الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾
الآيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِما قَبْلَها مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ تَعالى لَمّا اسْتَدَلَّ بِخَلْقِ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ وبِنِعَمِهِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ بَيَّنَ أنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ مُنْكِرِينَ لَهُ، وهَذا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ؛ لِأنَّ خالِقَ السَّماواتِ والأرْضِ يَحْتاجُ إلَيْهِ كُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، وكَوْنُ الحَمْدِ كُلُّهُ لِلَّهِ يَقْتَضِي أنْ لا يُعْبَدَ غَيْرُهُ، لَكِنَّهم لا يَعْلَمُونَ هَذا.
والثّانِي: أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا سَلّى قَلْبَ النَّبِيِّ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنا مَرْجِعُهم فَنُنَبِّئُهُمْ﴾ أيْ لا تَحْزَنْ عَلى تَكْذِيبِهِمْ فَإنَّ صِدْقَكَ وكَذِبَهم يَتَبَيَّنُ عَنْ قَرِيبٍ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ إلَيْنا، قالَ: ولَيْسَ لا يَتَبَيَّنُ إلّا ذَلِكَ اليَوْمَ بَلْ هو يَتَبَيَّنُ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ لِأنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِأنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ اللَّهِ، وهَذا يُصَدِّقُكَ في دَعْوى الوَحْدانِيَّةِ ويُبَيِّنُ كَذِبَهم في الإشْراكِ ﴿فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ عَلى ظُهُورِ صِدْقِكَ وكَذِبِ مُكَذِّبِيكَ ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ لَيْسَ لَهم عِلْمٌ يَمْنَعُهم مِن تَكْذِيبِكَ مَعَ اعْتِرافِهِمْ بِما يُوجِبُ تَصْدِيقَكَ.
وعَلى هَذا يَكُونُ لا يَعْلَمُونَ اسْتِعْمالًا لِلْفِعْلِ مَعَ القَطْعِ عَنِ المَفْعُولِ بِالكُلِّيَّةِ، كَما يَقُولُ القائِلُ: فُلانٌ يُعْطِي ويَمْنَعُ ولا يَكُونُ في ضَمِيرِهِ مَن يُعْطِي بَلْ يُرِيدُ أنَّ لَهُ عَطاءً ومَنعًا، فَكَذَلِكَ هَهُنا قالَ: ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ لَيْسَ لَهم عِلْمٌ وعَلى الأوَّلِ يَكُونُ لا يَعْلَمُونَ لَهُ مَفْعُولٌ مَفْهُومٌ، وهو أنَّهم لا يَعْلَمُونَ أنَّ الحَمْدَ كُلَّهُ لِلَّهِ، والثّانِي أبْلَغُ لِأنَّ قَوْلَ القائِلِ: فُلانٌ لا عِلْمَ لَهُ بِكَذا، دُونَ قَوْلِهِ: فُلانٌ لا عِلْمَ لَهُ، وكَذا قَوْلُهُ فُلانٌ لا يَنْفَعُ زَيْدًا ولا يَضُرُّهُ، دُونَ قَوْلِهِ: فُلانٌ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ إنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾
ذَكَرَ بِما يَلْزَمُ مِنهُ، وهو أنَّهُ يَكُونُ لَهُ ما فِيهِما، والأمْرُ كَذَلِكَ عَقْلًا وشَرْعًا. أمّا عَقْلًا فَلِأنَّ ما في السَّماواتِ المَخْلُوقَةِ مَخْلُوقٌ، وإضافَةُ خَلْقِهِ إلى مَن مِنهُ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ لازِمٌ عَقْلًا لِأنَّها مُمْكِنَةٌ، والمُمْكِنُ لا يَقَعُ ولا يُوجَدُ إلّا بِواجِبٍ مِن غَيْرِ واسِطَةٍ كَما هو مَذْهَبُ أهْلِ السُّنَّةِ، أوْ بِواسِطَةٍ كَما يَقُولُهُ غَيْرُهم، وكَيْفَما فُرِضَ فَكُلُّهُ مِنَ اللَّهِ، لِأنَّ سَبَبَ السَّبَبِ سَبَبٌ.
وأمّا شَرْعًا فَلِأنَّ مَن يَمْلِكُ أرْضًا وحَصَلَ مِنها شَيْءٌ ما، يَكُونُ ذَلِكَ لِمالِكِ الأرْضِ، فَكَذَلِكَ كَلُّ ما في السَّماواتِ والأرْضِ حاصِلٌ فِيهِما ومِنهُما، فَهو لِمالِكِ السَّماواتِ والأرْضِ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ تَحَقَّقَ أنَّ الحَمْدَ كُلَّهُ لِلَّهِ.
ثُمَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ فِيهِ مَعانٍ لَطِيفَةٌ أحَدُها: أنَّ الكُلَّ لِلَّهِ وهو غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَيْهِ، غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ، وفِيها مَنافِعُ، فَهي لَكم خَلَقَها، فَهو غَنِيٌّ لِعَدَمِ حاجَتِهِ، حُمَيْدٌ مَشْكُورٌ لِدَفْعِهِ حَوائِجَكم بِها.
وثانِيها: أنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلائِلِ عَلى أنَّ الحَمْدَ كُلَّهُ لِلَّهِ، ولا تَصْلُحُ العِبادَةُ إلّا لِلَّهِ افْتَرَقَ المُكَلَّفُونَ فَرِيقَيْنِ مُؤْمِنٌ وكافِرٌ، والكافِرُ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ والمُؤْمِنُ حَمِدَهُ، فَقالَ: إنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ حَمْدِ الحامِدِينَ فَلا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِسَبَبِ كُفْرِ الكافِرِينَ، وحَمِيدٌ في نَفْسِهِ، فَيَتَبَيَّنُ بِهِ إصابَةُ المُؤْمِنِينَ، وتَكْمُلُ بِحَمْدِهِ الحامِدُونَ.
وثالِثُها: هو أنَّ السَّماواتَ وما فِيها، والأرْضَ وما فِيها، إذا كانَتْ لِلَّهِ ومَخْلُوقَةً لَهُ، فالكُلُّ مُحْتاجُونَ، فَلا غَنِيَّ إلّا اللَّهُ، فَهو الغَنِيُّ المُطْلَقُ، وكُلٌّ مُحْتاجٌ، فَهو حامِدٌ لِاحْتِياجِهِ إلى مَن يَدْفَعُ حاجَتَهُ، فَلا يَكُونُ الحَمِيدُ المُطْلَقُ إلّا الغَنِيَّ (p-١٣٧)المُطْلَقَ فَهو الحَمِيدُ، وعَلى هَذا [ يَكُونُ ] الحَمِيدُ بِمَعْنى المَحْمُودِ، واللَّهُ إذا قِيلَ لَهُ الحَمِيدُ لا يَكُونُ مَعْناهُ إلّا الواصِفَ، أيْ وصَفَ نَفْسَهُ أوْ عِبادَهُ بِأوْصافٍ حَمِيدَةٍ، والعَبْدُ إذا قِيلَ لَهُ حامِدٌ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ المَعْنى، ويَحْتَمِلُ كَوْنُهُ عابِدًا شاكِرًا لَهُ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ"],"ayah":"لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق