الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ ويْكَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ويَقْدِرُ لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ويْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ اعْلَمْ أنَّ القَوْمَ الَّذِينَ شاهَدُوا قارُونَ في زِينَتِهِ لَمّا شاهَدُوا ما نَزَلَ بِهِ مِنَ الخَسْفِ صارَ ذَلِكَ زاجِرًا لَهم عَنْ حُبِّ الدُّنْيا، ومُخالَفَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وداعِيًا إلى الرِّضا بِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى وقِسْمَتِهِ وإلى إظْهارِ الطّاعَةِ والِانْقِيادِ لِأنْبِياءِ اللَّهِ ورُسُلِهِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿ويْكَأنَّ اللَّهَ﴾ فاعْلَمْ أنَّ (ويْ) كَلِمَةٌ مَفْصُولَةٌ عَنْ (كَأنَّ) وهي كَلِمَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ عِنْدَ التَّنَبُّهِ لِلْخَطَأِ وإظْهارِ التَّنَدُّمِ، فَلَمّا قالُوا: ﴿يالَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ﴾ ثُمَّ شاهَدُوا الخَسْفَ تَنَبَّهُوا لِخَطَئِهِمْ فَقالُوا: (ويْ) ثُمَّ قالُوا: كَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ وحِكْمَتِهِ لا لِكَرامَتِهِ عَلَيْهِ، ويُضَيِّقُ عَلى مَن يَشاءُ؛ لا لِهَوانِ مَن يُضَيِّقُ عَلَيْهِ؛ بَلْ لِحِكْمَتِهِ وقَضائِهِ ابْتِلاءً وفِتْنَةً قالَ سِيبَوَيْهِ: سَألْتُ الخَلِيلَ عَنْ هَذا الحَرْفِ فَقالَ: إنَّ (ويْ) مَفْصُولَةٌ مِن (كَأنَّ) وإنَّ القَوْمَ تَنَبَّهُوا وقالُوا مُتَنَدِّمِينَ عَلى ما سَلَفَ مِنهم (ويْ) . وذَكَرَ الفَرّاءُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ المَعْنى ويْلَكَ فَحَذَفَ اللّامَ وإنَّما جازَ هَذا الحَذْفُ لِكَثْرَتِها في الكَلامِ، وجَعَلَ أنَّ مَفْتُوحَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأنَّهُ قالَ: ويْلَكَ اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ، وهَذا قَوْلُ قُطْرُبٍ حَكاهُ عَنْ يُونُسَ. الثّانِي: (ويْ) مُنْفَصِلَةٌ مِن (كَأنَّ) وهو لِلتَّعَجُّبِ يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: ويْ أما تَرى ما بَيْنَ يَدَيْكَ فَقالَ اللَّهُ: (ويْ) ثُمَّ اسْتَأْنَفَ كَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ، فاللَّهُ تَعالى إنَّما ذَكَرَها تَعْجِيبًا لِخَلْقِهِ، قالَ الواحِدِيُّ: وهَذا وجْهٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرَ أنَّ العَرَبَ لَمْ تَكْتُبْها مُنْفَصِلَةً، ولَوْ كانَ عَلى ما قالُوهُ لَكَتَبُوها (p-١٨)مُنْفَصِلَةً، وأجابَ الأوَّلُونَ بِأنَّ خَطَّ المُصْحَفِ لا يُقاسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قالُوا: ﴿لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ويْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ وهَذا تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَهُ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ﴾ فَتَعْظِيمٌ لَها وتَفْخِيمٌ لِشَأْنِها، يَعْنِي: تِلْكَ الَّتِي سَمِعْتَ بِذِكْرِها وبَلَغَكَ وصْفُها، ولَمْ يُعَلَّقِ الوَعْدُ بِتَرْكِ العُلُوِّ والفَسادِ، ولَكِنْ بِتَرْكِ إرادَتِهِما ومَيْلِ القَلْبِ إلَيْهِما، وعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: أنَّ الرَّجُلَ لَيُعْجِبُهُ أنْ يَكُونَ شِراكُ نَعْلِهِ أجْوَدَ مِن شِراكِ نَعْلِ صاحِبِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَها، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ومِنَ الطُّمّاعِ مَن يَجْعَلُ العُلُوَّ لِفِرْعَوْنَ لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ﴾ (القَصَصِ: ٤ ) والفَسادَ لِقارُونَ لِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَبْغِ الفَسادَ في الأرْضِ﴾ ويَقُولُ: مَن لَمْ يَكُنْ مِثْلَ فِرْعَوْنَ وقارُونَ فَلَهُ تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ ولا يَتَدَبَّرُ قَوْلَهُ: ﴿والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ كَما تَدَبَّرَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب