الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ﴾ فِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: (ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن نَبَأِ عِيسى وزَكَرِيّا وغَيْرِهِما، وهو مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ (نَتْلُوهُ)، و(مِنَ الآياتِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنى الَّذِي، و(نَتْلُوهُ) صِلَتُهُ، و(مِنَ الآياتِ) الخَبَرُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: التِّلاوَةُ والقَصَصُ واحِدٌ في المَعْنى، فَإنَّ كُلًّا مِنهُما يَرْجِعُ مَعْناهُ إلى شَيْءٍ يُذْكَرُ بَعْضُهُ عَلى إثْرِ بَعْضٍ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أضافَ التِّلاوَةَ إلى نَفْسِهِ في هَذِهِ الآيَةِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَبَإ مُوسى﴾ [القصص: ٣]، وأضافَ القَصَصَ إلى نَفْسِهِ فَقالَ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ﴾ [يوسف: ٣] وكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى جَعَلَ تِلاوَةَ المَلَكِ جارِيَةً مَجْرى تِلاوَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وهَذا تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ لِلْمَلَكِ، وإنَّما حَسُنَ ذَلِكَ لِأنَّ تِلاوَةَ جِبْرِيلَ ﷺ لَمّا كانَ بِأمْرِهِ مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ أصْلًا أُضِيفَ ذَلِكَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ (مِنَ الآياتِ) يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ أنَّ ذَلِكَ مِن آياتِ القُرْآنِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ أنَّهُ مِنَ العَلاماتِ الدّالَّةِ عَلى ثُبُوتِ رِسالَتِكَ؛ لِأنَّها أخْبارٌ لا يَعْلَمُها إلّا قارِئٌ مِن كِتابٍ أوْ مَن يُوحى إلَيْهِ، فَظاهِرٌ أنَّكَ لا تَكْتُبُ ولا تَقْرَأُ، فَبَقِيَ أنَّ ذَلِكَ مِنَ الوَحْيِ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ﴿والذِّكْرِ الحَكِيمِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ الأوَّلُ: المُرادُ مِنهُ القُرْآنُ وفي وصْفِ القُرْآنِ بِكَوْنِهِ ذِكْرًا حَكِيمًا وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّهُ بِمَعْنى الحاكِمِ مِثْلُ القَدِيرِ والعَلِيمِ، والقُرْآنُ حاكِمٌ بِمَعْنى أنَّ الأحْكامَ تُسْتَفادُ مِنهُ، والثّانِي: مَعْناهُ ذُو الحِكْمَةِ في تَأْلِيفِهِ ونَظْمِهِ وكَثْرَةِ عُلُومِهِ، والثّالِثُ: أنَّهُ بِمَعْنى المُحْكَمِ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفْعَلٍ، قالَ الأزْهَرِيُّ: وهو شائِعٌ في اللُّغَةِ؛ لِأنَّ حَكَمْتُ يَجْرِي مَجْرى أحْكَمْتُ في المَعْنى، فَرُدَّ إلى (p-٦٦)الأصْلِ، ومَعْنى المُحْكَمِ في القُرْآنِ أنَّهُ أُحْكِمَ عَنْ تَطَرُّقِ وُجُوهِ الخَلَلِ إلَيْهِ قالَ تَعالى: ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ [هود: ١]، والرّابِعُ: أنْ يُقالَ: القُرْآنُ لِكَثْرَةِ حِكَمِهِ: إنَّهُ يَنْطِقُ بِالحِكْمَةِ، فَوُصِفَ بِكَوْنِهِ حَكِيمًا عَلى هَذا التَّأْوِيلِ. القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالذِّكْرِ الحَكِيمِ هاهُنا غَيْرُ القُرْآنِ، وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ الَّذِي مِنهُ نُقِلَتْ جَمِيعُ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أخْبَرَ أنَّهُ تَعالى أنْزَلَ هَذا القَصَصَ مِمّا كُتِبَ هُنالِكَ، واللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب