الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهم مُنِيبِينَ إلَيْهِ ثُمَّ إذا أذاقَهم مِنهُ رَحْمَةً إذا فَرِيقٌ مِنهم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾
لَمّا بَيَّنَ التَّوْحِيدَ بِالدَّلِيلِ وبِالمَثَلِ، بَيَّنَ أنَّ لَهم حالَةً يُعْرَفُونَ بِها، وإنْ كانُوا يُنْكِرُونَها في وقْتٍ، وهي حالَةُ الشِّدَّةِ، فَإنَّ عِنْدَ انْقِطاعِ رَجائِهِ عَنِ الكُلِّ يَرْجِعُ إلى اللَّهِ، ويَجِدُ نَفْسَهُ مُحْتاجَةً إلى شَيْءٍ لَيْسَ كَهَذِهِ الأشْياءِ طالِبَةً بِهِ النَّجاةَ: ﴿ثُمَّ إذا أذاقَهم مِنهُ رَحْمَةً إذا فَرِيقٌ مِنهم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ يَعْنِي إذا خَلَّصْناهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ، ويَقُولُ تَخَلَّصْتُ بِسَبَبِ اتِّصالِ الكَوْكَبِ الفُلانِيِّ بِفُلانٍ، وبِسَبَبِ الصَّنَمِ الفُلانِيِّ، لا، بَلْ يَنْبَغِي أنْ لا يَعْتَقِدَ أنَّهُ تَخَلَّصَ بِسَبَبِ فُلانٍ إذا كانَ ظاهِرًا فَإنَّهُ شِرْكٌ خَفِيٌّ، مِثالُهُ رَجُلٌ في بَحْرٍ أدْرَكَهُ الغَرَقُ فَيُهَيِّئُ اللَّهُ لَهُ لَوْحًا يَسُوقُهُ إلَيْهِ رِيحٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ ويَنْجُو، فَيَقُولُ تَخَلَّصْتُ بِلَوْحٍ، أوْ رَجُلٍ أقْبَلَ عَلَيْهِ سَبْعٌ فَيُرْسِلُ اللَّهُ إلَيْهِ رَجُلًا فَيُعِينُهُ فَيَقُولُ خَلَّصَنِي زَيْدٌ، فَهَذا إذا كانَ عَنِ اعْتِقادٍ فَهو شِرْكٌ خَفِيٌّ، وإنْ كانَ بِمَعْنى أنَّ اللَّهَ خَلَّصَنِي عَلى يَدِ زَيْدٍ فَهو أخْفى، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أذاقَهُمْ﴾ فِيهِ لَطِيفَةٌ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الذَّوْقَ يُقالُ في القَلِيلِ، فَإنَّ العُرْفَ [ أنَّ ] مَن أكَلَ مَأْكُولًا كَثِيرًا لا يَقُولُ ذُقْتُ، ويُقالُ في النَّفْيِ ما ذُقْتُ في بَيْتِهِ طَعامًا نَفْيًا لِلْقَلِيلِ لِيَلْزَمَ نَفْيُ الكَثِيرِ بِالأوْلى، ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الرَّحْمَةَ لَمّا كانَتْ خالِيَةً مُنْقَطِعَةً ولَمْ تَكُنْ مُسْتَمِرَّةً في الآخِرَةِ إذْ لَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ قالَ أذاقَهم (p-١٠٧)ولِهَذا قالَ في العَذابِ: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ [القمر: ٤٨] ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩]؛ لِأنَّ عَذابَ اللَّهِ الواصِلَ إلى العَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلى الرَّحْمَةِ الواصِلَةِ إلى عَبِيدٍ آخَرِينَ في غايَةِ القِلَّةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنهُ﴾ أيْ مِنَ الضُّرِّ في هَذا التَّخْصِيصِ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الفائِدَةِ وهي أنَّ الرَّحْمَةَ غَيْرُ مُطْلَقَةٍ لَهم إنَّما هي عَنْ ذَلِكَ الضُّرِّ وحْدَهُ، وأمّا الضُّرُّ المُؤَخَّرُ فَلا يَذُوقُونَ مِنهُ رَحْمَةً.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ هاهُنا ﴿إذا فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ وقالَ في العَنْكَبُوتِ: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] ولَمْ يَقُلْ: فَرِيقٌ؛ وذَلِكَ لِأنَّ المَذْكُورَ هُناكَ ضُرٌّ مُعَيَّنٌ، وهو ما يَكُونُ مِن هَوْلِ البَحْرِ، والمُتَخَلِّصُ مِنهُ بِالنِّسْبَةِ إلى الخَلْقِ قَلِيلٌ، والَّذِي لا يُشْرِكُ بِهِ بَعْدَ الخَلاصِ فِرْقَةٌ مِنهم في غايَةِ القِلَّةِ فَلَمْ يَجْعَلِ المُشْرِكِينَ فَرِيقًا لِقِلَّةِ مَن خَرَجَ مِنَ المُشْرِكِينَ، وأمّا المَذْكُورُ هاهُنا الضُّرُّ مُطْلَقًا فَيَتَناوَلُ ضُرَّ البَرِّ والبَحْرِ والأمْراضِ والأهْوالِ، والمُتَخَلِّصُ مِن أنْواعِ الضُّرِّ خَلْقٌ كَثِيرٌ، بَلْ جَمِيعُ النّاسِ يَكُونُونَ قَدْ وقَعُوا في ضُرٍّ ما وتَخَلَّصُوا مِنهُ، والَّذِي لا يَبْقى بَعْدَ الخَلاصِ مُشْرِكًا مِن جَمِيعِ الأنْواعِ إذا جُمِعَ فَهو خَلْقٌ عَظِيمٌ، وهو جَمِيعُ المُسْلِمِينَ فَإنَّهم تَخَلَّصُوا مِن ضُرٍّ ولَمْ يَبْقَوْا مُشْرِكِينَ، وأمّا المُسْلِمُونَ فَلَمْ يَتَخَلَّصُوا مِن ضُرِّ البَحْرِ بِأجْمَعِهِمْ، فَلَمّا كانَ النّاجِي مِنَ الضُّرِّ مِنَ المُؤْمِنِينَ جَمْعًا كَثِيرًا، جَعَلَ الباقِيَ فَرِيقًا.
{"ayah":"وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرࣱّ دَعَوۡا۟ رَبَّهُم مُّنِیبِینَ إِلَیۡهِ ثُمَّ إِذَاۤ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ یُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق