الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يابُنَيَّ أقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنْكَرِ واصْبِرْ عَلى ما أصابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ لَمّا مَنَعَهُ مِنَ الشِّرْكِ وخَوَّفَهُ بِعِلْمِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ، أمَرَهُ بِما يَلْزَمُهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وهو الصَّلاةُ وهي العِبادَةُ لِوَجْهِ اللَّهِ مُخْلِصًا، وبِهَذا يَعْلَمُ أنَّ الصَّلاةَ كانَتْ في سائِرِ المِلَلِ، غَيْرَ أنَّ هَيْئَتَها اخْتَلَفَتْ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ أيْ إذا كَمُلْتَ أنْتَ في نَفْسِكَ بِعِبادَةِ اللَّهِ فَكَمِّلْ غَيْرَكَ، فَإنَّ شُغْلَ الأنْبِياءِ ووَرَثَتِهِمْ مِنَ العُلَماءِ هو أنْ يَكْمُلُوا في أنْفُسِهِمْ ويُكْمِلُوا غَيْرَهم، فَإنْ قالَ قائِلٌ: كَيْفَ قَدَّمَ في وصِيَّتِهِ لِابْنِهِ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ عَلى النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وقَبْلُ قَدَّمَ النَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ عَلى الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ فَإنَّهُ أوَّلَ ما قالَ ﴿يابُنَيَّ لا تُشْرِكْ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿يابُنَيَّ أقِمِ الصَّلاةَ﴾ ؟ فَنَقُولُ: هو كانَ يَعْلَمُ مِنَ ابْنِهِ أنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِوُجُودِ اللَّهِ فَما أمَرَهُ بِهَذا المَعْرُوفِ ونَهاهُ عَنِ المُنْكَرِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلى هَذا المَعْرُوفِ، فَإنَّ المُشْرِكَ بِاللَّهِ لا يَكُونُ نافِيًا لِلَّهِ في الِاعْتِقادِ، وإنْ كانَ يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ بِالدَّلِيلِ، فَكانَ كُلُّ مَعْرُوفٍ في مُقابَلَتِهِ مُنْكَرٌ، والمَعْرُوفُ في (p-١٣١)مَعْرِفَةِ اللَّهِ اعْتِقادُ وُجُودِهِ، والمُنْكَرُ اعْتِقادُ وُجُودِ غَيْرِهِ مَعَهُ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ المَعْرُوفِ لِحُصُولِهِ، ونَهاهُ عَنِ المُنْكَرِ لِأنَّهُ ورَدَ في التَّفْسِيرِ أنَّ ابْنَهُ كانَ مُشْرِكًا فَوَعَظَهُ ولَمْ يَزَلْ يَعِظُهُ حَتّى أسْلَمَ، وأمّا هَهُنا فَأمَرَ أمْرًا مُطْلَقًا، والمَعْرُوفُ مُقَدَّمٌ عَلى المُنْكَرِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واصْبِرْ عَلى ما أصابَكَ﴾ يَعْنِي أنَّ مَن يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ يُؤْذى؛ فَأمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أيْ مِنَ الأُمُورِ الواجِبَةِ المَعْزُومَةِ، أيِ المَقْطُوعَةِ، ويَكُونُ المَصْدَرُ بِمَعْنى المَفْعُولِ، كَما تَقُولُ أكْلِي في النَّهارِ رَغِيفُ خُبْزٍ، أيْ مَأْكُولِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب