الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ ﴿أفَرَأيْتَ إنْ مَتَّعْناهم سِنِينَ﴾ ﴿ثُمَّ جاءَهم ما كانُوا يُوعَدُونَ﴾ ﴿ما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ ﴿وما أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلّا لَها مُنْذِرُونَ﴾ ﴿ذِكْرى وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ، وأنَّهُ يَأْتِيهِمُ العَذابُ بَغْتَةً أتْبَعَهُ بِما يَكُونُ مِنهم عِنْدَ ذَلِكَ عَلى وجْهِ الحَسْرَةَ فَقالَ: ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ كَما يَسْتَغِيثُ المَرْءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الخَلاصِ، لِأنَّهم يَعْلَمُونَ في الآخِرَةِ أنْ لا مَلْجَأ، لَكِنَّهم يَذْكُرُونَ ذَلِكَ اسْتِرْواحًا. فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ فالمُرادُ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهم كانُوا في الدُّنْيا يَسْتَعْجِلُونَ العَذابَ، مَعَ أنَّ حالَهم عِنْدَ نُزُولِ العَذابِ طَلَبُ النَّظْرَةِ لِيُعْرَفَ تَفاوُتُ الطَّرِيقَيْنِ فَيُعْتَبَرَ بِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ اسْتِعْجالَ العَذابِ عَلى وجْهِ التَّكْذِيبِ إنَّما يَقَعُ مِنهم لِيَتَمَتَّعُوا في الدُّنْيا، إلّا أنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، وذَلِكَ لِأنَّ مُدَّةَ التَّمَتُّعِ في الدُّنْيا مُتَناهِيَةٌ قَلِيلَةٌ، ومُدَّةَ العَذابِ الَّذِي يَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، ولَيْسَ في العَقْلِ تَرْجِيحٌ لَذّاتٍ مُتَناهِيَةٍ (p-١٤٧)قَلِيلَةٍ عَلى آلامٍ غَيْرِ مُتَناهِيَةٍ، وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ أنَّهُ لَقِيَ الحَسَنَ في الطَّوافِ، فَقالَ لَهُ: عِظْنِي، فَلَمْ يَزِدْ عَلى تِلاوَةِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ مَيْمُونٌ: لَقَدْ وعَظْتَ فَأبْلَغْتَ، وقُرِئَ ”يُمْتَعُونَ“ بِالتَّخْفِيفِ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ لَمْ يُهْلِكْ قَرْيَةً إلّا وهُناكَ نَذِيرٌ يُقِيمُ عَلَيْهِمُ الحجة. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذِكْرى﴾ فَقالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ذِكْرى مَنصُوبَةٌ بِمَعْنى تَذْكِرَةٍ، إمّا لِأنَّ أنْذَرَ وذَكَّرَ مُتَقارِبانِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: مُذَكِّرُونَ تَذْكِرَةً، وإمّا لِأنَّها حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في ”مُنْذِرُونَ“، أيْ يُنْذِرُونَهم ذَوِي تَذْكِرَةٍ، وإمّا لِأنَّها مَفْعُولٌ لَهُ عَلى مَعْنى أنَّهم يُنْذِرُونَ لِأجْلِ المَوْعِظَةِ والتَّذْكِرَةِ، أوْ مَرْفُوعَةٌ عَلى أنَّها خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِمَعْنى هَذِهِ ذِكْرى، والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ أوْ صِفَةٌ بِمَعْنى مُنْذِرُونَ ذَوُو ذِكْرى، وجَعَلُوا ذِكْرى لِإمْعانِهِمْ في التَّذْكِرَةِ وإطْنابِهِمْ فِيها، ووَجْهٌ آخَرُ وهو أنْ يَكُونَ ذِكْرى مُتَعَلِّقَةً بِ ”أهْلَكْنا“ مَفْعُولًا لَهُ، والمَعْنى وما أهْلَكْنا مِن أهْلِ قَرْيَةٍ قَوْمًا ظالِمِينَ إلّا بَعْدَ ما ألْزَمْناهُمُ الحجة بِإرْسالِ المُنْذِرِينَ إلَيْهِمْ لِيَكُونَ إهْلاكُهم تَذْكِرَةً وعِبْرَةً لِغَيْرِهِمْ فَلا يَعْصُوا مِثْلَ عِصْيانِهِمْ، ﴿وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ فَنُهْلِكَ قَوْمًا غَيْرَ ظالِمِينَ، وهَذا الوجه عَلَيْهِ المُعَوَّلُ، فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ عَزَلْتَ الواوَ عَنِ الجُمْلَةِ بَعْدَ إلّا، ولَمْ تَعْزِلْ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿وما أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلّا ولَها كِتابٌ مَعْلُومٌ﴾ [الحجر: ٤] قُلْتُ: الأصْلُ عَزْلُ الواوِ لِأنَّ الجُمْلَةَ صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ، وإذا زِيدَتْ فَلِتَأْكِيدِ وصْلِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب