الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَتْ ياأيُّها المَلَأُ إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ﴿قالَتْ ياأيُّها المَلَأُ أفْتُونِي في أمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا حَتّى تَشْهَدُونِ﴾ ﴿قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمْرُ إلَيْكِ فانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿قالَتْ ياأيُّها المَلَأُ إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ بِمَعْنى أنْ يُقالَ: إنَّ الهُدْهُدَ ألْقى إلَيْها الكِتابَ فَهو مَحْذُوفٌ كَأنَّهُ ثابِتٌ، رُوِيَ أنَّها كانَتْ إذا رَقَدَتْ غَلَّقَتِ الأبْوابَ ووَضَعَتِ المَفاتِيحَ تَحْتَ رَأْسِها فَدَخَلَ مِن كُوَّةٍ وطَرَحَ الكِتابَ عَلى نَحْرِها وهي مُسْتَلْقِيَةٌ، وقِيلَ نَقَرَها فانْتَبَهَتْ فَزِعَةً.
(p-١٦٧)أمّا قَوْلُهُ: ﴿كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ فَفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: حُسْنُ مَضْمُونِهِ وما فِيهِ.
وثانِيها: وصْفُهُ بِالكَرِيمِ لِأنَّهُ مِن عِنْدِ مَلِكٍ كَرِيمٍ.
وثالِثُها: أنَّ الكِتابَ كانَ مَخْتُومًا وقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«كَرَّمَ الكِتابَ خَتْمُهُ» “ وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ ”«يَكْتُبُ إلى العَجَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهم لا يَقْبَلُونَ إلّا كِتابًا عَلَيْهِ خاتَمٌ فاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ خاتَمًا» “ .
أمّا قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فَفِيهِ أبْحاثٌ:
البَحْثُ الأوَّلُ: أنَّهُ اسْتِئْنافٌ وتَبْيِينٌ لِما أُلْقِيَ إلَيْها كَأنَّها لَمّا قالَتْ: ﴿إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ قِيلَ لَها: مِمَّنْ هو ؟ وما هو ؟ فَقالَتْ: إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ كَيْتَ وكَيْتَ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ”إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ“ عَطْفًا عَلى ”إنِّي“ وقُرِئَ ”أنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وأنَّهُ“ بِالفَتْحِ وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ بَدَلٌ مِن ”كِتابٌ“ كَأنَّهُ قِيلَ: أُلْقِيَ إلَيَّ أنَّهُ مِن سُلَيْمانَ.
وثانِيهِما: أنْ يُرِيدَ أنَّهُ مِن سُلَيْمانَ ولِأنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ كَأنَّها عَلَّلَتْ كَرَمَهُ بِكَوْنِهِ مِن سُلَيْمانَ وتَصْدِيرِهِ بِسْمِ اللَّهِ وقَرَأ أُبَيٌّ: ”أنْ مِن سُلَيْمانَ وأنْ بِسْمِ اللَّهِ“ عَلى أنِ المُفَسِّرَةِ، وأنْ في ”أنْ لا تَعْلُوا“ مُفَسِّرَةٌ أيْضًا ومَعْنى ”لا تَعْلُوا“ لا تَتَكَبَّرُوا كَما تَفْعَلُ المُلُوكُ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ بالغَيْنِ مُعْجَمَةً مِنَ الغُلُوِّ وهي مُجاوَزَةُ الحَدِّ.
البَحْثُ الثّانِي: يُقالُ لِمَ قَدَّمَ سُلَيْمانُ اسْمَهُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ؟ جَوابُهُ: حاشاهُ مِن ذَلِكَ بَلِ ابْتَدَأ هو بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وإنَّما ذَكَرَتْ بِلْقِيسُ أنَّ هَذا الكِتابَ مِن سُلَيْمانَ ثُمَّ حَكَتْ ما في الكِتابِ واللَّهُ تَعالى حَكى ذَلِكَ فالتَّقْدِيمُ واقِعٌ في الحِكايَةِ.
البَحْثُ الثّالِثُ: أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لا يُطِيلُونَ بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلى المَقْصُودِ، وهَذا الكِتابُ مُشْتَمِلٌ عَلى تَمامِ المَقْصُودِ، وذَلِكَ لِأنَّ المَطْلُوبَ مِنَ الخَلْقِ، إمّا العِلْمُ أوِ العَمَلُ والعِلْمُ مُقَدَّمٌ عَلى العَمَلِ فَقَوْلُهُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مُشْتَمِلٌ عَلى إثْباتِ الصّانِعِ سُبْحانَهُ وتَعالى وإثْباتِ كَوْنِهِ عالِمًا قادِرًا حَيًّا مُرِيدًا حَكِيمًا رَحِيمًا.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ فَهو نَهْيٌ عَنِ الِانْقِيادِ لِطاعَةِ النَّفْسِ والهَوى والتَّكَبُّرِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فالمُرادُ مِنَ المُسْلِمِ إمّا المُنْقادُ أوِ المُؤْمِنُ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الكِتابَ عَلى وجازَتِهِ يَحْوِي كُلَّ ما لا بُدَّ مِنهُ في الدِّينِ والدُّنْيا، فَإنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِعْلاءِ والأمْرِ بِالِانْقِيادِ قَبْلَ إقامَةِ الدَّلالَةِ عَلى كَوْنِهِ رَسُولًا حَقًّا يَدُلُّ عَلى الِاكْتِفاءِ بِالتَّقْلِيدِ. جَوابُهُ: مَعاذَ اللَّهِ أنْ يَكُونَ هُناكَ تَقْلِيدٌ وذَلِكَ لِأنَّ رَسُولَ سُلَيْمانَ إلى بِلْقِيسَ كانَ الهُدْهُدُ ورِسالَةُ الهُدْهُدِ مُعْجِزٌ، والمُعْجِزُ يَدُلُّ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ وعَلى صِفاتِهِ ويَدُلُّ عَلى صِدْقِ المُدَّعِي فَلَمّا كانَتْ تِلْكَ الرِّسالَةُ دَلالَةً تامَّةً عَلى التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ لا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ في الكِتابِ دَلِيلًا آخَرَ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها المَلَأُ أفْتُونِي في أمْرِي﴾ فالفَتْوى هي الجَوابُ في الحادِثَةِ اشْتُقَّتْ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ مِنَ الفَتِيِّ في السِّنِّ أيْ أجِيبُونِي في الأمْرِ الفَتِيِّ، وقَصَدَتْ بِالِانْقِطاعِ إلَيْهِمْ واسْتِطْلاعِ رَأْيِهِمْ تَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ ﴿ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا﴾ أيْ لا أبُتُّ أمْرًا إلّا بِمَحْضَرِكم.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ﴾ فالمُرادُ قُوَّةُ الأجْسامِ وقُوَّةُ الآلاتِ والمُرادُ بِالبَأْسِ النَّجْدَةُ والثَّباتُ في الحَرْبِ، وحاصِلُ الجَوابِ أنَّ القَوْمَ ذَكَرُوا أمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: إظْهارُ القُوَّةِ الذّاتِيَّةِ والعَرَضِيَّةِ لِيَظْهَرَ أنَّها إنْ أرادَتْهم لِلدَّفْعِ والحَرْبِ وجَدَتْهم بِحَيْثُ تُرِيدُ، والآخَرُ قَوْلُهم: ﴿والأمْرُ إلَيْكِ فانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ﴾ وفي ذَلِكَ إظْهارُ الطّاعَةِ لَها إنْ أرادَتِ السِّلْمَ، ولا يُمْكِنُ ذِكْرُ جَوابٍ أحْسَنَ مِن هَذا واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":29,"ayahs":["قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ إِنِّیۤ أُلۡقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰبࣱ كَرِیمٌ","إِنَّهُۥ مِن سُلَیۡمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ","أَلَّا تَعۡلُوا۟ عَلَیَّ وَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ","قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ","قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ"],"ayah":"قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق