الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾
لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ أهْلَكَ مَن أشْرَكَ عاجِلًا وعَذَّبَ مَن كَذَّبَ آجِلًا، ولَمْ يَنْفَعْهُ في الدّارَيْنِ مَعْبُودُهُ ولَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ عَنْهُ رُكُوعُهُ وسُجُودُهُ، مَثَّلَ اتِّخاذَهُ ذَلِكَ مَعْبُودًا بِاتِّخاذِ العَنْكَبُوتِ بَيْتًا لا يُجِيرُ آوِيًا ولا يُرِيحُ ثاوِيًا، وفي الآيَةِ لَطائِفُ نَذْكُرُها في مَسائِلَ:
المَسْألَةُ الأُولى: ما الحِكْمَةُ في اخْتِيارِ هَذا المَثَلِ مِن بَيْنِ سائِرِ الأمْثالِ ؟ فَنَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ البَيْتَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ لَهُ أُمُورٌ: حائِطٌ حائِلٌ، وسَقْفٌ مُظِلٌّ، وبابٌ يُغْلَقُ، وأُمُورٌ يُنْتَفَعُ بِها ويُرْتَفَقُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلا بُدَّ مِن أحَدِ أمْرَيْنِ.
إمّا حائِطٌ حائِلٌ يَمْنَعُ مِنَ البَرْدِ وإمّا سَقْفٌ مُظِلٌّ يَدْفَعُ عَنْهُ الحَرَّ، فَإنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنهُما شَيْءٌ فَهو كالبَيْداءِ لَيْسَ بِبَيْتٍ لَكِنَّ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ لا يُجِنُّها ولا يُكِنُّها وكَذَلِكَ المَعْبُودُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مِنهُ الخَلْقُ والرِّزْقُ وجَرُّ المَنافِعِ وبِهِ دَفْعُ المَضارِّ، فَإنْ لَمْ تَجْتَمِعْ هَذِهِ الأُمُورُ فَلا أقَلَّ مِن دَفْعِ ضُرٍّ أوْ جَرِّ نَفْعٍ، فَإنَّ مَن لا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهو والمَعْدُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَواءٌ، فَإذَنْ كَما لَمْ يَحْصُلْ لِلْعَنْكَبُوتِ بِاتِّخاذِ ذَلِكَ البَيْتِ مِن مَعانِي البَيْتِ شَيْءٌ، كَذَلِكَ الكافِرُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِاتِّخاذِ الأوْثانِ أوْلِياءَ مِن مَعانِي الأوْلِياءِ شَيْءٌ.
الثّانِي: هو أنَّ أقَلَّ دَرَجاتِ البَيْتِ أنْ يَكُونَ لِلظِّلِّ فَإنَّ البَيْتَ مِنَ الحَجَرِ يُفِيدُ الِاسْتِظْلالَ ويَدْفَعُ أيْضًا الهَواءَ والماءَ والنّارَ والتُّرابَ، والبَيْتُ مِنَ الخَشَبِ يُفِيدُ الِاسْتِظْلالَ ويَدْفَعُ الحَرَّ والبَرْدَ ولا يَدْفَعُ الهَواءَ القَوِيَّ ولا الماءَ ولا النّارَ، والخِباءُ الَّذِي هو بَيْتٌ مِنَ الشَّعْرِ، أوِ الخَيْمَةُ الَّتِي هي مِن ثَوْبٍ إنْ كانَ لا يَدْفَعُ شَيْئًا يُظِلُّ ويَدْفَعُ حَرَّ الشَّمْسِ، لَكِنَّ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ لا يُظِلُّ فَإنَّ الشَّمْسَ بِشُعاعِها تَنْفُذُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ المَعْبُودُ أعْلى دَرَجاتِهِ أنْ يَكُونَ نافِذَ الأمْرِ في الغَيْرِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَكُونُ نافِذَ الأمْرِ في العابِدِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ فَلا أقَلَّ مِن أنْ لا يَنْفُذَ أمْرُ العابِدِ فِيهِ لَكِنَّ مَعْبُودَهم تَحْتَ تَسْخِيرِهِمْ إنْ أرادُوا أجَلُّوهُ وإنْ أحَبُّوا أذَلُّوهُ.
الثّالِثُ: أدْنى مَراتِبِ البَيْتِ أنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ ثَباتٍ وارْتِفاقٍ لا يَصِيرُ سَبَبَ شَتاتٍ وافْتِراقٍ، لَكِنَّ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ يَصِيرُ سَبَبَ انْزِعاجِ العَنْكَبُوتِ، فَإنَّ العَنْكَبُوتَ لَوْ دامَ في زاوِيَةٍ مُدَّةً لا يَقْصِدُ ولا يَخْرُجُ مِنها، فَإذا نَسَجَ عَلى نَفْسِهِ واتَّخَذَ بَيْتًا يَتْبَعُهُ صاحِبُ المِلْكِ بِتَنْظِيفِ البَيْتِ مِنهُ والمَسْحِ بِالمُسُوحِ الخَشِنَةِ المُؤْذِيَةِ لِجِسْمِ العَنْكَبُوتِ، فَكَذَلِكَ العابِدُ بِسَبَبِ العِبادَةِ يَنْبَغِي أنْ يَسْتَحِقَّ الثَّوابَ، فَإنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ لا يَسْتَحِقَّ بِسَبَبِها العَذابَ، والكافِرُ يَسْتَحِقُّ بِسَبَبِ العِبادَةِ العَذابَ.
(p-٦١)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مَثَّلَ اللَّهُ اتِّخاذَهُمُ الأوْثانَ أوْلِياءَ بِاتِّخاذِ العَنْكَبُوتِ نَسْجَهُ بَيْتًا ولَمْ يُمَثِّلْهُ بِنَسْجِهِ وذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ نَسْجَهُ فِيهِ فائِدَةٌ لَهُ لَوْلاهُ لَما حَصَلَ وهو اصْطِيادُها الذُّبابَ بِهِ مِن غَيْرِ أنْ يَفُوتَهُ ما هو أعْظَمُ مِنهُ، واتِّخاذُهُمُ الأوْثانَ وإنْ كانَ يُفِيدُهم ما هو أقَلُّ مِنَ الذُّبابِ مِن مَتاعِ الدُّنْيا، لَكِنْ يَفُوتُهم ما هو أعْظَمُ مِنها وهو الدّارُ الآخِرَةُ الَّتِي هي خَيْرٌ وأبْقى فَلَيْسَ اتِّخاذُهم كَنَسْجِ العَنْكَبُوتِ.
الوَجْهُ الثّانِي: هو أنَّ نَسْجَهُ مُفِيدٌ لَكِنَّ اتِّخاذَها ذَلِكَ بَيْتًا أمْرٌ باطِلٌ فَكَذَلِكَ هم لَوِ اتَّخَذُوا الأوْثانَ دَلائِلَ عَلى وُجُودِ اللَّهِ وصِفاتِ كَمالِهِ، وبَراهِينَ عَلى نُعُوتِ إكْرامِهِ وأوْصافِ جَلالِهِ لَكانَ حِكْمَةً، لَكِنَّهُمُ اتَّخَذُوها أوْلِياءَ كَجَعْلِ العَنْكَبُوتِ النَّسْجَ بَيْتًا وكِلاهُما باطِلٌ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: كَما أنَّ هَذا المَثَلَ صُحِّحَ في الأوَّلِ فَهو صَحِيحٌ في الآخِرِ، فَإنَّ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ إذا هَبَّتْ رِيحٌ لا يُرى مِنهُ عَيْنٌ ولا أثَرٌ بَلْ يَصِيرُ هَباءً مَنثُورًا، فَكَذَلِكَ أعْمالُهم لِلْأوْثانِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ (الفُرْقانِ: ٢٣ ) .
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: (آلِهَةً) إشارَةً إلى إبْطالِ الشِّرْكِ الخَفِيِّ أيْضًا، فَإنَّ مَن عَبَدَ اللَّهَ رِياءً لِغَيْرِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ ولِيًّا غَيْرَهُ فَمَثَلُهُ مَثَلُ العَنْكَبُوتِ يَتَّخِذُ نَسْجَهُ بَيْتًا.
{"ayah":"مَثَلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِیَاۤءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَیۡتࣰاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











