرُ نَفْسَهُ وفِعْلَهُ، وعِنْدَ الضُّرِّ لا يَذْكَرُ نَفْسَهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا﴾ وُصِفَ رِزْقُ الآخِرَةِ بِكَوْنِهِ كَرِيمًا، مَعَ أنَّ الكَرِيمَ لا يَكُونُ إلّا وصْفًا لِلرَّزّاقِ إشارَةً إلى مَعْنًى لَطِيفٍ، وهو أنَّ الرِّزْقَ في الدُّنْيا مُقَدَّرٌ عَلى أيْدِي النّاسِ، التّاجِرُ يَسْتَرْزِقُ مِنَ السُّوقَةِ، والمُعامِلِينَ والصُّنّاعُ مِنَ المُسْتَعْمِلِينَ، والمُلُوكُ مِنَ الرَّعِيَّةِ والرَّعِيَّةُ مِنهم، فالرِّزْقُ في الدُّنْيا لا يَأْتِي بِنَفْسِهِ، وإنَّما هو مُسَخَّرٌ لِلْغَيْرِ يُمْسِكُهُ ويُرْسِلُهُ إلى الأغْيارِ. وأمّا في الآخِرَةِ فَلا يَكُونُ لَهُ مُرْسِلٌ ومُمْسِكٌ في الظّاهِرِ فَهو الَّذِي يَأْتِي بِنَفْسِهِ، فَلِأجْلِ هَذا لا يُوصَفُ في الدُّنْيا بِالكَرِيمِ إلّا الرَّزّاقُ، وفي الآخِرَةِ يُوصَفُ بِالكَرِيمِ نَفْسُ الرِّزْقِ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ مَن یَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲ یُضَـٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَیۡنِۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا","۞ وَمَن یَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَـٰلِحࣰا نُّؤۡتِهَاۤ أَجۡرَهَا مَرَّتَیۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقࣰا كَرِیمࣰا"],"ayah":"یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ مَن یَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲ یُضَـٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَیۡنِۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق