الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ خَلْقَ الإنْسانِ بَيَّنَ أنَّهُ لَمّا خَلَقَ الإنْسانَ، ولَمْ يَكُنْ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي تَبْقى وتَدُومُ سِنِينَ مُتَطاوِلَةً أبْقى نَوْعَهُ بِالأشْخاصِ وجَعَلَهُ بِحَيْثُ يَتَوالَدُ، فَإذا ماتَ الأبُ يَقُومُ الِابْنُ مَقامَهُ لِئَلّا يُوجِبَ فَقْدُ الواحِدِ ثُلْمَةً في العِمارَةِ لا تَنْسَدُّ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿خَلَقَ لَكُمْ﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّ النِّساءَ خُلِقْنَ كَخَلْقِ الدَّوابِّ والنَّباتِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَنافِعِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٩] وهَذا يَقْتَضِي أنْ لا تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِلْعِبادَةِ والتَّكْلِيفِ، فَنَقُولُ: خَلْقُ النِّساءِ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْنا وخَلْقُهُنَّ لَنا وتَكْلِيفُهُنَّ لِإتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْنا لا لِتَوْجِيهِ التَّكْلِيفِ نَحْوَهُنَّ مِثْلُ تَوْجِيهِهِ إلَيْنا وذَلِكَ مِن حَيْثُ النَّقْلِ والحُكْمِ والمَعْنى، أمّا النَّقْلُ فَهَذا وغَيْرُهُ، وأمّا الحُكْمُ فَلِأنَّ المَرْأةَ لَمْ تُكَلَّفْ بِتَكالِيفٍ كَثِيرَةٍ كَما كُلِّفَ الرَّجُلُ بِها، وأمّا المَعْنى فَلِأنَّ المَرْأةَ ضَعِيفَةُ الخَلْقِ سَخِيفَةٌ فَشابَهَتِ الصَّبِيَّ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يُكَلَّفْ فَكانَ يُناسِبُ أنْ لا تُؤَهَّلَ المَرْأةُ لِلتَّكْلِيفِ، لَكِنَّ النِّعْمَةَ عَلَيْنا ما كانَتْ تَتِمُّ إلّا بِتَكْلِيفِهِنَّ لِتَخافَ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ العَذابَ فَتَنْقادُ لِلزَّوْجِ وتَمْتَنِعُ عَنِ المُحَرَّمِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَظَهَرَ الفَسادُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾ بَعْضُهم قالَ: المُرادُ مِنهُ أنَّ حَوّاءَ خُلِقَتْ مِن جِسْمِ آدَمَ، والصَّحِيحُ أنَّ المُرادَ مِنهُ مِن جِنْسِكم كَما قالَ تَعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿لِتَسْكُنُوا إلَيْها﴾ يَعْنِي أنَّ الجِنْسَيْنِ الحَيَّيْنِ المُخْتَلِفَيْنِ لا يَسْكُنُ أحَدُهُما إلى الآخَرِ أيْ لا تَثْبُتُ نَفْسُهُ مَعَهُ ولا يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَيْهِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: يُقالُ سَكَنَ إلَيْهِ لِلسُّكُونِ القَلْبِيِّ، ويُقالُ سَكَنَ عِنْدَهُ لِلسُّكُونِ الجُسْمانِيِّ؛ لِأنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ جاءَتْ لِظَرْفِ المَكانِ، وذَلِكَ لِلْأجْسامِ وإلى لِلْغايَةِ وهي لِلْقُلُوبِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً﴾ فِيهِ أقْوالٌ، قالَ بَعْضُهم: مَوَدَّةٌ بِالمُجامَعَةِ ورَحْمَةٌ بِالوَلَدِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا﴾ [مريم: ٢] وقالَ بَعْضُهم: مَحَبَّةً حالَةَ حاجَةِ نَفْسِهِ، ورَحْمَةً حالَةَ حاجَةِ صاحِبِهِ إلَيْهِ، وهَذا لِأنَّ الإنْسانَ يُحِبُّ مَثَلًا ولَدَهُ، فَإذا رَأى عَدُوَّهُ في شِدَّةِ مِن جُوعٍ وألَمٍ قَدْ يَأْخُذُ مِن ولَدِهِ ويُصْلِحُ بِهِ حالَ ذَلِكَ، وما ذَلِكَ لِسَبَبِ المَحَبَّةِ، وإنَّما هو لِسَبَبِ الرَّحْمَةِ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ ذَكَرَ مِن قَبْلُ أمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: كَوْنُ الزَّوْجُ مِن جِنْسِهِ.
والثّانِي: ما تُفْضِي إلَيْهِ الجِنْسِيَّةُ وهو السُّكُونُ إلَيْهِ، فالجِنْسِيَّةُ تُوجِبُ السُّكُونَ، وذَكَرَ هاهُنا أمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: يُفْضِي إلى الآخَرِ، فالمَوَدَّةُ تَكُونُ أوَّلًا ثُمَّ إنَّها تُفْضِي إلى الرَّحْمَةِ، ولِهَذا فَإنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ الشَّهْوَةِ بِكِبَرٍ أوْ مَرَضٍ ويَبْقى قِيامُ الزَّوْجِ بِها وبِالعَكْسِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: المُرادُ إنَّ في خَلْقِ الأزْواجِ لَآياتٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ في جَعْلِ المَوَدَّةِ بَيْنَهم آياتٌ.
أمّا الأوَّلُ: فَلا بُدَّ لَهُ مِن فِكْرٍ؛ لِأنَّ خَلْقَ الإنْسانِ مِنَ الوالِدَيْنِ يَدُلُّ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ ونُفُوذِ الإرادَةِ وشُمُولِ العِلْمِ لِمَن (p-٩٨)يَتَفَكَّرُ ولَوْ في خُرُوجِ الوَلَدِ مِن بَطْنِ الأُمِّ، فَإنَّ دُونَ ذَلِكَ لَوْ كانَ مِن غَيْرِ اللَّهِ لَأفْضى إلى هَلاكِ الأُمِّ وهَلاكِ الوَلَدِ أيْضًا؛ لَأنَّ الوَلَدَ لَوْ سُلَّ مِن مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ بِغَيْرِ إعانَةِ اللَّهِ لَماتَ.
وأمّا الثّانِي: فَكَذَلِكَ؛ لِأنَّ الإنْسانَ يَجِدُ بَيْنَ القَرِينَيْنِ مِنَ التَّراحُمِ ما لا يَجِدُهُ بَيْنَ ذَوِي الأرْحامِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ فَإنَّها قَدْ تَنْتَفِي وتَبْقى الرَّحْمَةُ، فَهو مِنَ اللَّهِ ولَوْ كانَ بَيْنَهُما مُجَرَّدُ الشَّهْوَةِ، والغَضَبُ كَثِيرُ الوُقُوعِ وهو مُبْطِلٌ لِلشَّهْوَةِ، والشَّهْوَةُ غَيْرُ دائِمَةٍ في نَفْسِها لَكانَ كُلَّ ساعَةٍ بَيْنَهُما فِراقٌ وطَلاقٌ، فالرَّحْمَةُ الَّتِي بِها يَدْفَعُ الإنْسانُ المَكارِهَ عَنْ حَرِيمِ حَرَمِهِ هي مِن عِنْدِ اللَّهِ ولا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلّا بِفِكْرٍ.
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق