الباحث القرآني
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وما كُنْتَ ثاوِيًا في أهْلِ مَدْيَنَ﴾ فالمَعْنى: ما كُنْتَ مُقِيمًا فِيهِمْ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ مُقاتِلٌ: يَقُولُ لَمْ تَشْهَدْ أهْلَ مَدْيَنَ، فَتَقْرَأ عَلى أهْلِ مَكَّةَ خَبَرَهم ﴿ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ أيْ أرْسَلْناكَ إلى أهْلِ مَكَّةَ وأنْزَلْنا عَلَيْكَ هَذِهِ الأخْبارَ، ولَوْلا ذَلِكَ لَما عَلِمْتَها.
الثّانِي: قالَ الضَّحّاكُ: يَقُولُ إنَّكَ يا مُحَمَّدُ لَمْ تَكُنِ الرَّسُولَ إلى أهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمُ الكِتابَ، وإنَّما كانَ غَيْرُكَ ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ في كُلِّ زَمانٍ رَسُولًا، فَأرْسَلْنا إلى أهْلِ مَدْيَنَ شُعَيْبًا وأرْسَلْناكَ إلى العَرَبِ لِتَكُونَ خاتَمَ الأنْبِياءِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إذْ نادَيْنا﴾ يُرِيدُ مُناداةَ مُوسى لَيْلَةَ المُناجاةِ وتَكْلِيمَهُ ﴿ولَكِنْ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ أيْ عَلَّمْناكَ رَحْمَةً، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ بِالرَّفْعِ أيْ هي رَحْمَةٌ، وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ نادَيْنا﴾ وُجُوهًا أُخَرَ:
أحَدُها: إذْ نادَيْنا أيْ قُلْنا لِمُوسى: ﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] .
وثانِيها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذْ نادَيْنا أُمَّتَكَ في أصْلابِ آبائِهِمْ: ”يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أجَبْتُكم قَبْلَ أنْ تَدْعُونِي، وأعْطَيْتُكم قَبْلَ أنْ تَسْألُونِي، وغَفَرْتُ لَكم قَبْلَ أنْ تَسْتَغْفِرُونِي“ قالَ: وإنَّما قالَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ حِينَ اخْتارَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِ رَبِّهِ.
وثالِثُها: قالَ وهْبٌ: ”لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ لِمُوسى فَضْلَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، قالَ: رَبِّ أرِنِيهِمْ، قالَ: إنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهم، وإنْ شِئْتَ أسْمَعْتُكَ أصْواتَهم، قالَ: بَلى يا رَبِّ، فَقالَ سُبْحانَهُ: يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فَأجابُوهُ مِن أصْلابِ آبائِهِمْ، فَأسْمَعَهُ اللَّهُ تَعالى أصْواتَهم، ثم قال: أجَبْتُكم قَبْلَ أنْ تَدْعُوَنِي“ الحَدِيثَ كَما ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
ورابِعُها: رَوى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إذْ نادَيْنا﴾ قالَ: «كَتَبَ اللَّهُ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ بِألْفَيْ عامٍ، ثُمَّ وضَعَهُ عَلى العَرْشِ ثُمَّ نادى: ”يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي أعْطَيْتُكم قَبْلَ أنْ تَسْألُونِي، وغَفَرْتُ لَكم قَبْلَ أنْ تَسْتَغْفِرُونِي، مَن لَقِيَنِي مِنكم يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ» “ .
أمّا قَوْلُهُ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ﴾ فالإنْذارُ هو التَّخْوِيفُ بِالعِقابِ عَلى المَعْصِيَةِ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ قِصَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لِرَسُولِهِ: ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ﴾ ﴿وما كُنْتَ ثاوِيًا في أهْلِ مَدْيَنَ﴾ ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ﴾ فَجَمَعَ تَعالى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأنَّ هَذِهِ الأحْوالَ الثَّلاثَةَ هي الأحْوالُ العَظِيمَةُ الَّتِي اتَّفَقَتْ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ؛ إذِ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿إذْ قَضَيْنا إلى مُوسى الأمْرَ﴾ إنْزالُ التَّوْراةِ حَتّى تَكامَلَ دِينُهُ واسْتَقَرَّ شَرْعُهُ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ ثاوِيًا﴾ أوَّلَ أمْرِهِ، والمُرادُ نادَيْناهُ وسَطَ أمْرِهِ وهو لَيْلَةُ المُناجاةِ، ولَمّا بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ في هَذِهِ الأحْوالِ حاضِرًا بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ بَعَثَهُ وعَرَّفَهُ هَذِهِ الأحْوالَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (p-٢٢١)ثُمَّ فَسَّرَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ بِأنْ قالَ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ﴾ واخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقالَ بَعْضُهم: لَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِمْ نَذِيرٌ مِنهم، وقالَ بَعْضُهم: حُجَّةُ الأنْبِياءِ كانَتْ قائِمَةً عَلَيْهِمْ، ولَكِنَّهُ ما بَعَثَ إلَيْهِمْ مَن يُجَدِّدُ تِلْكَ الحجة عَلَيْهِمْ، وقالَ بَعْضُهم: لا يَبْعُدُ وُقُوعُ الفَتْرَةِ في التَّكالِيفِ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ تَعالى تَقْرِيرًا لِلتَّكالِيفِ، وإزالَةً لِتِلْكَ الفَتْرَةِ.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَلَـٰكِنَّاۤ أَنشَأۡنَا قُرُونࣰا فَتَطَاوَلَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِیࣰا فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ تَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَا وَلَـٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِینَ","وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَیۡنَا وَلَـٰكِن رَّحۡمَةࣰ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِیرࣲ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"],"ayah":"وَلَـٰكِنَّاۤ أَنشَأۡنَا قُرُونࣰا فَتَطَاوَلَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِیࣰا فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ تَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَا وَلَـٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق