الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما قالَ يامُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ وما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى قالَ يامُوسى إنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ﴾ ﴿فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّ عِنْدَ مَوْتِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنَ الوَكْزِ أصْبَحَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن غَدٍ ذَلِكَ اليَوْمِ خائِفًا مِن أنْ يَظْهَرَ أنَّهُ هو القاتِلُ فَيُطْلَبُ بِهِ، وخَرَجَ عَلى اسْتِتارٍ ﴿فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ﴾ وهو الإسْرائِيلِيُّ ﴿بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يَطْلُبُ نُصْرَتَهُ بِصِياحٍ وصُراخٍ، قالَ لَهُ مُوسى: ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: الغَوِيُّ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنى مُفْعِلٍ؛ أيْ إنَّكَ لَمُغْوٍ لِقَوْمِي، فَإنِّي وقَعْتُ بِالأمْسِ فِيما وقَعْتُ فِيهِ بِسَبَبِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الغاوِي. واحْتَجَّ بِهِ مَن قَدَحَ في عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَقالَ: كَيْفَ يَجُوزُ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ مَن شِيعَتِهُ يَسْتَصْرِخُهُ ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ؟ الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْمَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانُوا غِلاظًا جُفاةً ألا تَرى إلى قَوْلِهِمْ بَعْدَ مُشاهَدَةِ الآياتِ: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ (الأعْرافِ: ١٣٨) فالمُرادُ بِالغَوِيِّ المُبِينِ ذَلِكَ.
الثّانِي: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّما سَمّاهُ غَوِيًّا؛ لِأنَّ مَن تَكْثُرُ مِنهُ المُخاصَمَةُ عَلى وجْهٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ دَفْعُ خَصْمِهِ عَمّا يَرُومُهُ مِن ضَرَرِهِ يَكُونُ خِلافَ طَرِيقَةِ الرُّشْدِ. واخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ يامُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ﴾ أهْوَ مِن كَلامِ الإسْرائِيلِيِّ أوِ القِبْطِيِّ ؟ فَقالَ بَعْضُهم: لَمّا خاطَبَ مُوسى الإسْرائِيلِيَّ بِأنَّهُ غَوِيٌّ ورَآهُ عَلى غَضَبٍ ظَنَّ لَمّا هَمَّ بِالبَطْشِ أنَّهُ يُرِيدُهُ، فَقالَ هَذا القَوْلَ، وزَعَمُوا أنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قَتْلَهُ بِالأمْسِ لِلرَّجُلِ إلّا هو، وصارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِظُهُورِ القَتْلِ ومَزِيدِ الخَوْفِ، وقالَ آخَرُونَ: بَلْ هو قَوْلُ القِبْطِيِّ، وقَدْ كانَ عَرَفَ القِصَّةَ مِنَ الإسْرائِيلِيِّ، والظّاهِرُ هَذا الوجه؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما قالَ يامُوسى﴾ (p-٢٠٣)فَهَذا القَوْلُ إذَنْ مِنهُ لا مِن غَيْرِهِ، وأيْضًا فَقَوْلُهُ: ﴿إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ﴾ لا يَلِيقُ إلّا بِأنْ يَكُونَ قَوْلًا لِلْكافِرِ.
واعْلَمْ أنَّ الجَبّارَ الَّذِي يَفْعَلُ ما يُرِيدُ مِنَ الضَّرْبِ والقَتْلِ بِظُلْمٍ لا يَنْظُرُ في العَواقِبِ، ولا يَدْفَعُ بِالَّتِي هي أحْسَنُ. وقِيلَ: المُتَعَظِّمُ الَّذِي لا يَتَواضَعُ لِأمْرِ أحَدٍ، ولَمّا وقَعَتْ هَذِهِ الواقِعَةُ انْتَشَرَ الحَدِيثُ في المَدِينَةِ، وانْتَهى إلى فِرْعَوْنَ وهَمُّوا بِقَتْلِهِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى﴾ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: يَسْعى يَجُوزُ ارْتِفاعُهُ وصْفًا لِـ (رَجُلٌ)، وانْتِصابُهُ حالًا عَنْهُ، لِأنَّهُ قَدْ تَخَصَّصَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن أقْصى المَدِينَةِ﴾ والِائْتِمارُ التَّشاوُرُ. يُقالُ: الرَّجُلانِ يَأْتَمِرانِ؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَأْمُرُ صاحِبَهُ بِشَيْءٍ أوْ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِأمْرٍ، والمَعْنى: يَتَشاوَرُونَ بِسَبَبِكَ. وأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ هَذا الرَّجُلَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، فَعَلى وجْهِ الإشْفاقِ أسْرَعَ إلَيْهِ لِيُخَوِّفَهُ بِأنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ أيْ خائِفًا عَلى نَفْسِهِ مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَنْتَظِرُ هَلْ يَلْحَقُهُ طَلَبٌ فَيُؤْخَذُ، ثُمَّ التَجَأ إلى اللَّهِ تَعالى لِعِلْمِهِ بِأنَّهُ لا مَلْجَأ سِواهُ، فَقالَ: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ قَتْلَهُ لِذَلِكَ القِبْطِيِّ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا، وإلّا لَكانَ هو الظّالِمُ لَهم وما كانُوا ظالِمِينَ لَهُ بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ إيّاهُ لِيَقْتُلُوهُ قِصاصًا.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["فَأَصۡبَحَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِی ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ یَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰۤ إِنَّكَ لَغَوِیࣱّ مُّبِینࣱ","فَلَمَّاۤ أَنۡ أَرَادَ أَن یَبۡطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوࣱّ لَّهُمَا قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ أَتُرِیدُ أَن تَقۡتُلَنِی كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِیدُ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ جَبَّارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِیدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ","وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ","فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق