الباحث القرآني

ثُمَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: ما الفائِدَةُ في إعادَةِ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ مَرَّةً أُخْرى ؟ نَقُولُ: اللَّهُ تَعالى ذَكَرَ مِنَ المُكَلَّفِينَ قَسَمَيْنِ مُهْتَدِيًا وضالًّا بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ (العَنْكَبُوتِ: ٣ ) وذَكَرَ حالَ الضّالِّ مُجْمَلًا وحالَ المُهْتَدِي مُفَصَّلًا بِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ ولَمّا تَمَّمَ ذَلِكَ ذَكَرَ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ هادِيًا ومُضِلًّا فَقَوْلُهُ: ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ يَقْتَضِي أنْ يَهْتَدِيَ بِهِما وقَوْلُهُ: ﴿وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ﴾ بَيانُ إضْلالِهِما، وقَوْلُهُ: ﴿إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئُكُمْ﴾ بِطَرِيقِ الإجْمالِ تَهْدِيدُ المُضِلِّ، وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ عَلى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وعَدَ الهادِي فَذَكَرَ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ مَرَّةً لِبَيانِ حالِ المُهْتَدِي، ومَرَّةً أُخْرى لِبَيانِ حالِ الهادِي، والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ هو أنَّهُ قالَ أوَّلًا: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾، وقالَ ثانِيًا: ﴿لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ والصّالِحُونَ هُمُ الهُداةُ لِأنَّهُ مَرْتَبَةُ الأنْبِياءِ، ولِهَذا قالَ كَثِيرٌ مِنَ الأنْبِياءِ ﴿وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ (الشُّعَراءِ: ٨٣) . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنا أنَّ الصّالِحَ باقٍ والصّالِحُونَ باقُونَ وبَقاؤُهم لَيْسَ بِأنْفُسِهِمْ، بَلْ بِأعْمالِهِمُ الباقِيَةِ فَأعْمالُهم باقِيَةٌ، والمَعْمُولُ لَهُ وهو وجْهُ اللَّهِ باقٍ، والعامِلُونَ باقُونَ بِبَقاءِ أعْمالِهِمْ، وهَذا عَلى خِلافِ الأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإنَّ في الدُّنْيا بَقاءَ الفِعْلِ بِالفاعِلِ، وفي الآخِرَةِ بَقاءَ الفاعِلِ بِالفِعْلِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قِيلَ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ لَنُدْخِلَنَّهم في مَقامِ الصّالِحِينَ أوْ في دارِ الصّالِحِينَ، والأوْلى أنْ يُقالَ: لا حاجَةَ إلى الإضْمارِ؛ بَلْ يُدْخِلُهم في الصّالِحِينَ أيْ يَجْعَلُهم مِنهم ويُدْخِلُهم في عِدادِهِمْ كَما يُقالُ الفَقِيهُ داخِلٌ في العُلَماءِ. (p-٣٤)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ الحُكَماءُ: عالَمُ العَناصِرِ عالَمُ الكَوْنِ والفَسادِ، وما فِيهِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الفَسادُ، فَإنَّ الماءَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ ماءً، ويَفْسُدُ ويَتَكَوَّنُ مِنهُ هَواءٌ، وعالَمُ السَّماواتِ لا كَوْنَ فِيهِ ولا فَسادَ بَلْ يُوجَدُ مِن عَدَمٍ، ولا يَعْدَمُ ولا يَصِيرُ المَلَكُ تُرابًا بِخِلافِ الإنْسانِ، فَإنَّهُ يَصِيرُ تُرابًا أوْ شَيْئًا آخَرَ، وعَلى هَذا فالعالَمُ العُلْوِيُّ لَيْسَ بِفاسِدٍ فَهو صالِحٌ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ أيْ في المُجَرَّدِينَ الَّذِينَ لا فَسادَ لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب