الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أُوتِيتُمْ مِن شَيْءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا وزِينَتُها وما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأبْقى أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿أفَمَن وعَدْناهُ وعْدًا حَسَنًا فَهو لاقِيهِ كَمَن مَتَّعْناهُ مَتاعَ الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هو يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو الجَوابُ الثّالِثُ: عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ؛ لِأنَّ حاصِلَ شُبْهَتِهِمْ أنْ قالُوا: تَرَكْنا الدِّينَ لِئَلّا تَفُوتَنا الدُّنْيا، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ لِأنَّ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأبْقى، أمّا أنَّهُ خَيْرٌ فَلِوَجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ المَنافِعَ هُناكَ أعْظَمُ.
وثانِيهِما: أنَّها خالِصَةٌ عَنِ الشَّوائِبِ، ومَنافِعُ الدُّنْيا مَشُوبَةٌ بِالمَضارِّ بَلِ المَضارُّ فِيها أكْثَرُ، وأمّا أنَّها أبْقى فَلِأنَّها دائِمَةٌ غَيْرُ مُنْقَطِعَةٍ، ومَنافِعُ الدُّنْيا مُنْقَطِعَةٌ ومَتى قُوبِلَ المُتَناهِي بِغَيْرِ المُتَناهِي كانَ عَدَمًا، فَكَيْفَ ونَصِيبُ كَلِّ أحَدٍ بِالقِياسِ إلى مَنافِعِ الدُّنْيا كُلِّها كالذَّرَّةِ بِالقِياسِ إلى البَحْرِ ؟ فَظَهَرَ مِن هَذا أنَّ مَنافِعَ الدُّنْيا لا نِسْبَةَ لَها إلى مَنافِعِ الآخِرَةِ ألْبَتَّةَ، فَكانَ مِنَ الجَهْلِ العَظِيمِ تَرْكُ مَنافِعِ الآخِرَةِ لِاسْتِبْقاءِ مَنافِعِ الدُّنْيا، ولَمّا نَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى ذَلِكَ قالَ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ يَعْنِي أنَّ مَن لا يُرَجِّحُ مَنافِعَ الآخِرَةِ عَلى مَنافِعِ الدُّنْيا كَأنَّهُ يَكُونُ خارِجًا عَنْ حَدِّ العَقْلِ، ورَحِمَ اللَّهُ الشّافِعِيَّ حَيْثُ قالَ: مَن أوْصى بِثُلُثِ مالِهِ لِأعْقَلِ النّاسِ صَرَفَ ذَلِكَ الثُّلُثَ إلى المُشْتَغِلِينَ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ أعْقَلَ النّاسِ مَن أعْطى القَلِيلَ وأخَذَ الكَثِيرَ، وما هم إلّا المُشْتَغِلُونَ بِالطّاعَةِ فَكَأنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّما أخَذَهُ مِن هَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أكَّدَ هَذا التَّرْجِيحَ مِن وجْهٍ آخَرَ وهو أنّا لَوْ قَدَّرْنا أنَّ نِعَمَ اللَّهِ كانَتْ تَنْتَهِي إلى الِانْقِطاعِ والفَناءِ، وما كانَتْ تَتَّصِلُ بِالعَذابِ الدّائِمِ؛ لَكانَ صَرِيحُ العَقْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ نِعَمِ الآخِرَةِ (p-٧)عَلى نِعَمِ الدُّنْيا فَكَيْفَ إذا اتَّصَلَتْ نِعَمُ الدُّنْيا بِعِقابِ الآخِرَةِ فَأيُّ عَقْلٍ يَرْتابُ في أنَّ نِعَمَ الآخِرَةِ راجِحَةٌ عَلَيْها ؟ وهَذا هو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿أفَمَن وعَدْناهُ وعْدًا حَسَنًا فَهو لاقِيهِ﴾ فَهو يَكُونُ كَمَن أعْطاهُ اللَّهُ قَدْرًا قَلِيلًا مِن مَتاعِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَكُونُ في الآخِرَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ لِلْعَذابِ، والمَقْصُودُ أنَّهم لَمّا قالُوا: تَرَكْنا الدِّينَ لِلدُّنْيا فَقالَ اللَّهُ لَهم: لَوْ لَمْ يَحْصُلْ عَقِيبَ دُنْياكم مَضَرَّةُ العِقابِ؛ لَكانَ العَقْلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مَنافِعِ الآخِرَةِ عَلى مَنافِعِ الدُّنْيا، فَكَيْفَ وهَذِهِ الدُّنْيا يَحْصُلُ بَعْدَها العِقابُ الدّائِمُ، وأوْرَدَ هَذا الكَلامَ عَلى لَفْظِ الِاسْتِفْهامِ؛ لِيَكُونَ أبْلَغَ في الِاعْتِرافِ بِالتَّرْجِيحِ، وتَخْصِيصُ لَفْظِ المُحْضَرِينَ بِالَّذِينِ أُحْضِرُوا لِلْعَذابِ أمْرٌ عُرِفَ مِنَ القُرْآنِ قالَ تَعالى: ﴿لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ (الصّافّاتِ: ٥٧ )، ﴿فَإنَّهم لَمُحْضَرُونَ﴾ (الصّافّاتِ: ١٢٧) وفي لَفْظِهِ إشْعارٌ بِهِ؛ لِأنَّ الإحْضارَ مُشْعِرٌ بِالتَّكْلِيفِ والإلْزامِ، وذَلِكَ لا يَلِيقُ بِمَجالِسِ اللَّذَّةِ إنَّما يَلِيقُ بِمَجالِسِ الضَّرَرِ والمَكارِهِ.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["أَفَمَن وَعَدۡنَـٰهُ وَعۡدًا حَسَنࣰا فَهُوَ لَـٰقِیهِ كَمَن مَّتَّعۡنَـٰهُ مَتَـٰعَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا ثُمَّ هُوَ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِینَ","وَیَوۡمَ یُنَادِیهِمۡ فَیَقُولُ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِیَ ٱلَّذِینَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ","قَالَ ٱلَّذِینَ حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ رَبَّنَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَغۡوَیۡنَاۤ أَغۡوَیۡنَـٰهُمۡ كَمَا غَوَیۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كَانُوۤا۟ إِیَّانَا یَعۡبُدُونَ"],"ayah":"أَفَمَن وَعَدۡنَـٰهُ وَعۡدًا حَسَنࣰا فَهُوَ لَـٰقِیهِ كَمَن مَّتَّعۡنَـٰهُ مَتَـٰعَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا ثُمَّ هُوَ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











