الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكم عَلى مَن تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ﴾ ﴿تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أفّاكٍ أثِيمٍ﴾ ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وأكْثَرُهم كاذِبُونَ﴾ . (p-١٥٠)اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى أعادَ الشُّبْهَةَ المُتَقَدِّمَةَ وأجابَ عَنْها مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أفّاكٍ أثِيمٍ﴾ وذَلِكَ هو الَّذِي قَرَّرْناهُ فِيما تَقَدَّمَ أنَّ الكُفّارَ يُدْعَوْنَ إلى طاعَةِ الشَّيْطانِ، ومُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَدْعُو إلى لَعْنِ الشَّيْطانِ والبَراءَةِ عَنْهُ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وأكْثَرُهم كاذِبُونَ﴾ والمُرادُ أنَّهم كانُوا يَقِيسُونَ حالَ النَّبِيِّ ﷺ عَلى حالِ سائِرِ الكَهَنَةِ فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهم: إنْ كانَ الأمْرُ عَلى ما ذَكَرْتُمْ فَكَما أنَّ الغالِبَ عَلى سائِرِ الكَهَنَةِ الكَذِبُ فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ حالُ الرَّسُولِ ﷺ كَذَلِكَ أيْضًا، فَلَمّا لَمْ يَظْهَرْ في إخْبارِ الرَّسُولِ ﷺ عَنِ المُغَيَّباتِ إلّا الصِّدْقُ عَلِمْنا أنَّ حالَهُ بِخِلافِ حالِ الكَهَنَةِ. ثُمَّ إنَّ المُفَسِّرِينَ ذَكَرُوا في الآيَةِ وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّهُمُ الشَّياطِينُ؛ رُوِيَ أنَّهم كانُوا قَبْلَ أنْ حُجِبُوا بِالرَّجْمِ يَسَّمَّعُونَ إلى المَلَأِ الأعْلى فَيَخْتَطِفُونَ بَعْضَ ما يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِمّا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الغُيُوبِ، ثُمَّ يُوحُونَ بِهِ إلى أوْلِيائِهِمْ ﴿وأكْثَرُهم كاذِبُونَ﴾ فِيما يُوحِي بِهِ إلَيْهِمْ، لِأنَّهم يُسْمِعُونَهم ما لَمْ يَسْمَعُوا. وثانِيها: يُلْقُونَ إلى أوْلِيائِهِمُ السَّمْعَ أيِ المَسْمُوعَ مِنَ المَلائِكَةِ. وثالِثُها: الأفّاكُونَ يُلْقُونَ السَّمْعَ إلى الشَّياطِينِ فَيُلْقُونَ وحْيَهم إلَيْهِمْ. ورابِعُها: يُلْقُونَ المَسْمُوعَ مِنَ الشَّياطِينِ إلى النّاسِ، وأكْثَرُ الأفّاكِينَ كاذِبُونَ يَفْتَرُونَ عَلى الشَّياطِينِ ما لَمْ يُوحُوا إلَيْهِمْ، فَإنْ قُلْتَ: ﴿يُلْقُونَ﴾ ما مَحَلُّهُ ؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِ أيْ تَنَزَّلُ مُلْقِينَ السَّمْعَ، وفي مَحَلِّ الجَرِّ صِفَةً لِ ”كُلِّ أفّاكٍ“ لِأنَّهُ في مَعْنى الجَمْعِ، وأنْ لا يَكُونَ لَهُ مَحَلٌّ بِأنْ يَسْتَأْنِفَ كَأنَّ قائِلًا قالَ: لِمَ تَنَزَّلُ عَلى الأفّاكِينَ ؟ فَقِيلَ: يَفْعَلُونَ كَيْتَ وكَيْتَ، فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ ؟ قالَ: ﴿وأكْثَرُهم كاذِبُونَ﴾ بَعْدَما قَضى عَلَيْهِمْ أنَّ كَلَّ واحِدٍ مِنهم أفّاكٌ ؟ قُلْتُ: الأفّاكُونَ هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الكَذِبَ، لا أنَّهُمُ الَّذِينَ لا يَنْطِقُونَ إلّا بِالكَذِبِ، فَأرادَ أنَّ هَؤُلاءِ الأفّاكِينَ قَلَّ مَن يَصْدُقُ مِنهم فِيما يَحْكِي عَنِ الجِنِّ وأكْثَرُهم يَفْتَرِي عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب