الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ ﴿ويَضِيقُ صَدْرِي ولا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أمَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالذَّهابِ إلى قَوْمِ فِرْعَوْنَ، طَلَبَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَبْعَثَ مَعَهُ هارُونَ إلَيْهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الأُمُورَ الدّاعِيَةَ لَهُ إلى ذَلِكَ السُّؤالِ، وحاصِلُها أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هارُونُ، لاخْتَلَّتِ المَصْلَحَةُ المَطْلُوبَةُ مِن بَعْثَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وذَلِكَ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ فِرْعَوْنَ رُبَّما كَذَّبَهُ، والتَّكْذِيبُ سَبَبٌ لِضِيقِ القَلْبِ، وضِيقُ القَلْبِ سَبَبٌ لِتَعَسُّرِ الكَلامِ عَلى مَن يَكُونُ في لِسانِهِ حُبْسَةٌ؛ لِأنَّ (p-١٠٧)عِنْدَ ضِيقِ القَلْبِ تَنْقَبِضُ الرُّوحُ والحَرارَةُ الغَرِيزِيَّةُ إلى باطِنِ القَلْبِ، وإذا انْقَبَضا إلى الدّاخِلِ وخَلا مِنهُما الخارِجُ ازْدادَتِ الحُبْسَةُ في اللِّسانِ، فالتَّأذِّي مِنَ التَّكْذِيبِ سَبَبٌ لِضِيقِ القَلْبِ، وضِيقُ القَلْبِ سَبَبٌ لِلْحُبْسَةِ، فَلِهَذا السَّبَبِ بَدَأ بِخَوْفِ التَّكْذِيبِ، ثُمَّ ثَنّى بِضِيقِ الصَّدْرِ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِعَدَمِ انْطِلاقِ اللِّسانِ. وأمّا هارُونُ فَهو أفْصَحُ لِسانًا مِنِّي ولَيْسَ في حَقِّهِ هَذا المَعْنى، فَكانَ إرْسالُهُ لائِقًا.
الثّانِي: أنَّ لَهم عِنْدِي ذَنْبًا فَأخافُ أنْ يُبادِرُوا إلى قَتْلِي، وحِينَئِذٍ لا يَحْصُلُ المَقْصُودُ مِنَ البَعْثَةِ. وأمّا هارُونُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ المَقْصُودُ مِنَ البَعْثَةِ.
المسألة الثّانِيَةُ: قُرِئَ ”يَضِيقُ“ و”يَنْطَلِقُ“ بِالرَّفْعِ، لِأنَّهُما مَعْطُوفانِ عَلى خَبَرِ ”إنَّ“، وبِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِما عَلى صِلَةِ أنْ، والمَعْنى: أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ، وأخافُ أنْ يَضِيقَ صَدْرِي، وأخافُ أنْ لا يَنْطَلِقَ لِسانِي، والفَرْقُ أنَّ الرَّفْعَ يُفِيدُ ثَلاثَ عِلَلٍ في طَلَبِ إرْسالِ هارُونَ، والنَّصْبَ يُفِيدُ عِلَّةً واحِدَةً، وهي الخَوْفُ مِن هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ، فَإنْ قُلْتَ: الخَوْفُ غَمٌّ يَحْصُلُ لِتَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ سَيَقَعُ، وعَدَمُ انْطِلاقِ اللِّسانِ كانَ حاصِلًا، فَكَيْفَ جازَ تَعَلُّقُ الخَوْفِ بِهِ ؟ قُلْتُ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ التَّكْذِيبَ الَّذِي سَيَقَعُ يُوجِبُ ضِيقَ القَلْبِ، وضِيقُ القَلْبِ يُوجِبُ زِيادَةَ الِاحْتِباسِ، فَتِلْكَ الزِّيادَةُ ما كانَتْ حاصِلَةً في الحالِ بَلْ كانَتْ مُتَوَقَّعَةً، فَجازَ تَعْلِيقُ الخَوْفِ عَلَيْها.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ فَلَيْسَ في الظّاهِرِ ذِكْرُ مَنِ الَّذِي يُرْسَلُ إلَيْهِ، وفي الخَبَرِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أرْسَلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلَيْهِ، قالَ السُّدِّيُّ: إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ سارَ بِأهْلِهِ إلى مِصْرَ والتَقى بِهارُونَ وهو لا يَعْرِفُهُ، فَقالَ: أنا مُوسى، فَتَعارَفا وأمَرَهُ أنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُ إلى فِرْعَوْنَ لِأداءِ الرِّسالَةِ، فَصاحَتْ أُمُّهُما لِخَوْفِها عَلَيْهِما فَذَهَبا إلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أرْسِلْ إلَيْهِ جِبْرِيلَ، لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ إلى الأنْبِياءِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا كانَ هو مُتَعَيِّنًا لِهَذا الأمْرِ حُذِفَ ذِكْرُهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وأيْضًا لَيْسَ في الظّاهِرِ أنَّهُ يُرْسَلُ لِماذا، لَكِنَّ فَحْوى الكَلامِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ طَلَبَهُ لِلْمَعُونَةِ فِيما سَألَ، كَما يُقالُ إذا نابَتْكَ نائِبَةٌ: فَأرْسِلْ إلى فُلانٍ أيْ لِيُعِينَكَ فِيها ولَيْسَ في الظّاهِرِ أنَّهُ التَمَسَ كَوْنَ هارُونَ نَبِيًّا مَعَهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ فَأرادَ بِالذَّنْبِ قَتْلَهُ القِبْطِيَّ، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ القِصَّةَ مَشْرُوحَةً في سُورَةِ القَصَصِ.
واعْلَمْ أنَّهُ لَيْسَ في التِماسِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يُضَمَّ إلَيْهِ هارُونُ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ اسْتَعْفى مِنَ الذَّهابِ إلى فِرْعَوْنَ بَلْ مَقْصُودُهُ فِيما سَألَ أنْ يَقَعَ ذَلِكَ الذَّهابُ عَلى أقْوى الوُجُوهِ في الوُصُولِ إلى المُرادِ، واخْتَلَفُوا فَقالَ بَعْضُهم: إنَّهُ وإنْ كانَ نَبِيًّا فَهو غَيْرُ عالِمٍ بِأنَّهُ يَبْقى حَتّى يُؤَدِّيَ الرِّسالَةَ؛ لِأنَّهُ إنَّما أُمِرَ بِذَلِكَ بِشَرْطِ التَّمْكِينِ، وهَذا قَوْلُ الكَعْبِيِّ وغَيْرِهِ مِنَ البَغْدادِيِّينَ لِأنَّهم يُجَوِّزُونَ دُخُولَ الشَّرْطِ في تَكْلِيفِ اللَّهِ تَعالى العَبْدَ، والَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ لِأنَّهُ تَعالى إذا أمَرَ فَهو عالِمٌ بِما يَتَمَكَّنُ مِنهُ المَأْمُورُ وبِأوْقاتِ تَمَكُّنِهِ، فَإذا عَلِمَ أنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنهُ فَإنَّهُ لا يَأْمُرُهُ بِهِ، وإذا صَحَّ ذَلِكَ فالأقْرَبُ في الأنْبِياءِ أنَّهم يَعْلَمُونَ إذا حَمَّلَهُمُ اللَّهُ تَعالى الرِّسالَةَ أنَّهُ تَعالى يُمَكِّنُهم مِن أدائِها وأنَّهم سَيَبْقَوْنَ إلى ذَلِكَ الوَقْتِ، ومِثْلُ ذَلِكَ لا يَكُونُ إغْراءً في الأنْبِياءِ وإنْ جازَ أنْ يَكُونَ إغْراءً في غَيْرِهِمْ.
المسألة الثّالِثَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: قَوْلُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ هَلْ يَدُلُّ عَلى صُدُورِ الذَّنْبِ مِنهُ ؟
جَوابُهُ: لا والمُرادُ لَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ في زَعْمِهِمْ.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ","وَیَضِیقُ صَدۡرِی وَلَا یَنطَلِقُ لِسَانِی فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَـٰرُونَ","وَلَهُمۡ عَلَیَّ ذَنۢبࣱ فَأَخَافُ أَن یَقۡتُلُونِ"],"ayah":"قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق