الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَتْ إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ ﴿وإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أتُمِدُّونَنِي بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمّا آتاكم بَلْ أنْتُمْ بِهَدِيَّتِكم تَفْرَحُونَ﴾ ﴿ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهم بِها ولَنُخْرِجَنَّهم مِنها أذِلَّةً وهم صاغِرُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّها لَمّا عَرَضَتِ الواقِعَةَ عَلى أكابِرِ قَوْمِها وقالُوا ما تَقَدَّمَ أظْهَرَتْ رَأْيَها، وهو أنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً بِالقَهْرِ أفْسَدُوها، أيْ خَرَّبُوها وأذَلُّوا أعِزَّتَها، فَذَكَرَتْ لَهم عاقِبَةَ الحَرْبِ. * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ فَقَدِ اخْتَلَفُوا أهْوَ مِن كَلامِها أوْ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى كالتَّصْوِيبِ لَها والأقْرَبُ أنَّهُ مِن كَلامِها، وأنَّها ذَكَرَتْهُ تَأْكِيدًا لِما وصَفَتْهُ مِن حالِ المُلُوكِ. فَأمّا الكَلامُ في صِفَةِ الهَدِيَّةِ فالنّاسُ أكْثَرُوا فِيها لَكِنْ لا ذِكْرَ لَها في الكِتابِ، وقَوْلُها: ﴿فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّها لَمْ تَثِقْ بِالقَبُولِ وجَوَّزَتِ الرَّدَّ، وأرادَتْ بِذَلِكَ أنْ يَنْكَشِفَ لَها غَرَضُ سُلَيْمانَ، ولَمّا وصَلَتِ الهَدايا إلى سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ أمْرَيْنِ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿أتُمِدُّونَنِي بِمالٍ﴾ فَأظْهَرَ بِهَذا الكَلامِ قِلَّةَ الِاكْتِراثِ بِذَلِكَ المالِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿بَلْ أنْتُمْ بِهَدِيَّتِكم تَفْرَحُونَ﴾ فَفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ الهَدِيَّةَ اسْمٌ لِلْمُهْدى، كَما أنَّ العَطِيَّةَ اسْمٌ لِلْمُعْطى، فَتُضافُ إلى المَهْدِيِّ وإلى المُهْدى لَهُ، والمُضافُ إلَيْهِ هَهُنا هو المُهْدى إلَيْهِ، والمَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى آتانِي الدِّينَ الَّذِي هو السَّعادَةُ القُصْوى، وآتانِي مِنَ الدُّنْيا ما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسْتَمالُ مِثْلِي بِمِثْلِ هَذِهِ الهَدِيَّةِ، بَلْ أنْتُمْ تَفْرَحُونَ بِما يُهْدى إلَيْكم، لَكِنَّ حالِي خِلافُ حالِكم. وثانِيها: بَلْ أنْتُمْ بِهَدِيَّتِكم هَذِهِ الَّتِي أهْدَيْتُمُوها تَفْرَحُونَ مِن حَيْثُ إنَّكم قَدَرْتُمْ عَلى إهْداءِ مِثْلِها. وثالِثُها: كَأنَّهُ قالَ: بَلْ أنْتُمْ مِن حَقِّكم أنْ تَأْخُذُوا هَدِيَّتَكم وتَفْرَحُوا بِها. الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿ارْجِعْ إلَيْهِمْ﴾ فَقِيلَ: ارْجِعْ خِطابٌ لِلرَّسُولِ، وقِيلَ: لِلْهُدْهُدِ مُحَمَّلًا كِتابًا آخَرَ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا قِبَلَ﴾ أيْ لا طاقَةَ، وحَقِيقَةُ القِبَلِ المُقاوَمَةُ والمُقابَلَةُ، أيْ لا يَقْدِرُونَ أنْ يُقابِلُوهم. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”لا قِبَلَ لَهم بِهِمْ“، والضَّمِيرُ في ”مِنها“ لِسَبَأٍ، والذُّلُّ أنْ يَذْهَبَ عَنْهم ما كانَ عِنْدَهم مِنَ العِزِّ والمُلْكِ، والصَّغارُ أنْ يَقَعُوا في أسْرٍ واسْتِعْبادٍ، ولا يَقْتَصِرُ بِهِمْ عَلى أنْ يَرْجِعُوا سُوقَةً بَعْدَ أنْ كانُوا مُلُوكًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب