الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ أمْوالَ الكُفّارِ لا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا، ثُمَّ إنَّهم رُبَّما أنْفَقُوا أمْوالَهم في وُجُوهِ الخَيْراتِ، فَيَخْطُرُ بِبالِ الإنْسانِ أنَّهم يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ، فَأزالَ اللَّهُ تَعالى بِهَذِهِ الآيَةِ تِلْكَ الشُّبْهَةَ، وبَيَّنَ أنَّهم لا يَنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الإنْفاقاتِ، وإنْ كانُوا قَدْ قَصَدُوا بِها وجْهَ اللَّهِ. وفِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: المَثَلُ الشَّبَهُ الَّذِي يَصِيرُ كالعَلَمِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِهِ فِيما يُشَبَّهُ بِهِ، وحاصِلُ الكَلامِ أنَّ كُفْرَهم يُبْطِلُ ثَوابَ نَفَقَتِهِمْ، كَما أنَّ الرِّيحَ البارِدَةَ تُهْلِكُ الزَّرْعَ. فَإنْ قِيلَ: فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ مَثَلُ إنْفاقِهِمْ هو الحَرْثُ الَّذِي هَلَكَ، فَكَيْفَ شَبَّهَ الإنْفاقَ بِالرِّيحِ البارِدَةِ المُهْلِكَةِ ؟ قُلْنا: المَثَلُ قِسْمانِ مِنهُ ما حَصَلَتْ فِيهِ المُشابَهَةُ بَيْنَ ما هو المَقْصُودُ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ وإنْ لَمْ تَحْصُلِ المُشابَهَةُ بَيْنَ أجْزاءِ الجُمْلَتَيْنِ، وهَذا هو المُسَمّى بِالتَّشْبِيهِ المُرَكَّبِ، ومِنهُ ما حَصَلَتِ المُشابَهَةُ فِيهِ بَيْنَ المَقْصُودِ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ، وبَيْنَ أجْزاءِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما، فَإذا جَعَلْنا هَذا المَثَلَ مِنَ القِسْمِ الأوَّلِ زالَ السُّؤالُ، وإنْ جَعَلْناهُ مِنَ القِسْمِ الثّانِي فَفِيهِ وُجُوهٌ. الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مَثَلُ الكُفْرِ في إهْلاكِ ما يُنْفِقُونَ، كَمَثَلِ الرِّيحِ المُهْلِكَةِ لِلْحَرْثِ. الثّانِي: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ، كَمَثَلِ مُهْلَكِ رِيحٍ، وهو الحَرْثُ. الثّالِثُ: لَعَلَّ الإشارَةَ في قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ﴾ إلى ما أنْفَقُوا في إيذاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في جَمْعِ العَساكِرِ عَلَيْهِ، وكانَ هَذا الإنْفاقُ مُهْلِكًا (p-١٧٠)لِجَمِيعِ ما أتَوْا بِهِ مِن أعْمالِ الخَيْرِ والبِرِّ وحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ التَّشْبِيهُ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى إضْمارٍ وتَقْدِيمٍ وتَأْخِيرٍ، والتَّقْدِيرُ: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في كَوْنِهِ مُبْطِلًا لِما أتَوْا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِن أعْمالِ البِرِّ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ في كَوْنِها مُبْطِلَةً لِلْحَرْثِ، وهَذا الوَجْهُ خَطَرَ بِبالِي عِنْدَ كِتابَتِي عَلى هَذا المَوْضِعِ، فَإنَّ إنْفاقَهم في إيذاءِ الرَّسُولِ ﷺ مِن أعْظَمِ أنْواعِ الكُفْرِ ومِن أشَدِّها تَأْثِيرًا في إبْطالِ آثارِ أعْمالِ البِرِّ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ هَذا الإنْفاقِ عَلى قَوْلَيْنِ. الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِالإنْفاقِ هاهُنا هو جَمِيعُ أعْمالِهِمُ الَّتِي يَرْجُونَ الِانْتِفاعَ بِها في الآخِرَةِ، سَمّاهُ اللَّهُ إنْفاقًا كَما سَمّى ذَلِكَ بَيْعًا وشِراءً في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] إلى قَوْلِهِ: ﴿فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ﴾ [التوبة: ١١١] ومِمّا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ هَذا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] والمُرادُ بِهِ جَمِيعُ أعْمالِ الخَيْرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] والمُرادُ جَمِيعُ أنْواعِ الِانْتِفاعاتِ. والقَوْلُ الثّانِي: وهو الأشْبَهُ أنَّ المُرادَ إنْفاقُ الأمْوالِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ ما قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ وهو قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهُمْ﴾ . المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ﴾ المُرادُ مِنهُ جَمِيعُ الكُفّارِ أوْ بَعْضُهم، فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: المُرادُ بِالإخْبارِ عَنْ جَمِيعِ الكُفّارِ، وذَلِكَ لِأنَّ إنْفاقَهم إمّا أنْ يَكُونَ لِمَنافِعِ الدُّنْيا أوْ لِمَنافِعِ الآخِرَةِ فَإنْ كانَ لِمَنافِعِ الدُّنْيا لَمْ يَبْقَ مِنهُ أثَرٌ ألْبَتَّةَ في الآخِرَةِ في حَقِّ المُسْلِمِ فَضْلًا عَنِ الكافِرِ وإنْ كانَ لِمَنافِعِ الآخِرَةِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ في الآخِرَةِ لِأنَّ الكُفْرَ مانِعٌ مِنَ الِانْتِفاعِ بِهِ، فَثَبَتَ أنَّ جَمِيعَ نَفَقاتِ الكُفّارِ لا فائِدَةَ فِيها في الآخِرَةِ، ولَعَلَّهم أنْفَقُوا أمْوالَهم في الخَيْراتِ نَحْوَ بِناءِ الرِّباطاتِ والقَناطِرِ والإحْسانِ إلى الضُّعَفاءِ والأيْتامِ والأرامِلِ، وكانَ ذَلِكَ المُنْفِقُ يَرْجُو مِن ذَلِكَ الإنْفاقِ خَيْرًا كَثِيرًا فَإذا قَدِمَ الآخِرَةَ رَأى كُفْرَهُ مُبْطِلًا لِآثارِ الخَيْراتِ، فَكانَ كَمَن زَرَعَ زَرْعًا وتَوَقَّعَ مِنهُ نَفْعًا كَثِيرًا فَأصابَتْهُ رِيحٌ فَأحْرَقَتْهُ فَلا يَبْقى مَعَهُ إلّا الحُزْنُ والأسَفُ، هَذا إذا أنْفَقُوا الأمْوالَ في وُجُوهِ الخَيْراتِ أمّا إذا أنْفَقُوها فِيما ظَنُّوهُ أنَّهُ الخَيْراتُ لَكِنَّهُ كانَ مِنَ المَعاصِي مِثْلَ إنْفاقِ الأمْوالِ في إيذاءِ الرَّسُولِ ﷺ وفي قَتْلِ المُسْلِمِينَ وتَخْرِيبِ دِيارِهِمْ، فالَّذِي قُلْناهُ فِيهِ أسَدُّ وأشَدُّ، ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣] وقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ [الأنفال: ٣٦] وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ [النور: ٣٩] فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الحَسَناتِ مِنَ الكُفّارِ لا تَسْتَعْقِبُ الثَّوابَ، وكُلُّ ذَلِكَ مَجْمُوعٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] وهَذا القَوْلُ هو الأقْوى والأصَحُّ. واعْلَمْ أنّا إنَّما فَسَّرْنا الآيَةَ بِخَيْبَةِ هَؤُلاءِ الكُفّارِ في الآخِرَةِ ولا يَبْعُدُ أيْضًا تَفْسِيرُها بِخَيْبَتِهِمْ في الدُّنْيا، فَإنَّهم أنْفَقُوا الأمْوالَ الكَثِيرَةَ في جَمْعِ العَساكِرِ وتَحَمَّلُوا المَشاقَّ ثُمَّ انْقَلَبَ الأمْرُ عَلَيْهِمْ، وأظْهَرَ اللَّهُ الإسْلامَ وقَوّاهُ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ الكُفّارِ مِن ذَلِكَ الإنْفاقِ إلّا الخَيْبَةُ والحَسْرَةُ. والقَوْلُ الثّانِي: المُرادُ مِنهُ الإخْبارُ عَنْ بَعْضِ الكُفّارِ، وعَلى هَذا القَوْلِ فَفي الآيَةِ وُجُوهٌ. الأوَّلُ: أنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ ولَكِنْ عَلى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ والخَوْفِ مِنَ المُسْلِمِينَ وعَلى سَبِيلِ المُداراةِ لَهم، فالآيَةُ فِيهم. الثّانِي: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِنْدَ تَظاهُرِهِمْ عَلى (p-١٧١)الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ. الثّالِثُ: نَزَلَتْ في إنْفاقِ سَفَلَةِ اليَهُودِ عَلى أحْبارِهِمْ لِأجْلِ التَّحْرِيفِ. والرّابِعُ: المُرادُ ما يُنْفِقُونَ ويَظُنُّونَ أنَّهُ تَقَرُّبٌ إلى اللَّهِ تَعالى مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا في (الصِّرِّ) عَلى وُجُوهٍ. الأوَّلُ: قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ وأهْلُ اللُّغَةِ: الصِّرُّ البَرْدُ الشَّدِيدُ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ وابْنِ زَيْدٍ. والثّانِي: أنَّ الصِّرَّ: هو السَّمُومُ الحارَّةُ والنّارُ الَّتِي تَغْلِي، وهو اخْتِيارُ أبِي بَكْرٍ الأصَمِّ وأبِي بَكْرِ بْنِ الأنْبارِيِّ، قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وإنَّما وُصِفَتِ النّارُ بِأنَّها (صِرٌّ) لِتَصْوِيتِها عِنْدَ الِالتِهابِ، ومِنهُ صَرِيرُ البابِ، والصَّرْصَرُ مَشْهُورٌ، والصَّرَّةُ الصَّيْحَةُ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأقْبَلَتِ امْرَأتُهُ في صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: ٢٩] ورَوى ابْنُ الأنْبارِيِّ بِإسْنادِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في ﴿فِيها صِرٌّ﴾ قالَ: فِيها نارٌ، وعَلى القَوْلَيْنِ فالمَقْصُودُ مِنَ التَّشْبِيهِ حاصِلٌ، لِأنَّهُ سَواءٌ كانَ بَرْدًا مُهْلِكًا أوْ حَرًّا مُحْرِقًا فَإنَّهُ يَصِيرُ مُبْطِلًا لِلْحَرْثِ والزَّرْعِ فَيَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِهِ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: المُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِالإحْباطِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ كَما أنَّ هَذِهِ الرِّيحَ تُهْلِكُ الحَرْثَ فَكَذَلِكَ الكُفْرُ يُهْلِكُ الإنْفاقَ، وهَذا إنَّما يَصِحُّ إذا قُلْنا: إنَّهُ لَوْلا الكُفْرُ لَكانَ ذَلِكَ الإنْفاقُ مُوجِبًا لِمَنافِعِ الآخِرَةِ وحِينَئِذٍ يَصِحُّ القَوْلُ بِالإحْباطِ، وأجابَ أصْحابُنا عَنْهُ بِأنَّ العَمَلَ لا يَسْتَلْزِمُ الثَّوابَ إلّا بِحُكْمِ الوَعْدِ، والوَعْدُ مِنَ اللَّهِ مَشْرُوطٌ بِحُصُولِ الإيمانِ، فَإذا حَصَلَ الكُفْرُ فاتَ المَشْرُوطُ لِفَواتِ شَرْطِهِ لِأنَّ الكُفْرَ أزالَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، ودَلائِلُ بُطْلانِ القَوْلِ بِالإحْباطِ قَدْ تَقَدَّمَتْ في سُورَةِ البَقَرَةِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ وفِيهِ سُؤالٌ: وهو أنْ يُقالَ: لِمَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ﴾ وما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ: ﴿ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ . قُلْنا: في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ وجْهانِ الأوَّلُ: أنَّهم عَصَوُا اللَّهَ فاسْتَحَقُّوا هَلاكَ حَرْثِهِمْ عُقُوبَةً لَهم، والفائِدَةُ في ذِكْرِهِ هي أنَّ الغَرَضَ تَشْبِيهُ ما يُنْفِقُونَ بِشَيْءٍ يَذْهَبُ بِالكُلِّيَّةِ حَتّى لا يَبْقى مِنهُ شَيْءٌ، وحَرْثُ الكافِرِينَ الظّالِمِينَ هو الَّذِي يَذْهَبُ بِالكُلِّيَّةِ ولا يَحْصُلُ مِنهُ مَنفَعَةٌ لا في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ، فَأمّا حَرْثُ المُسْلِمِ المُؤْمِنِ فَلا يَذْهَبُ بِالكُلِّيَّةِ لِأنَّهُ وإنْ كانَ يَذْهَبُ صُورَةً فَلا يَذْهَبُ مَعْنًى، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى يَزِيدُ في ثَوابِهِ لِأجْلِ وُصُولِ تِلْكَ الأحْزانِ إلَيْهِ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ هو أنَّهم زَرَعُوا في غَيْرِ مَوْضِعِ الزَّرْعِ أوْ في غَيْرِ وقْتِهِ، لِأنَّ الظُّلْمَ وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَتَأكَّدُ وجْهُ التَّشْبِيهِ، فَإنْ مَن زَرَعَ لا في مَوْضِعِهِ ولا في وقْتِهِ يَضِيعُ، ثُمَّ إذا أصابَتْهُ الرِّيحُ البارِدَةُ كانَ أوْلى بِأنْ يَصِيرَ ضائِعًا، فَكَذا هاهُنا الكُفّارُ لَمّا أتَوْا بِالإنْفاقِ لا في مَوْضِعِهِ ولا في وقْتِهِ ثُمَّ أصابَهُ شُؤْمُ كُفْرِهِمُ امْتَنَعَ أنْ لا يَصِيرَ ضائِعًا، واللَّهُ أعْلَمُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ والمَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى ما ظَلَمَهم حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ نَفَقاتِهِمْ، ولَكِنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم حَيْثُ أتَوْا بِها مَقْرُونَةً بِالوُجُوهِ المانِعَةِ مِن كَوْنِها مَقْبُولَةً لِلَّهِ تَعالى قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قُرِئَ (ولَكِنَّ) بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى ولَكِنَّ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَها، ولا يَجُوزُ أنْ يُرادَ، ولَكِنَّهُ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ عَلى إسْقاطِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، لِأنَّهُ لا يَجُوزُ إلّا في الشِّعْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب