الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو يَفْصِلُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿أوَلَمْ يَهْدِ لَهم كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِنَ القُرُونِ يَمْشُونَ في مَساكِنِهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ أفَلا يَسْمَعُونَ﴾ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو يَفْصِلُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ هَذا يَصْلُحُ جَوابًا لِسُؤالٍ: وهو أنَّهُ لَمّا قالَ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ﴾ كانَ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: كَيْفَ كانُوا يَهْدُونَ وهُمُ اخْتَلَفُوا وصارُوا فِرَقًا وسَبِيلُ الحَقِّ واحِدٌ ؟ فَقالَ: فِيهِمْ هُداةٌ، واللَّهُ بَيَّنَ المُبْتَدِعَ مِنَ المُتَّبِعِ كَما يُبَيِّنُ المُؤْمِنَ مِنَ الكافِرِ يَوْمَ القِيامَةِ. وفِيهِ وجْهٌ آخَرُ: وهو أنَّ اللَّهَ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ المُخْتَلِفِينَ مِن أُمَّةٍ واحِدَةٍ كَما يَفْصِلُ بَيْنَ المُخْتَلِفِينَ مِنَ الأُمَمِ فَيَنْبَغِي أنْ لا يَأْمَنَ مَن آمَنَ وإنْ لَمْ يَجْتَهِدْ، فَإنَّ المُبْتَدِعَ مُعَذَّبٌ كالكافِرِ، غايَةُ ما في البابِ، أنَّ عَذابَ الكافِرِ أشُدُّ وآلَمُ وأمَدُّ وأدْوَمُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَهْدِ لَهم كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِنَ القُرُونِ﴾ قَدْ ذَكَرْنا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ تَقْرِيرٌ لِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وإعادَةٌ لِبَيانِ ما سَبَقَ في قَوْلِهِ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ﴾ [السجدة: ٣] ولَمّا أعادَ ذِكْرَ الرِّسالَةِ أعادَ ذِكْرَ التَّوْحِيدِ، فَقالَ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَهْدِ لَهم كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿يَمْشُونَ في مَساكِنِهِمْ﴾ زِيادَةُ إبانَةٍ، أيْ مَساكِنُ المُهْلَكِينَ دالَّةٌ عَلى حالِهِمْ، وأنْتُمْ تَمْشُونَ فِيها وتُبْصِرُونَها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ أفَلا يَسْمَعُونَ﴾ اعْتُبِرَ فِيهِ السَّمْعُ، لِأنَّهم ما كانَ لَهم قُوَّةُ الإدْراكِ بِأنْفُسِهِمْ والِاسْتِنْباطُ بِعُقُولِهِمْ، فَقالَ: ﴿أفَلا يَسْمَعُونَ﴾ يَعْنِي لَيْسَ لَهم دَرَجَةُ المُتَعَلِّمِ الَّذِي يَسْمَعُ الشَّيْءَ ويَفْهَمُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب