الباحث القرآني

(p-٢٣)(سُورَةُ العَنْكَبُوتِ) مَكِّيَّةٌ، وقِيلَ مَدَنِيَّةٌ، وقِيلَ نَزَلَتْ مِن أوَّلِها إلى رَأْسِ عَشْرٍ بِمَكَّةَ وباقِيها بِالمَدِينَةِ أوْ نَزَلَ إلى آخِرِ العَشْرِ بِالمَدِينَةِ وباقِيها بِمَكَّةَ وبِالعَكْسِ، وهي سَبْعُونَ أوْ تِسْعٌ وسِتُّونَ آيَةً ﷽ ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ ﷽ ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ المَسْألَةُ الأُولى: في تَعَلُّقِ أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِما قَبْلَها وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: لَمّا قالَ اللَّهُ تَعالى قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ وكانَ المُرادُ مِنهُ أنْ يَرُدَّهُ إلى مَكَّةَ ظاهِرًا غالِبًا عَلى الكُفّارِ ظافِرًا طالِبًا لِلثَّأْرِ، وكانَ فِيهِ احْتِمالُ مَشاقِّ القِتالِ صَعُبَ عَلى البَعْضِ ذَلِكَ فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا﴾ ولا يُؤْمَرُوا بِالجِهادِ. الوَجْهُ الثّانِي: هو أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ في أواخِرِ السُّورَةِ المُتَقَدِّمَةِ ﴿وادْعُ إلى رَبِّكَ﴾ وكانَ في الدُّعاءِ إلَيْهِ الطِّعانُ والحِرابُ والضِّرابُ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وأصْحابَهُ كانُوا مَأْمُورِينَ بِالجِهادِ إنْ لَمْ يُؤْمِنِ الكُفّارُ بِمُجَرَّدِ الدُّعاءِ فَشَقَّ عَلى البَعْضِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا﴾ . الوَجْهُ الثّالِثُ: هو أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ في آخِرِ السُّورَةِ المُتَقَدِّمَةِ ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ﴾ ذَكَرَ بَعْدَهُ ما يُبْطِلُ قَوْلَ المُنْكِرِينَ لِلْحَشْرِ فَقالَ: ﴿لَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يَعْنِي لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكًا مِن غَيْرِ رُجُوعٍ بَلْ كُلُّ هالِكٍ ولَهُ رُجُوعٌ إلى اللَّهِ. إذا تَبَيَّنَ هَذا، فاعْلَمْ أنَّ مُنْكِرِي الحَشْرِ يَقُولُونَ: لا فائِدَةَ في التَّكالِيفِ فَإنَّها مَشاقُّ في الحالِ ولا فائِدَةَ لَها في المَآلِ؛ إذْ لا مَآلَ ولا مَرْجِعَ بَعْدَ الهَلاكِ والزَّوالِ، فَلا فائِدَةَ فِيها. فَلَمّا بَيَّنَ اللَّهُ أنَّهم إلَيْهِ يُرْجَعُونَ بَيَّنَ أنَّ الأمْرَ لَيْسَ عَلى ما حَسِبُوهُ، بَلْ حَسُنَ التَّكْلِيفُ لِيُثِيبَ الشَّكُورَ ويُعَذِّبَ الكَفُورَ، فَقالَ: ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا﴾ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ مِن غَيْرِ عَمَلٍ يَرْجِعُونَ بِهِ إلى رَبِّهِمْ. (p-٢٤)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في حِكْمَةِ افْتِتاحِ هَذِهِ السُّورَةِ بِحُرُوفٍ مِنَ التَّهَجِّي، ولْنُقَدِّمْ عَلَيْهِ كَلامًا كُلِّيًّا في افْتِتاحِ السُّوَرِ بِالحُرُوفِ فَنَقُولُ: الحَكِيمُ إذا خاطَبَ مَن يَكُونُ مَحَلَّ الغَفْلَةِ أوْ مَن يَكُونُ مَشْغُولَ البالِ بِشُغْلٍ مِنَ الأشْغالِ يُقَدِّمُ عَلى الكَلامِ المَقْصُودِ شَيْئًا غَيْرَهُ لِيَلْتَفِتَ المُخاطَبُ بِسَبَبِهِ إلَيْهِ ويُقْبِلَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَشْرَعُ في المَقْصُودِ. إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: ذَلِكَ المُقَدَّمُ عَلى المَقْصُودِ قَدْ يَكُونُ كَلامًا لَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ، كَقَوْلِ القائِلِ اسْمَعْ، واجْعَلْ بالَكَ إلَيَّ، وكُنْ لِي، وقَدْ يَكُونُ شَيْئًا هو في مَعْنى الكَلامِ المَفْهُومِ كَقَوْلِ القائِلِ: أزَيْدُ ويا زَيْدُ ألا يا زَيْدُ، وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ المُقَدَّمُ عَلى المَقْصُودِ صَوْتًا غَيْرَ مَفْهُومٍ كَمَن يُصَفِّرُ خَلْفَ إنْسانٍ لِيَلْتَفِتَ إلَيْهِ، وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصَّوْتُ بِغَيْرِ الفَمِ كَما يُصَفِّقُ الإنْسانُ بِيَدَيْهِ لِيُقْبِلَ السّامِعُ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ مَوْقِعَ الغَفْلَةِ كُلَّما كانَ أتَمَّ والكَلامَ المَقْصُودَ كانَ أهَمَّ، كانَ المُقَدَّمُ عَلى المَقْصُودِ أكْثَرَ. ولِهَذا يُنادى القَرِيبُ بِالهَمْزَةِ فَيُقالُ أزَيْدُ، والبَعِيدُ بِيا فَيُقالُ: يا زَيْدُ، والغافِلُ يُنَبَّهُ أوَّلًا فَيُقالُ: ألا يا زَيْدُ. إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ -ﷺ- وإنْ كانَ يَقْظانَ الجَنانِ لَكِنَّهُ إنْسانٌ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، فَكانَ يَحْسُنُ مِنَ الحَكِيمِ أنْ يُقَدِّمَ عَلى الكَلامِ المَقْصُودِ حُرُوفًا هي كالمُنَبِّهاتِ، ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الحُرُوفَ إذا لَمْ تَكُنْ بِحَيْثُ يُفْهَمُ مَعْناها تَكُونُ أتَمَّ في إفادَةِ المَقْصُودِ الَّذِي هو التَّنْبِيهُ مِن تَقْدِيمِ الحُرُوفِ الَّتِي لَها مَعْنًى؛ لِأنَّ تَقْدِيمَ الحُرُوفِ إذا كانَ لِإقْبالِ السّامِعِ عَلى المُتَكَلِّمِ لِسَماعِ ما بَعْدَ ذَلِكَ فَإذا كانَ ذَلِكَ المُقَدَّمُ كَلامًا مَنظُومًا وقَوْلًا مَفْهُومًا فَإذا سَمِعَهُ السّامِعُ رُبَّما يَظُنُّ أنَّهُ كُلُّ المَقْصُودِ ولا كَلامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الِالتِفاتَ عَنْهُ. أمّا إذا سَمِعَ مِنهُ صَوْتًا بِلا مَعْنًى يُقْبِلُ عَلَيْهِ ولا يَقْطَعُ نَظَرَهُ عَنْهُ ما لَمْ يَسْمَعْ غَيْرَهُ لِجَزْمِهِ بِأنَّ ما سَمِعَهُ لَيْسَ هو المَقْصُودَ، فَإذَنْ تَقْدِيمُ الحُرُوفِ الَّتِي لا مَعْنى لَها في الوَضْعِ عَلى الكَلامِ المَقْصُودِ فِيهِ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ، فَإنْ قالَ قائِلٌ فَما الحِكْمَةُ في اخْتِصاصِ بَعْضِ السُّوَرِ بِهَذِهِ الحُرُوفِ ؟ فَنَقُولُ: عَقْلُ البَشَرِ عَنْ إدْراكِ الأشْياءِ الجُزْئِيَّةِ عَلى تَفاصِيلِها عاجِزٌ، واللَّهُ أعْلَمُ بِجَمِيعِ الأشْياءِ، لَكِنْ نَذْكُرُ ما يُوَفِّقُنا اللَّهُ لَهُ فَنَقُولُ: كُلُّ سُورَةٍ في أوائِلَها حُرُوفُ التَّهَجِّي فَإنَّ في أوائِلَها ذِكْرُ الكِتابِ أوِ التَّنْزِيلِ أوِ القُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الم﴾ ﴿ذَلِكَ الكِتابُ﴾ (البَقَرَةِ: ١ ) ﴿الم﴾ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ (آلِ عِمْرانَ: ١)، ﴿المص﴾ ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ (الأعْرافِ: ١)، ﴿يس﴾ ﴿والقُرْآنِ﴾ (يس: ١ )، ﴿ص والقُرْآنِ﴾ (ص: ١)، ﴿ق والقُرْآنِ﴾ (ق: ١ )، ﴿الم﴾ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ﴾ (السَّجْدَةِ: ١)، ﴿حم﴾ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ﴾ (الجاثِيَةِ: ١) إلّا ثَلاثَ سُوَرٍ ﴿كهيعص﴾ (مَرْيَمَ: ١ )، ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ﴾ (العَنْكَبُوتِ: ١)، ﴿الم﴾ ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ (الرُّومِ: ١ ) والحِكْمَةُ في افْتِتاحِ السُّوَرِ الَّتِي فِيها القُرْآنُ أوِ التَّنْزِيلُ أوِ الكِتابُ بِالحُرُوفِ هي أنَّ القُرْآنَ عَظِيمٌ، والإنْزالَ لَهُ ثِقَلٌ، والكِتابَ لَهُ عِبْءٌ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ (المُزَّمِّلِ: ٥) وكُلُّ سُورَةٍ في أوَّلِها ذِكْرُ القُرْآنِ والكِتابِ والتَّنْزِيلِ قُدِّمَ عَلَيْها مُنَبِّهٌ يُوجِبُ ثَباتَ المُخاطَبِ لِاسْتِماعِهِ، لا يُقالُ كُلُّ سُورَةٍ قُرْآنٌ، واسْتِماعُهُ اسْتِماعُ القُرْآنِ، سَواءٌ كانَ فِيها ذِكْرُ القُرْآنِ لَفْظًا أوْ لَمْ يَكُنْ، فَكانَ الواجِبُ أنْ يَكُونَ في أوائِلِ كُلِّ سُورَةٍ مُنَبِّهٌ، وأيْضًا فَقَدْ ورَدَتْ سُورَةٌ فِيها ذِكْرُ الإنْزالِ والكِتابِ ولَمْ يُذْكَرْ قَبْلَها حُرُوفٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الكِتابَ﴾ (الكَهْفِ: ١ ) وقَوْلِهِ: ﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها﴾ (النُّورِ: ١ ) وقَوْلِهِ: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ﴾ (الفَرْقانِ: ١ ) وقَوْلِهِ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ (القَدْرِ: ١ ) لِأنّا نَقُولُ جَوابًا عَنِ الأوَّلِ: لا رَيْبَ في أنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ؛ لَكِنَّ السُّورَةَ الَّتِي فِيها ذِكْرُ القُرْآنِ والكِتابِ مَعَ أنَّها مِنَ القُرْآنِ تُنَبِّهُ عَلى كُلِّ القُرْآنِ؛ فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿طه﴾ ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ﴾ (طه: ١) مَعَ أنَّها بَعْضُ القُرْآنِ فِيها ذِكْرُ جَمِيعِ القُرْآنِ فَيَصِيرُ مِثالُهُ مِثالَ كِتابٍ يَرِدُ مِن مَلِكٍ عَلى مَمْلُوكِهِ فِيهِ شُغْلٌ ما، وكِتابٍ آخَرَ يَرِدُ مِنهُ عَلَيْهِ فِيهِ: إنّا كَتَبْنا إلَيْكَ كِتابًا فِيهِ أوامِرُنا فامْتَثِلْها، لا شَكَّ (p-٢٥)أنَّ عِبْءَ الكِتابِ الآخَرِ أكْثَرُ مِن ثِقَلِ الأوَّلِ وعَنِ الثّانِي أنَّ قَوْلَهُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ و﴿تَبارَكَ الَّذِي﴾ تَسْبِيحاتٌ مَقْصُودَةٌ، وتَسْبِيحُ اللَّهِ لا يَغْفُلُ عَنْهُ العَبْدُ فَلا يَحْتاجُ إلى مُنَبِّهٍ بِخِلافِ الأوامِرِ والنَّواهِي، وأمّا ذِكْرُ الكِتابِ فِيها فَلِبَيانِ وصْفِ عَظَمَةِ مَن لَهُ التَّسْبِيحُ ﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها﴾ قَدْ بَيَّنّا أنَّها مِنَ القُرْآنِ فِيها ذِكْرُ إنْزالِها، وفي السُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْناها ذِكْرُ جَمِيعِ القُرْآنِ فَهو أعْظَمُ في النَّفْسِ وأثْقَلُ. * * * وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ (القَدْرِ: ١) فَنَقُولُ: هَذا لَيْسَ وارِدًا عَلى مَشْغُولِ القَلْبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أنَّهُ ذَكَرَ الكِنايَةَ فِيها، وهي تَرْجِعُ إلى مَذْكُورٍ سابِقٍ أوْ مَعْلُومٍ، وقَوْلُهُ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ الهاءُ راجِعٌ إلى مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -ﷺ- فَكانَ مُتَنَبِّهًا لَهُ فَلَمْ يُنَبَّهْ. واعْلَمْ أنَّ التَّنْبِيهَ قَدْ حَصَلَ في القُرْآنِ بِغَيْرِ الحُرُوفِ الَّتِي لا يُفْهَمُ مَعْناها كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (الحَجِّ: ١ ) وقَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ (الأحْزابِ: ١)، ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾ (التَّحْرِيمِ: ١ ) لِأنَّها أشْياءُ هائِلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإنَّ تَقْوى اللَّهِ حَقَّ تُقاتِهِ أمْرٌ عَظِيمٌ فَقُدِّمَ عَلَيْها النِّداءُ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَعِيدِ الغافِلِ عَنْها تَنْبِيهًا، وأمّا هَذِهِ السُّورَةُ افْتُتِحَتْ بِالحُرُوفِ ولَيْسَ فِيها الِابْتِداءُ بِالكِتابِ والقُرْآنِ، وذَلِكَ لِأنَّ القُرْآنَ ثِقَلُهُ وعِبْئُهُ بِما فِيهِ مِنَ التَّكالِيفِ والمَعانِي، وهَذِهِ السُّورَةُ فِيها ذِكْرُ جَمِيعِ التَّكالِيفِ حَيْثُ قالَ: ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا﴾ يَعْنِي لا يُتْرَكُونَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُونَ بِأنْواعٍ مِنَ التَّكالِيفِ فَوُجِدَ المَعْنى الَّذِي في السُّوَرِ الَّتِي فِيها ذِكْرُ القُرْآنِ المُشْتَمِلِ عَلى الأوامِرِ والنَّواهِي، فَإنْ قِيلَ: مِثْلُ هَذا الكَلامِ وفي مَعْناهُ ورَدَ في سُورَةِ التَّوْبَةِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَكُوا ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكُمْ﴾ (التَّوْبَةِ: ١٦ ) ولَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ حُرُوفُ التَّهَجِّي فَنَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ في غايَةِ الظُّهُورِ، وهو أنَّ هَذا ابْتِداءُ كَلامٍ، ولِهَذا وقَعَ الِاسْتِفْهامُ بِالهَمْزَةِ فَقالَ ﴿أحَسِبَ﴾ وذَلِكَ وسَطُ كَلامٍ بِدَلِيلِ وُقُوعِ الِاسْتِفْهامِ بِأمْ، والتَّنْبِيهُ يَكُونُ في أوَّلِ الكَلامِ لا في أثْنائِهِ، وأمّا ﴿الم﴾ ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ (الرُّومِ: ١ - ٢) فَسَيَجِيءُ في مَوْضِعِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، هَذا تَمامُ الكَلامِ في الحُرُوفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب