الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم واخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئًا إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾
(p-١٤٣)لَمّا ذَكَرَ الدَّلائِلَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى آخِرِها وعَظَ بِالتَّقْوى؛ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا كانَ واحِدًا أوْجَبَ التَّقْوى البالِغَةَ، فَإنَّ مَن يَعْلَمُ أنَّ الأمْرَ بِيَدِ اثْنَيْنِ لا يَخافُ أحَدُهُما مِثْلَ ما يَخافُ لَوْ كانَ الأمْرُ بِيَدِ أحَدِهِما لا غَيْرُ، ثُمَّ أكَّدَ الخَوْفَ بِذِكْرِ اليَوْمِ الَّذِي يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ العِبادِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ المَلِكَ إذا كانَ واحِدًا ويَعْهَدُ مِنهُ أنَّهُ لا يَعْلَمُ شَيْئًا ولا يَسْتَعْرِضُ عِبادَهُ، لا يَخافُ مِنهُ مِثْلَ ما يَخافُ إذا عَلِمَ أنَّ لَهُ يَوْمَ اسْتِعْراضٍ واسْتِكْشافٍ، ثُمَّ أكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ المُجْرِمَ إذا عَلِمَ أنَّ لَهُ عِنْدَ المَلِكِ مَن يَتَكَلَّمُ في حَقِّهِ ويَقْضِي ما يَخْرُجُ عَلَيْهِ بِرِفْدٍ مِن كَسْبِهِ لا يَخافُ مِثْلَ ما يَخافُ إذا عَلِمَ أنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَن يَقْضِي عَنْهُ ما يَخْرُجُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ شَخْصَيْنِ في غايَةِ الشَّفَقَةِ والمَحَبَّةِ، وهُما الوالِدُ والوَلَدُ لِيَسْتَدِلَّ بِالأدْنى عَلى الأعْلى، وذِكْرُ الوَلَدِ والوالِدِ جَمِيعًا فِيهِ لَطِيفَةٌ، وهي أنْ مِنَ الأُمُورِ ما يُبادِرُ الأبُ إلى التَّحَمُّلِ عَنِ الوَلَدِ كَدَفْعِ المالِ وتَحَمُّلِ الآلامِ، والوَلَدُ لا يُبادِرُ إلى تَحَمُّلِهِ عَنِ الوالِدِ مِثْلَ ما يُبادِرُ الوالِدُ إلى تَحَمُّلِهِ عَنِ الوَلَدِ، ومِنها ما يُبادِرُ الوَلَدُ إلى تَحَمُّلِهِ عَنِ الوالِدِ ولا يُبادِرُ الوالِدُ إلى تَحَمُّلِهِ عَنِ الوَلَدِ كالإهانَةِ، فَإنَّ مَن يُرِيدُ إحْضارَ والِدِ أحَدٍ عِنْدَ والٍ أوْ قاضٍ يَهُونُ عَلى الِابْنِ أنْ يَدْفَعَ الإهانَةَ عَنْ والِدِهِ، ويَحْضُرَ هو بَدَلَهُ، فَإذا انْتَهى الأمْرُ إلى الإيلامِ يَهُونُ عَلى الأبِ أنْ يَدْفَعَ الإيلامَ عَنِ ابْنِهِ ويَتَحَمَّلَهُ هو بِنَفْسِهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ﴾ في دَفْعِ الآلامِ ﴿ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئًا﴾ في دَفْعِ الإهانَةِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿لا يَجْزِي﴾ .
وقَوْلُهُ: ﴿ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ﴾ لَطِيفَةٌ أُخْرى، وهي أنّا ذَكَرْنا أنَّ الفِعْلَ يَتَأتّى وإنْ كانَ مِمَّنْ لا يَنْبَغِي ولا يَكُونُ مِن شَأْنِهِ؛ لِأنَّ المَلِكَ إذا كانَ يَخِيطُ شَيْئًا، يُقالُ إنَّهُ يَخِيطُ ولا يُقالُ هو خَيّاطٌ، وكَذَلِكَ مَن يَحِيكُ شَيْئًا، ولا يَكُونُ ذَلِكَ صَنْعَتَهُ، يُقالُ هو يَحِيكُ ولا يُقالُ هو حائِكٌ، إذا عَلِمْتَ هَذا فَنَقُولُ: الِابْنُ مِن شَأْنِهِ أنْ يَكُونَ جازِيًا عَنْ والِدِهِ؛ لِما لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الحُقُوقِ، والوالِدُ يَجْزِي لِما فِيهِ مِنَ الشَّفَقَةِ، ولَيْسَ بِواجِبٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقالَ في الوالِدِ لا يَجْزِي، وقالَ في الوَلَدِ ﴿ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ وهو يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِلْيَوْمِ، يَعْنِي اخْشَوْا يَوْمًا هَذا شَأْنُهُ، وهو كائِنٌ لِوَعْدِ اللَّهِ بِهِ، ووَعْدُهُ حَقٌّ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِعَدَمِ الجَزاءِ، يَعْنِي: ﴿لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ﴾ لِأنَّ اللَّهَ وعَدَ بِـ ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤] ووَعْدُ اللَّهِ حَقٌّ، فَلا يَجْزِي. والأوَّلُ أحْسَنُ وأظْهَرُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ يَعْنِي إذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَلا تَغْتَرُّوا بِالدُّنْيا، فَإنَّها زائِلَةٌ لِوُقُوعِ ذَلِكَ اليَوْمِ المَذْكُورِ بِالوَعْدِ الحَقِّ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ يَعْنِي الدُّنْيا لا يَنْبَغِي أنْ تَغُرَّكم بِنَفْسِها، ولا يَنْبَغِي أنْ تَغْتَرُّوا بِها، وإنْ حَمَلَكم عَلى مَحَبَّتِها غارٌّ مِن نَفْسٍ أمّارَةٍ أوْ شَيْطانٍ، فَكانَ النّاسُ عَلى أقْسامٍ: مِنهم مَن تَدْعُوهُ الدُّنْيا إلى نَفْسِها فَيَمِيلُ إلَيْها، ومِنهم مَن يُوَسْوِسُ في صَدْرِهِ الشَّيْطانُ ويُزَيِّنُ في عَيْنِهِ الدُّنْيا، ويُؤَمِّلُهُ ويَقُولُ: إنَّكَ تُحَصِّلُ بِها الآخِرَةَ أوْ تَلْتَذُّ بِها، ثُمَّ تَتُوبُ فَتَجْتَمِعُ لَكَ الدُّنْيا والآخِرَةُ، فَنَهاهم عَنِ الأمْرَيْنِ، وقالَ: كُونُوا قِسْمًا ثالِثًا: وهُمُ الَّذِينَ لا يَلْتَفِتُونَ إلى الدُّنْيا ولا إلى مَن يُحَسِّنُ الدُّنْيا في الأعْيُنِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡا۟ یَوۡمࣰا لَّا یَجۡزِی وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق