الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأنّى يُؤْفَكُونَ﴾
نَقُولُ لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ الأمْرَ لِلْمُشْرِكِ مُخاطِبًا مَعَهُ ولَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ وأعْرَضَ عَنْهُ وخاطَبَ المُؤْمِنَ بِقَوْلِهِ: ﴿ياعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وأتَمَّ الكَلامَ مَعَهُ ذَكَرَ مَعَهُ ما يَكُونُ إرْشادًا لِلْمُشْرِكِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ، وهَذا طَرِيقٌ في غايَةِ الحُسْنِ، فَإنَّ السَّيِّدَ إذا كانَ لَهُ عَبْدانِ، أوِ الوالِدَ إذا كانَ لَهُ ولَدانِ وأحَدُهُما رَشِيدٌ والآخَرُ مُفْسِدٌ، يَنْصَحُ أوَّلًا المُفْسِدَ، فَإنْ لَمْ يَسْمَعْ يَقُولُ مُعْرِضًا عَنْهُ، مُلْتَفِتًا إلى الرَّشِيدِ: إنَّ هَذا لا يَسْتَحِقُّ الخِطابَ فاسْمَعْ أنْتَ، ولا تَكُنْ مِثْلَ هَذا المُفْسِدِ، فَيَتَضَمَّنُ هَذا الكَلامُ نَصِيحَةَ المُصْلِحِ وزَجْرَ المُفْسِدِ، فَإنَّ قَوْلَهُ هَذا لا يَسْتَحِقُّ الخِطابَ يُوجِبُ نِكايَةً في قَلْبِهِ، ثُمَّ إذا ذَكَرَ مَعَ المُصْلِحِ في أثْناءِ الكَلامِ والمُفْسِدُ يَسْمَعُهُ: إنَّ هَذا أخاكَ العَجِيبُ مِنهُ أنَّهُ يَعْلَمُ قُبْحَ فِعْلِهِ، ويَعْرِفُ الفَسادَ مِنَ الصَّلاحِ وسَبِيلَ الرَّشادِ والفَلاحِ ويَشْتَغِلُ بِضِدِّهِ، يَكُونُ هَذا الكَلامُ أيْضًا داعِيًا لَهُ إلى سَبِيلِ الرَّشادِ مانِعًا لَهُ مِن ذَلِكَ الفَسادِ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ تَعالى قالَ مَعَ المُؤْمِنِ: العَجَبُ مِنهم أنَّهم إنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ثُمَّ لا يُؤْمِنُونَ.
وفِي الآيَةِ لَطائِفُ:
إحْداها: ذَكَرَ في السَّماواتِ والأرْضِ الخَلْقَ، وفي الشَّمْسِ والقَمَرِ التَّسْخِيرَ، وذَلِكَ لِأنَّ مُجَرَّدَ خَلْقِ الشَّمْسِ والقَمَرِ لَيْسَ حِكْمَةً، فَإنَّ الشَّمْسَ لَوْ كانَتْ مَخْلُوقَةً بِحَيْثُ تَكُونُ في مَوْضِعٍ واحِدٍ لا تَتَحَرَّكُ ما حَصَلَ اللَّيْلُ والنَّهارُ ولا الصَّيْفُ ولا الشِّتاءُ، فَإذًا الحِكْمَةُ في تَحْرِيكِهِما وتَسْخِيرِهِما.
الثّانِيَةُ: في لَفْظِ التَّسْخِيرِ، وذَلِكَ لِأنَّ التَّحْرِيكَ يَدُلُّ عَلى مُجَرَّدِ الحَرَكَةِ ولَيْسَ مُجَرَّدُ الحَرَكَةِ كافِيًا؛ لِأنَّها لَوْ كانَتْ تَتَحَرَّكُ مِثْلَ حَرَكَتِنا لَما كانَتْ تَقْطَعُ الفَلَكَ بِأُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ، فالحِكْمَةُ في تَسْخِيرِهِما تَحَرُّكُهُما في قَدْرِ ما يَتَنَفَّسُ الإنْسانُ آلافًا مِنَ الفَراسِخِ، ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهُما حَرَكَةً واحِدَةً بَلْ حَرَكاتٍ، إحْداها حَرَكَتُها مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ مَرَّةً، والأُخْرى حَرَكَتُها مِنَ المَغْرِبِ إلى المَشْرِقِ، والدَّلِيلُ عَلَيْها أنَّ الهِلالَ يُرى في جانِبِ الغَرْبِ عَلى بُعْدٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَبْعُدُ مِنهُ إلى جانِبِ الشَّرْقِ حَتّى يُرى القَمَرُ في نِصْفِ الشَّهْرِ في مُقابَلَةِ الشَّمْسِ، والشَّمْسُ عَلى أُفُقِ المَغْرِبِ، والقَمَرُ عَلى أُفُقِ المَشْرِقِ، وحَرَكَةٌ أُخْرى حَرَكَةُ الأوْجِ وحَرَكَةُ المائِلِ والتَّدْوِيرِ في القَمَرِ، ولَوْلا الحَرَكَةُ الَّتِي مِنَ المَغْرِبِ إلى المَشْرِقِ لَما حَصَلَتِ الفُصُولُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ أصْحابَ الهَيْئَةِ قالُوا: الشَّمْسُ في الفَلَكِ مَرْكُوزَةٌ والفَلَكُ يُدِيرُها بِدَوَرانِهِ، وأنْكَرَهُ المُفَسِّرُونَ الظّاهِرِيُّونَ، ونَحْنُ نَقُولُ لا بُعْدَ في ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقُولُوا بِالطَّبِيعَةِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى فاعِلٌ مُخْتارٌ إنْ أرادَ أنْ يُحَرِّكَهُما في الفَلَكِ والفَلَكُ ساكِنٌ يَجُوزُ، وإنْ أرادَ أنْ يُحَرِّكَهُما بِحَرَكَةِ الفَلَكِ وهُما ساكِنانِ يَجُوزُ ولَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ قاطِعٌ أوْ ظاهِرٌ، وسَنَذْكُرُ تَمامَ البَحْثِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [ يس: ٤٠] .
الثّالِثَةُ: ذَكَرَ أمْرَيْنِ أحَدُهُما خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ، والآخَرُ تَسْخِيرُ الشَّمْسِ والقَمَرِ؛ لِأنَّ الإيجادَ قَدْ يَكُونُ لِلذَّواتِ وقَدْ يَكُونُ لِلصِّفاتِ، فَخَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ إشارَةٌ إلى إيجادِ الذَّواتِ، وتَسْخِيرُ الشَّمْسِ والقَمَرِ إشارَةٌ إلى إيجادِ الصِّفاتِ وهي الحَرَكَةُ وغَيْرُها، فَكَأنَّهُ ذَكَرَ مِنَ القَبِيلَيْنِ مِثالَيْنِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَأنّى يُؤْفَكُونَ﴾ يَعْنِي هم يَعْتَقِدُونَ هَذا فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ، مَعَ أنَّ مَن عُلِمَتْ عَظَمَتُهُ وجَبَتْ خِدْمَتُهُ، ولا عَظَمَةَ فَوْقَ عَظَمَةِ خالِقِ السَّماواتِ والأرْضِ، ولا حَقارَةَ فَوْقَ حَقارَةِ الجَمادِ؛ لِأنَّ الجَمادَ (p-٧٩)دُونَ الحَيَوانِ، والحَيَوانُ دُونَ الإنْسانِ، والإنْسانُ دُونَ سُكّانِ السَّماواتِ فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ عِبادَةَ أعْظَمِ المَوْجُوداتِ ويَشْتَغِلُونَ بِعِباداتِ أخَسِّ المَوْجُوداتِ.
{"ayah":"وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











