الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ . لَمّا ذَكَرَ العَرَضِيّاتِ الَّتِي لِلْأنْفُسِ اللّازِمَةِ والمُفارِقَةِ ذَكَرَ العَرَضِيّاتِ الَّتِي لِلْآفاقِ، وقالَ: ﴿يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ﴾ . وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: لَمّا قَدَّمَ دَلائِلَ الأنْفُسِ هاهُنا قَدَّمَ العَرَضِيّاتِ الَّتِي لِلْأنْفُسِ وأخَّرَ العَرَضِيّاتِ الَّتِي لِلْآفاقِ، كَما أخَّرَ دَلائِلَ الآفاقِ، بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَدَّمَ لَوازِمَ الأنْفُسِ عَلى العَوارِضِ المُفارِقَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أوَّلًا اخْتِلافَ الألْسِنَةِ والألْوانِ ثُمَّ (p-١٠٠)المَنامَ والِابْتِغاءَ، وقَدَّمَ في الآفاقِ العَوارِضَ المُفارِقَةَ عَلى اللَّوازِمِ حَيْثُ قالَ: ﴿يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا ويُنَزِّلُ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ الإنْسانَ مُتَغَيِّرُ الحالِ، والعَوارِضُ لَهُ غَيْرُ بَعِيدَةٍ، وأمّا اللَّوازِمُ فِيهِ فَقَرِيبَةٌ. وأمّا السَّماواتُ والأرْضُ فَقَلِيلَةُ التَّغَيُّرِ، فالعَوارِضُ فِيها أغْرَبُ مِنَ اللَّوازِمِ، فَقَدَّمَ ما هو أعْجَبُ لِكَوْنِهِ أدْخَلَ في كَوْنِهِ آيَةً. ونَزِيدُهُ بَيانًا فَنَقُولُ: الإنْسانُ يَتَغَيَّرُ حالُهُ بِالكِبَرِ والصِّغَرِ والصِّحَّةِ والسَّقَمِ ولَهُ صَوْتٌ يُعْرَفُ بِهِ لا يَتَغَيَّرُ ولَهُ لَوْنٌ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ، وهو يَتَغَيَّرُ في الأحْوالِ وذَلِكَ لا يَتَغَيَّرُ وهو آيَةٌ عَجِيبَةٌ، والسَّماءُ والأرْضُ ثابِتانِ لا يَتَغَيَّرانِ، ثُمَّ يُرى في بَعْضِ الأحْوالِ أمْطارٌ هاطِلَةٌ وبُرُوقٌ هائِلَةٌ، والسَّماءُ كَما كانَتْ والأرْضُ كَذَلِكَ، فَهو آيَةٌ دالَّةٌ عَلى فاعِلٍ مُخْتارٍ يُدِيمُ أمْرًا مَعَ تَغَيُّرِ المَحَلِّ ويُزِيلُ أمْرًا مَعَ ثَباتِ المَحَلِّ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: كَما قَدَّمَ السَّماءَ عَلى الأرْضِ قَدَّمَ ما هو مِنَ السَّماءِ وهو البَرْقُ والمَطَرُ عَلى ما هو مِنَ الأرْضِ وهو الإنْباتُ والإحْياءُ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: كَما أنَّ في إنْزالِ المَطَرِ وإنْباتِ الشَّجَرِ مَنافِعَ، كَذَلِكَ في تَقَدُّمِ البَرْقِ والرَّعْدِ عَلى المَطَرِ مَنفَعَةٌ، وذَلِكَ لِأنَّ البَرْقَ إذا لاحَ، فالَّذِي لا يَكُونُ تَحْتَ كِنٍّ يَخافُ الِابْتِلالَ فَيَسْتَعِدُّ لَهُ، والَّذِي لَهُ صِهْرِيجٌ أوْ مَصْنَعٌ يَحْتاجُ إلى الماءِ أوْ زَرْعٌ يُسَوِّي مَجارِيَ الماءِ، وأيْضًا العَرَبُ مِن أهْلِ البَوادِي فَلا يَعْلَمُونَ البِلادَ المُعْشِبَةَ إنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأوُا البُرُوقَ اللّائِحَةَ مِن جانِبٍ دُونَ جانِبٍ، واعْلَمْ أنَّ فَوائِدَ البَرْقِ وإنْ لَمْ تَظْهَرْ لِلْمُقِيمِينَ بِالبِلادِ فَهي ظاهِرَةٌ لِلْبادِينَ؛ ولِهَذا جَعَلَ تَقْدِيمَ البَرْقِ عَلى تَنْزِيلِ الماءِ مِنَ السَّماءِ نِعْمَةً وآيَةً، وأمّا كَوْنُهُ آيَةً فَظاهِرٌ فَإنَّ في السَّحابِ لَيْسَ إلّا ماءً وهَواءً، وخُرُوجُ النّارِ مِنها بِحَيْثُ تَحْرِقُ الجِبالَ في غايَةِ البُعْدِ، فَلا بُدَّ لَهُ مِن خالِقٍ هو اللَّهُ، قالَتِ الفَلاسِفَةُ: السَّحابُ فِيهِ كَثافَةٌ ولَطافَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلى الهَواءِ والماءِ. فالهَواءُ ألْطَفُ مِنهُ والماءُ أكْثَفُ فَإذا هَبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ تَخْرِقُ السَّحابَ بِعُنْفٍ فَيَحْدُثُ صَوْتُ الرَّعْدِ ويَخْرُجُ مِنهُ النّارُ كَمِساسِ جِسْمٍ جِسْمًا بِعُنْفٍ، وهَذا كَما أنَّ النّارَ تَخْرُجُ مِن وُقُوعِ الحَجَرِ عَلى الحَدِيدِ فَإنْ قالَ قائِلٌ: الحَجَرُ والحَدِيدُ جِسْمانِ صَلْبانِ، والسَّحابُ والرِّيحُ جِسْمانِ رَطْبانِ، فَيَقُولُونَ لَكِنْ حَرَكَةُ يَدِ الإنْسانِ ضَعِيفَةٌ، وحَرَكَةُ الرِّيحِ قَوِيَّةٌ تَقْلَعُ الأشْجارَ، فَنَقُولُ لَهُمُ: البَرْقُ والرَّعْدُ أمْرانِ حادِثانِ لا بُدَّ لَهُما مِن سَبَبٍ، وقَدْ عُلِمَ بِالبُرْهانِ كَوْنُ كُلِّ حادِثٍ مِنَ اللَّهِ فَهُما مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ إنّا نَقُولُ هَبْ أنَّ الأمْرَ كَما تَقُولُونَ، فَهُبُوبُ تِلْكَ الرِّيحِ القَوِيَّةِ مِنَ الأُمُورِ الحادِثَةِ العَجِيبَةِ، لا بُدَّ لَهُ مَن سَبَبٍ ويَنْتَهِي إلى واجِبِ الوُجُودِ، فَهو آيَةٌ لِلْعاقِلِ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ كَيْفَما فَرَضْتُمْ ذَلِكَ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَ هاهُنا: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ لَمّا كانَ حُدُوثُ الوَلَدِ مِنَ الوالِدِ أمْرًا عادِيًّا مُطَّرِدًا قَلِيلَ الِاخْتِلافِ كانَ يَتَطَرَّقُ إلى الأوْهامِ العامِّيَّةِ أنَّ ذَلِكَ بِالطَّبِيعَةِ؛ لِأنَّ المُطَّرِدَ أقْرَبُ إلى الطَّبِيعَةِ مِنَ المُخْتَلِفِ، لَكِنَّ البَرْقَ والمَطَرَ لَيْسَ أمْرًا مُطَّرِدًا غَيْرَ مُتَخَلِّفٍ إذْ يَقَعُ بِبَلْدَةٍ دُونَ بَلْدَةٍ وفي وقْتٍ دُونَ وقْتٍ وتارَةً تَكُونُ قَوِيَّةً وتارَةً تَكُونُ ضَعِيفَةً، فَهو أظْهَرُ في العَقْلِ دَلالَةً عَلى الفاعِلِ المُخْتارِ، فَقالَ هو آيَةٌ لِمَن لَهُ عَقْلٌ إنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ تَفَكُّرًا تامًّا. * * (p-١٠١)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ لَمّا ذَكَرَ مِنَ العَوارِضِ الَّتِي لِلسَّماءِ والأرْضِ بَعْضَها، ذَكَرَ مِن لَوازِمِها البَعْضَ وهي قِيامُها، فَإنَّ الأرْضَ لِثِقَلِها يَتَعَجَّبُ الإنْسانُ مِن وُقُوفِها وعَدَمِ نُزُولِها، وكَوْنُ السَّماءِ يَتَعَجَّبُ مِن عُلُوِّها وثَباتِها مِن غَيْرِ عَمَدٍ، وهَذا مِنَ اللَّوازِمِ، فَإنَّ الأرْضَ لا تَخْرُجُ عَنْ مَكانِها الَّذِي هي فِيهِ، والسَّماءُ كَذَلِكَ لا تَخْرُجُ عَنْ مَكانِها الَّذِي هي فِيهِ، فَإنْ قِيلَ إنَّها تَتَحَرَّكُ في مَكانِها كالرَّحى ولَكِنِ اتَّفَقَ العُقَلاءُ عَلى أنَّها في مَكانِها لا تَخْرُجُ عَنْهُ، وهَذِهِ آيَةٌ ظاهِرَةٌ؛ لِأنَّ كَوْنَهُما في المَوْضِعِ الَّذِي هُما فِيهِ وعَلى المَوْضِعِ الَّذِي هُما عَلَيْهِ مِنَ الأُمُورِ المُمْكِنَةِ، وكَوْنُهُما في غَيْرِ ذَلِكَ المَوْضِعِ جائِزٌ، فَكانَ يُمْكِنُ أنْ يَخْرُجا مِنهُ فَلَمّا لَمْ يَخْرُجا كانَ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لِلْجائِزِ عَلى غَيْرِهِ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا بِفاعِلٍ مُخْتارٍ، والفَلاسِفَةُ قالُوا: كَوْنُ الأرْضِ في المَكانِ الَّذِي هي فِيهِ طَبِيعِيٌّ لَها؛ لِأنَّها أثْقَلُ الأشْياءِ، والثَّقِيلُ يَطْلُبُ المَرْكَزَ، والخَفِيفُ يَطْلُبُ المُحِيطَ، والسَّماءُ كَوْنُها في مَكانِها إنْ كانَتْ ذاتَ مَكانِ فَلَذاتِها فَقِيامُهُما فِيهِما بِطَبْعِهِما، فَنَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ القَوْلَ بِالطَّبِيعَةِ باطِلٌ، والَّذِي نَزِيدُهُ هاهُنا أنَّكم وافَقْتُمُونا بِأنَّ ما جازَ عَلى أحَدِ المِثْلَيْنِ جازَ عَلى المِثْلِ الآخَرِ، لَكِنَّ مُقَعَّرَ الفَلَكِ لا يُخالِفُ مُحَدَّبَهُ في الطَّبْعِ، فَيَجُوزُ حُصُولُ مُقَعَّرِهِ في مَوْضِعِ مُحَدَّبِهِ، وذَلِكَ بِالخُرُوجِ والزَّوالِ، فَإذَنِ الزَّوالُ عَنِ المَكانِ مُمْكِنٌ لا سِيَّما عَلى السَّماءِ الدُّنْيا، فَإنَّها مُحَدَّدَةُ الجِهاتِ عَلى مَذْهَبِكم أيْضًا، والأرْضُ كانَتْ تَجُوزُ عَلَيْها الحَرَكَةُ الدَّوْرِيَّةُ، كَما تَقُولُونَ عَلى السَّماءِ، فَعَدَمُها وسُكُونُها لَيْسَ إلّا بِفاعِلٍ مُخْتارٍ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: ذَكَرَ اللَّهُ مِن كُلِّ بابٍ أمْرَيْنِ، أمّا مِنَ الأنْفُسِ فَقَوْلُهُ: ﴿خَلَقَ لَكُمْ﴾ اسْتَدَلَّ بِخَلْقِ الزَّوْجَيْنِ ومِنَ الآفاقِ السَّماءُ والأرْضُ في قَوْلِهِ: ﴿خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ ومِن لَوازِمَ الإنْسانِ اخْتِلافُ اللِّسانِ واخْتِلافُ الألْوانِ، ومِن عَوارِضِهِ المَنامُ والِابْتِغاءُ، ومِن عَوارِضِ الآفاقِ البُرُوقُ والأمْطارُ ومِن لَوازِمِها قِيامُ السَّماءِ وقِيامُ الأرْضِ؛ لِأنَّ الواحِدَ يَكْفِي لِإقْرارٍ بِالحَقِّ والثّانِي: يُفِيدُ الظَّنَّ، وقَوْلُ الآخَرِ يُفِيدُ تَأْكِيدَهُ؛ ولِهَذا قالَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿بِأمْرِهِ﴾ أيْ بِقَوْلِهِ: (قَوْمًا) أوْ بِإرادَتِهِ قِيامَهُما، وذَلِكَ لِأنَّ الأمْرَ عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ مُوافِقٌ لِلْإرادَةِ، وعِنْدَنا لَيْسَ كَذَلِكَ ولَكِنَّ النِّزاعَ في الأمْرِ الَّذِي لِلتَّكْلِيفِ لا في الأمْرِ الَّذِي لِلتَّكْوِينِ، فَإنّا لا نُنازِعُهم في أنَّ قَوْلَهُ: (كُنْ) وكُونُوا ﴿يانارُ كُونِي﴾ [الأنْبِياءِ: ٦٩] مُوافِقٌ لِلْإرادَةِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ هاهُنا: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ﴾ وقالَ قَبْلَهُ: ﴿ومِن آياتِهِ يُرِيكُمُ﴾ ولَمْ يَقُلْ أنْ يُرِيَكم، وإنْ قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إنَّ أنْ مُضْمَرَةٌ هُناكَ مَعْناهُ مِن آياتِهِ (أنْ يُرِيَكم) لِيَصِيرَ كالمَصْدَرِ بِأنْ، وذَلِكَ لِأنَّ القِيامَ لَمّا كانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ أخْرَجَ الفِعْلَ بِأنَّ عَنِ الفِعْلِ المُسْتَقْبَلِ، وجَعَلَهُ مَصْدَرًا؛ لِأنَّ المُسْتَقْبَلَ يُنْبِئُ عَنِ التَّجَدُّدِ، وفي البَرْقِ لَمّا كانَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَتَجَدَّدُ في زَمانٍ دُونَ زَمانٍ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ المُسْتَقْبَلِ، ولَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ شَيْئًا مِنَ الحُرُوفِ المَصْدَرِيَّةِ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ذَكَرَ سِتَّةَ دَلائِلَ، وذَكَرَ في أرْبَعَةٍ مِنها إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ، ولَمْ يَذْكُرْ في الأوَّلِ وهو قَوْلُهُ: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَكم مِن تُرابٍ﴾ ولا في الآخَرِ وهو قَوْلُهُ: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ﴾ أمّا في الأوَّلِ فَلِأنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ﴾ أيْضًا دَلِيلُ الأنْفُسِ، فَخَلْقُ الأنْفُسِ وخَلْقُ الأزْواجِ مِن بابٍ واحِدٍ، (p-١٠٢)عَلى ما بَيَّنّا، غَيْرَ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ مِن كُلِّ بابٍ أمْرَيْنِ لِلتَّقْرِيرِ بِالتَّكْرِيرِ، فَإذا قالَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ﴾ كانَ عائِدًا إلَيْهِما، وأمّا في قِيامِ السَّماءِ والأرْضِ فَنَقُولُ في الآياتِ السَّماوِيَّةِ ذَكَرَ أنَّها آياتٌ لِلْعالِمِينَ، ولِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لِظُهُورِها، فَلَمّا كانَ في أوَّلِ الأمْرِ ظاهِرًا فَفي آخِرِ الأمْرِ بَعْدَ سَرْدِ الدَّلائِلِ يَكُونُ أظْهَرَ، فَلَمْ يُمَيِّزْ أحَدًا عَنْ أحَدٍ في ذَلِكَ، وذَكَرَ ما هو مَدْلُولُهُ وهو قُدْرَتُهُ عَلى الإعادَةِ، وقالَ: ﴿ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ وفِيها مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: ما وجْهُ العَطْفِ بِثُمَّ، وبِمَ تَعَلُّقُ ثُمَّ ؟ فَنَقُولُ مَعْناهُ واللَّهُ أعْلَمُ إنَّهُ تَعالى إذا بَيَّنَ لَكم كَمالَ قُدْرَتِهِ بِهَذِهِ الآياتِ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْبِرُكم، ويُعْلِمُكم أنَّهُ إذا قالَ لِلْعِظامِ الرَّمِيمَةِ اخْرُجُوا مِنَ الأجْداثِ يَخْرُجُونَ أحْياءً. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُ القائِلِ دَعا فُلانٌ فُلانًا مِنَ الجَبَلِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الدُّعاءُ مِنَ الجَبَلِ، كَما يَقُولُ القائِلُ يا فُلانُ اصْعَدْ إلى الجَبَلِ، فَيُقالُ دَعاهُ مِنَ الجَبَلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَدْعُوُّ يُدْعى مِنَ الجَبَلِ كَما يَقُولُ القائِلُ يا فُلانُ انْزِلْ مِنَ الجَبَلِ، فَيُقالُ دَعاهُ مِنَ الجَبَلِ، ولا يَخْفى عَلى العاقِلِ أنَّ الدُّعاءَ لا يَكُونُ مِنَ الأرْضِ إذا كانَ الدّاعِي هو اللَّهُ، فالمَدْعُوُّ يُدْعى مِنَ الأرْضِ يَعْنِي أنْتُمْ تَكُونُونَ في الأرْضِ فَيَدْعُوكم مِنها فَتَخْرُجُونَ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا أنْتُمْ﴾ قَدْ بَيَّنّا أنَّهُ لِلْمُفاجَأةِ يَعْنِي يَكُونُ ذَلِكَ بِكُنْ فَيَكُونُ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ هاهُنا إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ، وقالَ في خَلْقِ الإنْسانِ أوَّلًا: ﴿ثُمَّ إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ فَنَقُولُ هُناكَ يَكُونُ خَلْقٌ وتَقْدِيرٌ وتَدْرِيجٌ وتَراخٍ حَتّى يَصِيرَ التُّرابُ قابِلًا لِلْحَياةِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ رُوحَهُ، فَإذا هو بَشَرٌ، وأمّا في الإعادَةِ لا يَكُونُ تَدْرِيجٌ وتَراخٍ بَلْ يَكُونُ نِداءٌ وخُرُوجٌ، فَلَمْ يَقُلْ هاهُنا ثُمَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب