الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ولْنَحْمِلْ خَطاياكم وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى الفِرَقَ الثَّلاثَةَ وأحْوالَهم، وذَكَرَ أنَّ الكافِرَ يَدْعُو مَن يَقُولُ آمَنتُ إلى الكُفْرِ بِالفِتْنَةِ، وبَيَّنَ أنَّ عَذابَ اللَّهِ فَوْقَها، وكانَ الكافِرُ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِ تَصْبِرُ في الذُّلِّ وعَلى الإيذاءِ لِأيِّ شَيْءٍ ولِمَ لا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِكَ الذُّلَّ والعَذابَ بِمُوافَقَتِنا ؟ فَكانَ جَوابُ المُؤْمِنِ أنْ يَقُولَ: خَوْفًا مِن عَذابِ اللَّهِ عَلى خَطِيئَةِ مَذْهَبِكم، فَقالُوا لا خَطِيئَةَ فِيهِ، وإنْ كانَ فِيهِ خَطِيئَةٌ فَعَلَيْنا، وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: (ولْنَحْمِلْ) صِيغَةُ أمْرٍ، والمَأْمُورُ غَيْرُ الأمْرِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أمْرُ النَّفْسِ مِنَ الشَّخْصِ ؟ فَنَقُولُ الصِّيغَةُ أمْرٌ، والمَعْنى شَرْطٌ وجَزاءٌ، أيْ إنِ اتَّبَعْتُمُونا حَمَلْنا خَطاياكم، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: هو في مَعْنى قَوْلِ مَن يُرِيدُ اجْتِماعَ أمْرَيْنِ في الوُجُودِ، فَيَقُولُ لِيَكُنْ مِنكَ العَطاءُ ولْيَكُنْ مِنِّي الدُّعاءُ، فَقَوْلُهُ: (ولْنَحْمِلْ)، أيْ لِيَكُنْ مِنّا الحَمْلُ، ولَيْسَ هو في الحَقِيقَةِ أمْرُ طَلَبٍ وإيجابٍ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ: ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهُمْ﴾ وقالَ بَعْدَ هَذا: ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ (p-٣٧)فَهُناكَ نَفى الحَمْلَ، وهَهُنا أثْبَتَ الحَمْلَ، فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ فَنَقُولُ: قَوْلُ القائِلِ: فُلانٌ حَمَلَ عَنْ فُلانٍ يُفِيدُ أنَّ حِمْلَ فُلانٍ خَفَّ، وإذا لَمْ يَخِفَّ حِمْلُهُ فَلا يَكُونُ قَدْ حَمَلَ مِنهُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ هَهُنا ما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم يَعْنِي لا يَرْفَعُونَ عَنْهم خَطِيئَةً، وهم يَحْمِلُونَ أوْزارًا بِسَبَبِ إضْلالِهِمْ ويَحْمِلُونَ أوْزارًا بِسَبَبِ ضَلالَتِهِمْ، كَما قالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«مَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها مِن غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِن وِزْرِهِ شَيْءٌ» “ . المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الصِّيغَةُ أمْرٌ، والأمْرُ لا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ والتَّكْذِيبُ، فَكَيْفَ يُفْهَمُ قَوْلُهُ: ﴿إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ نَقُولُ: قَدْ تَبَيَّنَ أنَّ مَعْناهُ شَرْطٌ وجَزاءٌ، فَكَأنَّهم قالُوا: إنْ تَتَّبِعُونا نَحْمِلْ خَطاياكم، وهم كَذَبُوا في هَذا فَإنَّهم لا يَحْمِلُونَ شَيْئًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب