الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى قالُوا إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ ﴿قالَ إنَّ فِيها لُوطًا قالُوا نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾
لَمّا دَعا لُوطٌ عَلى قَوْمِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي﴾ اسْتَجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ، وأمَرَ مَلائِكَتَهُ بِإهْلاكِهِمْ وأرْسَلَهم مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ، فَجاءُوا إبْراهِيمَ وبَشَّرُوهُ بِذُرِّيَّةٍ طَيِّبَةٍ وقالُوا: ﴿إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ﴾ يَعْنِي أهْلَ سَدُومَ، وفي الآيَةِ لَطِيفَتانِ:
إحْداهُما: أنَّ اللَّهَ جَعَلَهم مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ،لَكِنَّ البِشارَةَ أثَرُ الرَّحْمَةِ، والإنْذارَ بِالإهْلاكِ أثَرُ الغَضَبِ، ورَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، فَقَدَّمَ البِشارَةَ عَلى الإنْذارِ.
وقالَ: ﴿جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿إنّا مُهْلِكُو﴾ .
الثّانِيَةُ: حِينَ ذَكَرُوا البُشْرى ما عَلَّلُوا وقالُوا: إنّا نُبَشِّرُكَ لِأنَّكَ رَسُولٌ، أوْ لِأنَّكَ مُؤْمِنٌ أوْ لِأنَّكَ عادِلٌ، وحِينَ ذَكَرُوا الإهْلاكَ عَلَّلُوا، وقالُوا: ﴿إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ لِأنَّ ذا الفَضْلِ لا يَكُونُ فَضْلُهُ بِعِوَضٍ، والعادِلُ لا يَكُونُ عَذابُهُ إلّا عَلى جُرْمٍ، وفِيهِ مَسْألَتانِ:
إحْداهُما: لَوْ قالَ قائِلٌ أيُّ تَعَلُّقٍ لِهَذِهِ البُشْرى بِهَذا الإنْذارِ، نَقُولُ لَمّا أرادَ اللَّهُ إهْلاكَ قَوْمٍ وكانَ فِيهِ إخْلاءُ الأرْضِ عَنِ العِبادِ قَدَّمَ عَلى ذَلِكَ إعْلامَ إبْراهِيمَ بِأنَّهُ تَعالى يَمْلَأُ الأرْضَ مِنَ العِبادِ الصّالِحِينَ حَتّى لا يَتَأسَّفَ عَلى إهْلاكِ قَوْمٍ مِن أبْناءِ جِنْسِهِ.
والثّانِيَةُ: قالَ في قَوْمِ نُوحٍ ﴿فَأخَذَهُمُ الطُّوفانُ﴾ وقَدْ قُلْتُ إنَّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهم كانُوا عَلى ظُلْمِهِمْ حِينَ أخَذَهم، ولَمْ يَقُلْ فَأخَذَهم وكانُوا ظالِمِينَ، وهَهُنا قالَ: ﴿إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ ولَمْ يَقُلْ وإنَّهم ظالِمُونَ، فَنَقُولُ: لا فَرْقَ في المَوْضِعَيْنِ في كَوْنِهِمْ مُهْلَكِينَ وهم مُصِرُّونَ عَلى الظُّلْمِ، لَكِنْ هُناكَ الإخْبارُ مِنَ اللَّهِ وعَنِ الماضِي حَيْثُ قالَ: ﴿فَأخَذَهُمُ﴾ وكانُوا ظالِمِينَ، فَقالَ أخَذَهم وهم عِنْدَ الوُقُوعِ في العَذابِ ظالِمُونَ، وهَهُنا الإخْبارُ مِنَ المَلائِكَةِ، وعَنِ المُسْتَقْبَلِ حَيْثُ قالُوا: ﴿إنّا مُهْلِكُو﴾ فالمَلائِكَةُ ذَكَرُوا ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ في إبانَةِ حُسْنِ الأمْرِ مِنَ اللَّهِ بِالإهْلاكِ، فَقالُوا: إنّا مُهْلِكُوهم لِأنَّ اللَّهَ أمَرَنا، وحالَ ما أمَرَنا بِهِ كانُوا ظالِمِينَ، فَحَسُنَ أمْرُ اللَّهِ عِنْدَ كُلِّ أحَدٍ، وأمّا نَحْنُ فَلا نُخْبِرُ بِما لا حاجَةَ لَنا إلَيْهِ، فَإنَّ الكَلامَ عَنِ المَلِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سُوءُ أدَبٍ، فَنَحْنُ ما احْتَجْنا إلّا إلى هَذا القَدْرِ، وهو أنَّهم كانُوا ظالِمِينَ حَيْثُ أمَرَنا اللَّهُ بِإهْلاكِهِمْ بَيانًا لِحُسْنِ الأمْرِ، وأمّا (p-٥٤)أنَّهم ظالِمُونَ في وقْتِنا هَذا أوْ يَبْقَوْنَ كَذَلِكَ فَلا حاجَةَ لَنا إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ إبْراهِيمَ لَمّا سَمِعَ قَوْلَهم قالَ لَهم: إنَّ فِيها لُوطًا إشْفاقًا عَلَيْهِ لِيُعْلَمَ حالُهُ، أوْ لِأنَّ المَلائِكَةَ لَمّا قالُوا: ﴿إنّا مُهْلِكُو﴾ وكانَ إبْراهِيمُ يَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ لا يُهْلِكُ قَوْمًا وفِيهِمْ رَسُولُهُ، فَقالَ تَعَجُّبًا: إنَّ فِيهِمْ لُوطًا فَكَيْفَ يُهْلَكُونَ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها، يَعْنِي نَعْلَمُ أنَّ فِيهِمْ لُوطًا فَلَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ ونُهْلِكُ الباقِينَ، وهَهُنا لَطِيفَةٌ: وهو أنَّ الجَماعَةَ كانُوا أهْلَ الخَيْرِ، أعْنِي إبْراهِيمَ والمَلائِكَةَ، وكُلُّ واحِدٍ كانَ يَزِيدُ عَلى صاحِبِهِ في كَوْنِهِ خَيْرًا.
أمّا إبْراهِيمُ فَلَمّا سَمِعَ قَوْلَ المَلائِكَةِ ﴿إنّا مُهْلِكُو﴾ أظْهَرَ الإشْفاقَ عَلى لُوطٍ ونَسِيَ نَفْسَهُ وما بَشَّرُوهُ ولَمْ يُظْهِرْ بِها فَرَحًا، وقالَ: ﴿إنَّ فِيها لُوطًا﴾ ثُمَّ إنَّ المَلائِكَةَ لَمّا رَأوْا ذَلِكَ مِنهُ زادُوا عَلَيْهِ، وقالُوا إنَّكَ ذَكَرْتَ لُوطًا وحْدَهُ ونَحْنُ نُنْجِيهِ ونُنْجِي مَعَهُ أهْلَهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَوْا مِنَ الأهْلِ امْرَأتَهُ، وقالُوا: ﴿إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ أيْ مِنَ المُهْلَكِينَ، وفي اسْتِعْمالِ الغابِرِ في المُهْلَكِ وجْهانِ: وذَلِكَ لِأنَّ الغابِرَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ في الماضِي وفي الباقِي، يُقالُ فِيما غَبَرَ مِنَ الزَّمانِ أيْ فِيما مَضى ويُقالُ: الفِعْلُ ماضٍ وغابِرٌ أيْ: باقٍ، وعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ نَقُولُ إنَّ ذِكْرَ الظّالِمِينَ سَبَقَ في قَوْلِهِمْ: ﴿إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ ثُمَّ جَرى ذِكْرُ لُوطٍ بِتَذْكِيرِ إبْراهِيمَ وجَوابِ المَلائِكَةِ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ إنَّها مِنَ الغابِرِينَ أيِ الماضِي ذِكْرُهم لا مِنَ الَّذِينَ نُنْجِي مِنهم، أوْ نَقُولُ المُهْلَكُ يَفْنى ويَمْضِي زَمانُهُ والنّاجِي هو الباقِي فَقالُوا إنَّها مِنَ الغابِرِينَ أيْ مِنَ الرّائِحِينَ الماضِينَ لا مِنَ الباقِينَ المُسْتَمِرِّينَ، وأمّا عَلى الوَجْهِ الثّانِي فَنَقُولُ: لَمّا قَضى اللَّهُ عَلى القَوْمِ بِالإهْلاكِ كانَ الكُلُّ في الهَلاكِ إلّا مَن نُنْجِي مِنهُ فَقالُوا إنّا نُنْجِي لُوطًا وأهْلَهُ، وأمّا امْرَأتُهُ فَهي مِنَ الباقِينَ في الهَلاكِ.
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوۤا۟ إِنَّا مُهۡلِكُوۤا۟ أَهۡلِ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ","قَالَ إِنَّ فِیهَا لُوطࣰاۚ قَالُوا۟ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِیهَاۖ لَنُنَجِّیَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ"],"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوۤا۟ إِنَّا مُهۡلِكُوۤا۟ أَهۡلِ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق