الباحث القرآني
(p-٣٩)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإبْراهِيمَ إذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ .
لَمّا فَرَغَ مِنَ الإشارَةِ إلى حِكايَةِ نُوحٍ ذَكَرَ حِكايَةَ إبْراهِيمَ وفي إبْراهِيمَ وجْهانِ مِنَ القِراءَةِ:
أحَدُهُما: النَّصْبُ وهو المَشْهُورُ.
والثّانِي: الرَّفْعُ عَلى مَعْنى: ومِنَ المُرْسَلِينَ إبْراهِيمُ.
والأوَّلُ: فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وهو مَعْنى: ذَكَرَ إبْراهِيمَ.
والثّانِي: أنَّهُ مَنصُوبٌ بِمَذْكُورٍ وهو قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا﴾ فَيَكُونُ كَأنَّهُ قالَ وأرْسَلْنا إبْراهِيمَ، وعَلى هَذا فَفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿إذْ قالَ لِقَوْمِهِ﴾ ظَرْفُ أرْسَلْنا أيْ أرْسَلْنا إبْراهِيمَ إذْ قالَ لِقَوْمِهِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ دَعْوَةٌ، والإرْسالُ يَكُونُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَكَيْفَ يُفْهَمُ قَوْلُهُ وأرْسَلْنا إبْراهِيمَ حِينَ قالَ لِقَوْمِهِ مَعَ أنَّهُ يَكُونُ مُرْسَلًا قَبْلَهُ ؟ نَقُولُ: الجَوابَ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ الإرْسالَ أمْرٌ يَمْتَدُّ، فَهو حالَ قَوْلِهِ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ كانَ مُرْسَلًا، وهَذا كَما يَقُولُ القائِلُ: وقَفْنا لِلْأمِيرِ إذْ خَرَجَ مِنَ الدّارِ، وقَدْ يَكُونُ الوُقُوفُ قَبْلَ الخُرُوجِ، لَكِنْ لَمّا كانَ الوُقُوفُ مُمْتَدًّا إلى ذَلِكَ الوَقْتِ صَحَّ ذَلِكَ.
الوَجْهُ الثّانِي: هو أنَّ إبْراهِيمَ بِمُجَرَّدِ هِدايَةِ اللَّهِ إيّاهُ كانَ يَعْلَمُ فَسادَ قَوْلُ المُشْرِكِينَ، وكانَ يَهْدِيهِمْ إلى الرَّشادِ قَبْلَ الإرْسالِ، ولَمّا كانَ هو مُشْتَغِلًا بِالدُّعاءِ إلى الإسْلامِ أرْسَلَهُ اللَّهُ تَعالى، وقَوْلُهُ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ﴾ إشارَةٌ إلى التَّوْحِيدِ؛ لِأنَّ التَّوْحِيدَ إثْباتُ الإلَهِ، ونَفْيُ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إشارَةٌ إلى الإثْباتِ، وقَوْلُهُ: ﴿واتَّقُوهُ﴾ إشارَةٌ إلى نَفْيِ الغَيْرِ؛ لِأنَّ مَن يُشْرِكُ مَعَ المَلِكِ غَيْرَهُ في مُلْكِهِ يَكُونُ قَدْ أتى بِأعْظَمِ الجَرائِمِ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إشارَةٌ إلى الإتْيانِ بِالواجِباتِ، وقَوْلُهُ: ﴿واتَّقُوهُ﴾ إشارَةٌ إلى الِامْتِناعِ عَنِ المُحَرَّماتِ ويَدْخُلُ في الأوَّلِ الِاعْتِرافُ بِاللَّهِ، وفي الثّانِي الِامْتِناعُ مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي: عِبادَةُ اللَّهِ وتَقْواهُ خَيْرٌ، والأمْرُ كَذَلِكَ لِأنَّ خِلافَ عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى تَعْطِيلٌ، وخِلافَ تَقْواهُ تَشْرِيكٌ، وكِلاهُما شَرٌّ عَقْلًا واعْتِبارًا، أمّا عَقْلًا فَلِأنَّ المُمْكِنَ لا بُدَّ لَهُ مِن مُؤَثِّرٍ لا يَكُونُ مُمْكِنًا قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، وهو واجِبُ الوُجُودِ فَلا تَعْطِيلَ إذْ لَنا إلَهٌ، وأمّا التَّشْرِيكُ فَبُطْلانُهُ عَقْلًا وكَوْنُ خِلافِهِ خَيْرًا وهو أنَّ شَرِيكَ الواجِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ واجِبًا فَكَيْفَ يَكُونُ شَرِيكًا، وإنْ كانَ واجِبًا لَزِمَ وُجُودُ واجِبَيْنِ فَيَشْتَرِكانِ في الوُجُوبِ ويَتَبايَنانِ في الإلَهِيَّةِ، وما بِهِ الِاشْتِراكُ غَيْرُ ما بِهِ الِامْتِيازُ فَيَلْزَمُ التَّرْكِيبُ فِيهِما فَلا يَكُونانِ واجِبَيْنِ لِكَوْنِهِما مُرَكَّبَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّعْطِيلُ، وإمّا اعْتِبارًا فَلِأنَّ الشَّرَفَ لَنْ يَكُونَ مَلَكًا أوْ قَرِيبَ مَلَكٍ، لَكِنَّ الإنْسانَ لا يَكُونُ مَلَكًا لِلسَّمَواتِ والأرْضِينَ فَأعْلى دَرَجاتِهِ أنْ يَكُونَ قَرِيبَ المَلَكِ لَكِنَّ القُرْبَةَ بِالعِبادَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ (العَلَقِ: ١٩ ) وقالَ: ”«لَنْ يَتَقَرَّبَ المُتَقَرِّبُونَ إلَيَّ بِمِثْلِ أداءِ ما افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ» “ وقالَ: ”«لا يَزالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِالعِبادَةِ إلَيَّ» “ فالمُعَطِّلُ لا مَلَكٌ ولا قَرِيبُ مَلَكٍ لِعَدَمِ اعْتِقادِهِ بِمِلْكٍ فَلا مَرْتَبَةَ لَهُ أصْلًا، وأمّا التَّشْرِيكُ فَلِأنَّ مَن يَكُونُ سَيِّدُهُ لا نَظِيرَ لَهُ يَكُونُ أعْلى رُتْبَةً مِمَّنْ يَكُونُ سَيِّدُهُ لَهُ شُرَكاءُ خَسِيسَةُ، فَإذَنْ مَن يَقُولُ إنَّ رَبِّي لا يُماثِلُهُ شَيْءٌ أعْلى مَرْتَبَةً مِمَّنْ يَقُولُ سَيِّدِي صَنَمٌ مَنحُوتٌ عاجِزٌ مِثْلُهُ، فَثَبَتَ أنَّ عِبادَةَ اللَّهِ وتَقْواهُ خَيْرٌ وهو خَيْرٌ لَكم أيْ خَيْرٌ لِلنّاسِ إنْ كانُوا يَعْلَمُونَ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الدَّلائِلِ والِاعْتِباراتِ.
{"ayah":"وَإِبۡرَ ٰهِیمَ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُۖ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق