الباحث القرآني

(p-١١٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ لَهم مُوسى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ ﴿فَألْقَوْا حِبالَهم وعِصِيَّهم وقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إنّا لَنَحْنُ الغالِبُونَ﴾ ﴿فَألْقى مُوسى عَصاهُ فَإذا هي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ﴾ ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ﴾ ﴿قالُوا آمَنّا بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿رَبِّ مُوسى وهارُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهم لَمّا اجْتَمَعُوا كانَ لا بُدَّ مِن أنْ يَبْدَأ مُوسى أوْ يَبْدَءُوا ثُمَّ إنَّهم تَواضَعُوا لَهُ فَقَدَّمُوهُ عَلى أنْفُسِهِمْ، وقالُوا: ﴿إمّا أنْ تُلْقِيَ وإمّا أنْ نَكُونَ أوَّلَ مَن ألْقى﴾ [طه: ٦٥] فَلَمّا تَواضَعُوا لَهُ تَواضَعَ هو أيْضًا لَهم فَقَدَّمَهم عَلى نَفْسِهِ، وقالَ: ﴿ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جازَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَأْمُرَ السَّحَرَةَ بِإلْقاءِ الحِبالِ والعِصِيِّ وذَلِكَ سِحْرٌ وتَلْبِيسٌ وكُفْرٌ والأمْرُ بِمِثْلِهِ لا يَجُوزُ ؟ الجَوابُ: لا شُبْهَةَ في أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأمْرٍ لِأنَّ مُرادَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنهم كانَ أنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ولا يَقْدُمُوا عَلى ما يَجْرِي مَجْرى المُغالَبَةِ، وإذا ثَبَتَ هَذا وجَبَ تَأْوِيلُ صِيغَةِ الأمْرِ وفِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: ذَلِكَ الأمْرُ كانَ مَشْرُوطًا والتَّقْدِيرُ: ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ إنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكم مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] . وثانِيها: لَمّا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلى كَشْفِ الشُّبْهَةِ صارَ جائِزًا. وثالِثُها: أنَّ هَذا لَيْسَ بِأمْرٍ بَلْ هو تَهْدِيدٌ، أيْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أتَيْنا بِما تُبْطِلُهُ، كَقَوْلِ القائِلِ: لَئِنْ رَمَيْتَنِي لَأفْعَلَنَّ ولَأصْنَعَنَّ ثُمَّ يُفَوِّقُ لَهُ السَّهْمَ فَيَقُولُ لَهُ: ارْمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنهُ تَهْدِيدًا. ورابِعُها: ما ذَكَرْنا أنَّهم لَمّا تَواضَعُوا لَهُ وقَدَّمُوهُ عَلى أنْفُسِهِمْ فَهو قَدَّمَهم عَلى نَفْسِهِ عَلى رَجاءِ أنْ يَصِيرَ ذَلِكَ التَّواضُعُ سَبَبًا لِقَبُولِ الحَقِّ. ولَقَدْ حَصَلَ بِبَرَكَةِ ذَلِكَ التَّواضُعِ ذَلِكَ المَطْلُوبُ، وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ اللّائِقَ بِالمُسْلِمِ في كُلِّ الأحْوالِ التَّواضُعُ، لِأنَّ مِثْلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا لَمْ يَتْرُكِ التَّواضُعَ مَعَ أُولَئِكَ السَّحَرَةِ، فَبِأنْ يَفْعَلَ الواحِدُ مِنّا أوْلى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب