الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾
بَيَّنَ ما يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ وقْتَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَما بَيَّنَ مِن قَبْلُ ما يَكُونُ لِلْكافِرِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] فَبَيَّنَ أنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الجِنانَ في مُقابَلَةِ ما أنَّ لِلْكافِرِينَ النِّيرانَ، وبَيَّنَ أنَّ فِيها غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ في مُقابَلَةِ ما بَيَّنَ أنَّ تَحْتَ الكافِرِينَ النّارَ، وبَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ أجْرُ عَمَلِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿نِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾ في مُقابَلَةِ ما بَيَّنَ أنَّ ما تَقَدَّمَ جَزاءُ عَمَلِ الكُفّارِ بِقَوْلِهِ: ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ثُمَّ في الآيَتَيْنِ اخْتِلافاتٌ فِيها لَطائِفُ مِنها أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في العَذابِ أنَّ فَوْقَهم عَذابًا أيْ نارًا، ولَمْ يَذْكُرْ هَهُنا فَوْقَهم شَيْئًا، وإنَّما ذَكَرَ ما فَوْقُ مِن غَيْرِ إضافَةٍ وهو الغُرْفُ، وذَلِكَ؛ لِأنَّ المَذْكُورَ في المَوْضِعَيْنِ العِقابُ والثَّوابُ الجُسْمانِيّانِ، لَكِنَّ الكافِرَ في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ، فَيَكُونُ فَوْقَهُ طَبَقاتٌ مِنَ النّارِ، فَأمّا المُؤْمِنُونَ فَيَكُونُونَ في أعْلى عِلِّيِّينَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَهم شَيْئًا إشارَةً إلى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وارْتِفاعِ مَنزِلَتِهِمْ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهم غُرَفٌ مِن فَوْقِها غُرَفٌ﴾ [الزمر: ٢٠] لا يُنافِي [ ذَلِكَ ] لِأنَّ الغُرَفَ فَوْقَ الغُرَفِ لا فَوْقَهم والنّارُ فَوْقَ النّارِ وهي فَوْقَهم، ومِنها أنَّ هُناكَ ذَكَرَ مِن تَحْتِ أرْجُلِهِمُ النّارَ، وهَهُنا ذَكَرَ مِن تَحْتِ غُرَفِهِمُ الماءَ، وذَلِكَ لِأنَّ النّارَ لا تُؤْلِمُ إذا كانَتْ تَحْتُ مُطْلَقًا ما لَمْ تَكُنْ في مُسامَتَةِ الأقْدامِ ومُتَّصِلَةً بِها، أمّا إذا كانَ الشُّعْلَةُ مائِلَةً عَنْ سَمْتِ القَدَمِ وإنْ كانَتْ تَحْتَها، أوْ تَكُونُ مُسامِتَةً ولَكِنْ تَكُونُ غَيْرَ مُلاصِقَةٍ بَلْ تَكُونُ أسْفَلَ في وهْدَةٍ لا تُؤْلِمُ، وأمّا الماءُ إذا كانَ تَحْتَ الغُرْفَةِ في أيِّ وجْهٍ كانَ وعَلى أيِّ بُعْدٍ كانَ يَكُونُ مُلْتَذًّا بِهِ، فَقالَ في النّارِ مِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ لِيَحْصُلَ الألَمُ بِها، وقالَ هَهُنا مِن تَحْتِ الغُرَفِ لِحُصُولِ اللَّذَّةِ بِهِ كَيْفَ كانَ، ومِنها أنَّ هُناكَ قالَ ذُوقُوا لِإيلامِ قُلُوبِهِمْ بِلَفْظِ الأمْرِ، وقالَ هَهُنا ﴿نِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾ لِتَفْرِيحِ قُلُوبِهِمْ لا بِصِيغَةِ الأمْرِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ لَفْظَ الأمْرِ يَدُلُّ عَلى انْقِطاعِ التَّعَلُّقِ بَعْدَهُ، فَإنَّ مَن قالَ لِأجِيرِهِ خُذْ أُجْرَتَكَ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ بِذَلِكَ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ، وأمّا (p-٧٦)إذا قالَ: ما أتَمَّ أُجْرَتَكَ عِنْدِي أوْ نِعْمَ مالُكَ مِنَ الأجْرِ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ، ولَمْ يَقُلْ هَهُنا خُذُوا أُجْرَتَكم أيُّها العامِلُونَ وقالَ هُناكَ: ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ٥٥] فَإنْ قالَ قائِلٌ ذُوقُوا إذا كانَ يُفْهَمُ مِنهُ الِانْقِطاعُ فَعَذابُ الكافِرِ يَنْقَطِعُ، قُلْنا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ اللَّهَ إذا قالَ ذُوقُوا دَلَّ عَلى أنَّهُ أعْطاهم جَزاءَهم وانْقَطَعَ ما بَيْنَهُ وبَيْنَهم، لَكِنْ يَبْقى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ دائِمًا ولا يَنْقُصُ ولا يَزْدادُ، وأمّا المُؤْمِنُ إذا أعْطاهُ شَيْئًا فَلا يَتْرُكُهُ مَعَ ما أعْطاهُ بَلْ يَزِيدُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ في النِّعَمِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] أيِ الَّذِي يَصِلُ إلى الكافِرِ يَدُومُ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ، والَّذِي يَصِلُ إلى المُؤْمِنِ يَزْدادُ عَلى الدَّوامِ، وأمّا الخُلُودُ وإنْ لَمْ يَذْكُرْهُ في حَقِّ الكافِرِ لَكِنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِهِ مِنَ النُّصُوصِ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفࣰا تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق