الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وأنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهم كَما يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ عَلى ما ذَكَرَ فَهم يَسْتَبْشِرُونَ لِأنْفُسِهِمْ بِما رُزِقُوا مِنَ النَّعِيمِ، وإنَّما أعادَ لَفْظَ ”يَسْتَبْشِرُونَ“ لِأنَّ الِاسْتِبْشارَ الأوَّلَ كانَ بِأحْوالِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِن خَلْفِهِمْ، والِاسْتِبْشارُ الثّانِي كانَ بِأحْوالِ أنْفُسِهِمْ خاصَّةً. فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ أنَّهُ ذَكَرَ فَرَحَهم بِأحْوالِ أنْفُسِهِمْ، والفَرَحُ عَيْنُ الِاسْتِبْشارِ ؟ قُلْنا: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ الِاسْتِبْشارَ هو الفَرَحُ التّامُّ فَلا يَلْزَمُ التَّكْرارُ. والثّانِي: لَعَلَّ المُرادَ حُصُولُ الفَرَحِ بِما حَصَلَ في الحالِ، وحُصُولُ الِاسْتِبْشارِ بِما عَرَفُوا أنَّ النِّعْمَةَ العَظِيمَةَ تَحْصُلُ لَهم في الآخِرَةِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ﴾ النِّعْمَةُ هي الثَّوابُ والفَضْلُ هو التَّفَضُّلُ الزّائِدُ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ اسْتِبْشارَهم بِسَعادَةِ إخْوانِهِمْ أتَمُّ مِنِ اسْتِبْشارِهِمْ بِسَعادَةِ أنْفُسِهِمْ، لِأنَّ الِاسْتِبْشارَ الأوَّلَ في الذِّكْرِ هو بِأحْوالِ الإخْوانِ، وهَذا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى أنَّ فَرَحَ الإنْسانِ بِصَلاحِ أحْوالِ إخْوانِهِ ومُتَعَلِّقِيهِ، يَجِبُ أنْ يَكُونَ أتَمَّ وأكْمَلَ مِن فَرَحِهِ بِصَلاحِ أحْوالِ نَفْسِهِ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿وأنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ الكِسائِيُّ ”وإنَّ اللَّهَ“ بِكَسْرِ الألِفِ عَلى الِاسْتِئْنافِ. وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها عَلى مَعْنى: وبِأنَّ اللَّهَ، والتَّقْدِيرُ: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وبِأنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ، والقِراءَةُ الأُولى أتَمُّ وأكْمَلُ لِأنَّ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ يَكُونُ الِاسْتِبْشارُ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَقَطْ، وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ يَكُونُ الِاسْتِبْشارُ بِالفَضْلِ والرَّحْمَةِ وطَلَبِ الأجْرِ، ولا شَكَّ أنَّ المَقامَ الأوَّلَ أكْمَلُ لِأنَّ كَوْنَ العَبْدِ مُشْتَغِلًا بِطَلَبِ اللَّهِ أتَمُّ مِنِ اشْتِغالِهِ بِطَلَبِ أجْرِ عَمَلِهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ بَيانُ أنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِن إيصالِ الثَّوابِ والسُّرُورِ العَظِيمِ إلى الشُّهَداءِ (p-٧٩)لَيْسَ حُكْمًا مَخْصُوصًا بِهِمْ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الأجْرِ والثَّوابِ، فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يُوصِلُ إلَيْهِ ذَلِكَ الأجْرَ والثَّوابَ ولا يُضِيعُهُ ألْبَتَّةَ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الآيَةُ عِنْدَنا دالَّةٌ عَلى العَفْوِ عَنْ فُسّاقِ أهْلِ الصَّلاةِ لِأنَّهُ بِإيمانِهِ اسْتَحَقَّ الجَنَّةَ، فَلَوْ بَقِيَ بِسَبَبِ فِسْقِهِ في النّارِ مُؤَبَّدًا مُخَلَّدًا لَما وصَلَ إلَيْهِ أجْرُ إيمانِهِ، فَحِينَئِذٍ يَضِيعُ أجْرُ المُؤْمِنِينَ عَلى إيمانِهِمْ وذَلِكَ خِلافُ الآيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب