الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ فِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: بَلى: إيجابٌ لِما بَعْدَ (لَنْ) يَعْنِي بَلْ يَكْفِيكُمُ الإمْدادُ فَأوْجَبَ الكِفايَةَ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا﴾ يَعْنِي والمُشْرِكُونَ يَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِأكْثَرَ مِن ذَلِكَ العَدَدِ وهو خَمْسَةُ آلافٍ، فَجَعَلَ مَجِيءَ خَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مَشْرُوطَةً بِثَلاثَةِ أشْياءَ: الصَّبْرُ والتَّقْوى ومَجِيءُ الكُفّارِ عَلى الفَوْرِ، فَلَمّا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الشَّرائِطُ لا جَرَمَ لَمْ يُوجَدِ المَشْرُوطُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الفَوْرُ مَصْدَرٌ مِن: فارَتِ القِدْرُ إذا غَلَتْ، قالَ تَعالى: ﴿حَتّى إذا جاءَ أمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قِيلَ: إنَّهُ أوَّلُ ارْتِفاعِ الماءِ مِنهُ ثُمَّ جَعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ اسْتِعارَةً في السُّرْعَةِ، يُقالُ جاءَ فُلانٌ ورَجَعَ مِن فَوْرِهِ، ومِنهُ قَوْلُ الأُصُولِيِّينَ الأمْرُ لِلْفَوْرِ أوِ التَّراخِي، والمَعْنى حِدَّةُ مَجِيءِ العَدُوِّ وحَرارَتُهُ وسُرْعَتُهُ. (p-١٨٨)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ (مُسَوِّمِينَ) بِكَسْرِ الواوِ أيْ مُعَلِّمِينَ عَلَّمُوا أنْفُسَهم بِعَلاماتٍ مَخْصُوصَةٍ، وأكْثَرُ الأخْبارِ أنَّهم سَوَّمُوا خُيُولَهم بِعَلاماتٍ جَعَلُوها عَلَيْها، والباقُونَ بِفَتْحِ الواوِ، أيْ سَوَّمَهُمُ اللَّهُ أوْ بِمَعْنى أنَّهم سَوَّمُوا أنْفُسَهم، فَكانَ في المُرادِ مِنَ التَّسْوِيمِ في قَوْلِهِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ قَوْلانِ. الأوَّلُ: السُّومَةُ العَلامَةُ الَّتِي يُعْرَفُ بِها الشَّيْءُ مِن غَيْرِهِ، ومَضى شَرْحُ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ﴾ [آل عمران: ١٤] وهَذِهِ العَلامَةُ يُعَلَّمُها الفارِسُ يَوْمَ اللِّقاءِ لِيُعْرَفَ بِها، وفي الخَبَرِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: ”«سَوِّمُوا فَإنَّ المَلائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ» “ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَتِ المَلائِكَةُ قَدْ سَوَّمُوا أنْفُسَهم بِالعَمائِمِ الصُّفْرِ وخُيُولَهم، وكانُوا عَلى خَيْلٍ بُلْقٍ، بِأنْ عَلَّقُوا الصُّوفَ الأبْيَضَ في نَواصِيها وأذْنابِها، ورُوِيَ أنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ كانَ يُعَلَّمُ بِرِيشَةِ نَعامَةٍ، وأنَّ عَلِيًّا كانَ يُعَلَّمُ بِصُوفَةٍ بَيْضاءَ وأنَّ الزُّبَيْرَ كانَ يَتَعَصَّبُ بِعِصابَةٍ صَفْراءَ وأنَّ أبا دُجانَةَ كانَ يُعَلَّمُ بِعِصابَةٍ حَمْراءَ. القَوْلُ الثّانِي: في تَفْسِيرِ المُسَوَّمِينَ أنَّهُ بِمَعْنى المُرْسَلِينَ مَأْخُوذًا مِنَ الإبِلِ السّائِمَةِ المُرْسَلَةِ في الرَّعْيِ، تَقُولُ: أسَمْتُ الإبِلَ إذا أرْسَلْتَها، ويُقالُ في التَّكْثِيرِ سَوَّمْتُ كَما تَقُولُ: أكْرَمْتُ وكَرَّمْتُ، فَمَن قَرَأ ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ بِكَسْرِ الواوِ فالمَعْنى أنَّ المَلائِكَةَ أرْسَلَتْ خَيْلَها عَلى الكُفّارِ لِقَتْلِهِمْ وأسْرِهِمْ، ومَن قَرَأ بِفَتْحِ الواوِ فالمَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى أرْسَلَهم عَلى المُشْرِكِينَ لِيُهْلِكُوهم كَما تُهْلِكُ الماشِيَةُ النَّباتَ والحَشِيشَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب