الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ أنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وزادَهم نُفُورًا﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا أمَرَ الرَّسُولَ بِأنْ يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وصَفَ نَفْسَهُ بِأُمُورٍ: أوَّلُها: بِأنَّهُ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وتَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفُرْقانِ: ٥٨] . وثانِيها: أنَّهُ عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفُرْقانِ: ٥٨] . وثالِثُها: أنَّهُ قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾، فَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾؛ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا كانَ هو الخالِقَ لِلسَّماواتِ والأرَضِينَ ولِكُلِّ ما بَيْنَهُما، ثَبَتَ أنَّهُ هو القادِرُ عَلى جَمِيعِ وُجُوهِ المَنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ، وأنَّ النِّعَمَ كُلَّها مِن جِهَتِهِ، فَحِينَئِذٍ لا يَجُوزُ التَّوَكُّلُ إلّا عَلَيْهِ. وفي الآيَةِ سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: الأيّامُ عِبارَةٌ عَنْ حَرَكاتِ الشَّمْسِ في السَّماواتِ، فَقَبْلَ السَّماواتِ لا أيّامَ، فَكَيْفَ قالَ اللَّهُ: خَلَقَها في سِتَّةِ أيّامٍ ؟ الجَوابُ: يَعْنِي في مُدَّةٍ مِقْدارُها هَذِهِ المُدَّةُ لا يُقالُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَتَقَدَّرُ بِمِقْدارٍ مَحْدُودٍ ويَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنُّقْصانَ والتَّجْزِئَةَ لا يَكُونُ عَدَمًا مَحْضًا، بَلْ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، فَيَلْزَمُ مِن وُجُودِهِ وُجُودُ مُدَّةٍ قَبْلَ وُجُودِ العالَمِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي قِدَمَ الزَّمانِ؛ لِأنّا نَقُولُ: هَذا مُعارَضٌ بِنَفْسِ الزَّمانِ؛ لِأنَّ المُدَّةَ المُتَوَهَّمَةَ المُحْتَمَلَةَ لِعَشَرَةِ أيّامٍ لا تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أيّامٍ، والمُدَّةُ المُتَوَهَّمَةُ الَّتِي تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أيّامٍ لا تَحْتَمِلُ عَشَرَةَ أيّامٍ، فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ لِلْمُدَّةِ مُدَّةٌ أُخْرى، فَلَمّا لَمْ يَلْزَمْ هَذا لَمْ يَلْزَمْ ما قُلْتُمُوهُ، وعَلى هَذا نَقُولُ: لَعَلَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ خَلَقَ المُدَّةَ أوَّلًا ثُمَّ السَّماواتِ والأرْضَ فِيها بِمِقْدارِ سِتَّةِ أيّامٍ، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: في سِتَّةِ أيّامٍ مِن أيّامِ الآخِرَةِ، وكُلُّ يَوْمٍ ألْفُ سَنَةٍ، وهو بَعِيدٌ؛ لِأنَّ التَّعْرِيفَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ بِأمْرٍ مَعْلُومٍ، لا بِأمْرٍ مَجْهُولٍ. السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ قَدَّرَ الخَلْقَ والإيجادَ بِهَذا التَّقْدِيرِ ؟ الجَوابُ: أمّا عَلى قَوْلِنا فالمَشِيئَةُ والقُدْرَةُ كافِيَةٌ في التَّخْصِيصِ، قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: بَلْ لا بُدَّ مِن داعِي حِكْمَةٍ، وهو أنَّ تَخْصِيصَ خَلْقِ العالَمِ بِهَذا المِقْدارِ أصْلَحُ لِلْمُكَلَّفِينَ، وهَذا بَعِيدٌ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ حُصُولَ تِلْكَ الحِكْمَةِ إمّا أنْ يَكُونَ واجِبًا لِذاتِهِ، أوْ جائِزًا، فَإنْ كانَ واجِبًا وجَبَ أنْ لا يَتَغَيَّرَ، فَيَكُونُ حاصِلًا في كُلِّ الأزْمِنَةِ، فَلا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَخْصِيصِ زَمانٍ مُعَيَّنٍ، وإنْ كانَ جائِزًا افْتَقَرَ حُصُولُ تِلْكَ الحِكْمَةِ في ذَلِكَ الوَقْتِ إلى مُخَصِّصٍ آخَرَ، ويَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. والثّانِي: أنَّ التَّفاوُتَ بَيْنَ كُلِّ واحِدٍ مِمّا لا يَصِلُ إلَيْهِ خاطِرُ المُكَلَّفِ وعَقْلُهُ، فَحُصُولُ ذَلِكَ التَّفاوُتِ لَمّا لَمْ يَكُنْ مَشْعُورًا بِهِ كَيْفَ يَقْدَحُ في حُصُولِ المَصالِحِ. (p-٩١)واعْلَمْ أنَّهُ يَجِبُ عَلى المُكَلَّفِ سَواءً كانَ عَلى قَوْلِنا، أوْ عَلى قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ أنْ يَقْطَعَ الطَّمَعَ عَنْ أمْثالِ هَذِهِ الأسْئِلَةِ؛ فَإنَّهُ بَحْرٌ لا ساحِلَ لَهُ. مِن ذَلِكَ: تَقْدِيرُ المَلائِكَةِ الَّذِينَ هم أصْحابُ النّارِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ، وحَمَلَةِ العَرْشِ بِالثَّمانِيَةِ، وشُهُورِ السَّنَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، والسَّماواتِ السَّبْعِ وكَذا الأرْضِ، وكَذا القَوْلُ في عَدَدِ الصَّلَواتِ ومَقادِيرِ النُّصُبِ في الزَّكَواتِ، وكَذا مَقادِيرُ الحُدُودِ والكَفّاراتِ، فالإقْرارُ بِأنَّ كُلَّ ما قالَهُ اللَّهُ تَعالى حَقٌّ هو الدِّينُ، وتَرْكُ البَحْثِ عَنْ هَذِهِ الأشْياءِ هو الواجِبُ، وقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿وما جَعَلْنا أصْحابَ النّارِ إلّا مَلائِكَةً وما جَعَلْنا عِدَّتَهم إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ ويَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانًا ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا﴾ [المُدَّثِّرِ: ٣١]، ثم قال: ﴿وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلّا هُوَ﴾ [المُدَّثِّرِ: ٣١] وهَذا هو الجَوابُ أيْضًا في أنَّهُ لَمْ يَخْلُقْها في لَحْظَةٍ، وهو قادِرٌ عَلى ذَلِكَ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ إنَّما خَلَقَها في سِتَّةِ أيّامٍ، وهو يَقْدِرُ عَلى أنْ يَخْلُقَها في لَحْظَةٍ؛ تَعْلِيمًا لِخَلْقِهِ الرِّفْقَ والتَّثَبُّتَ، قِيلَ: تَمَّ خَلْقُها يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَها اللَّهُ تَعالى عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ. السُّؤالُ الثّالِثُ: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ ؟ ولا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى الِاسْتِيلاءِ والقُدْرَةِ؛ لِأنَّ الِاسْتِيلاءَ والقُدْرَةَ في أوْصافِ اللَّهِ لَمْ تَزَلْ، ولا يَصِحُّ دُخُولُ ثُمَّ فِيهِ. والجَوابُ: الِاسْتِقْرارُ غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي التَّغَيُّرَ الَّذِي هو دَلِيلُ الحُدُوثِ، ويَقْتَضِي التَّرْكِيبَ والبَعْضِيَّةَ، وكُلُّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ مُحالٌ، بَلِ المُرادُ ثُمَّ خَلَقَ العَرْشَ ورَفَعَهُ، وهو مُسْتَوْلٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم حَتّى نَعْلَمَ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣١] فَإنَّ المُرادَ حَتّى يُجاهِدَ المُجاهِدُونَ ونَحْنُ بِهِمْ عالِمُونَ، فَإنْ قِيلَ: فَعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ خَلْقُ العَرْشِ بَعْدَ خَلْقِ السَّماواتِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ﴾ [هُودٍ: ٧] قُلْنا: كَلِمَةُ ”ثُمَّ“ ما دَخَلَتْ عَلى خَلْقِ العَرْشِ، بَلْ عَلى رَفْعِهِ عَلى السَّماواتِ. السُّؤالُ الرّابِعُ: كَيْفَ إعْرابُ قَوْلِهِ: ﴿الرَّحْمَنُ فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ ؟ الجَوابُ: ”الَّذِي خَلَقَ“ مُبْتَدَأٌ و”الرَّحْمَنُ“ خَبَرُهُ، أوْ هو صِفَةٌ لِلْحَيِّ، والرَّحْمَنُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ولِهَذا أجازالزَّجّاجُ وغَيْرُهُ أنْ يَكُونَ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ ﴿عَلى العَرْشِ﴾، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالرَّحْمَنِ؛ أيْ: هو الرَّحْمَنُ الَّذِي لا يَنْبَغِي السُّجُودُ والتَّعْظِيمُ إلّا لَهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الرَّحْمَنُ مُبْتَدَأً وخَبَرُهُ قَوْلُهُ: ﴿فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ . السُّؤالُ الخامِسُ: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ ؟ الجَوابُ: ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: أحَدُها: قالَ الكَلْبِيُّ: مَعْناهُ فاسْألْ خَبِيرًا بِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿بِهِ﴾ يَعُودُ إلى ما ذَكَرْنا مِن خَلْقِ السَّماءِ والأرْضِ والِاسْتِواءِ عَلى العَرْشِ، والباءُ مِن صِلَةِ الخَبِيرِ، وذَلِكَ الخَبِيرُ هو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ؛ لِأنَّهُ لا دَلِيلَ في العَقْلِ عَلى كَيْفِيَّةِ خَلْقِ اللَّهِ السَّماواتِ والأرْضَ، فَلا يَعْلَمُها أحَدٌ إلّا اللَّهُ تَعالى، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ ذَلِكَ الخَبِيرَ هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإنَّما قُدِّمَ لِرُءُوسِ الآيِ وحُسْنِ النَّظْمِ. وثانِيها: قالَ الزَّجّاجُ: قَوْلُهُ: ﴿بِهِ﴾ مَعْناهُ عَنْهُ، والمَعْنى: فاسْألْ عَنْهُ خَبِيرًا، وهو قَوْلُ الأخْفَشِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ [ المَعارِجِ: ١]، وقالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ: ؎فَإنْ تَسْألُونِي بِالنِّساءِ فَإنَّنِي بَصِيرٌ بِأدْواءِ النِّساءِ طَبِيبُ وثالِثُها: قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الباءُ في قَوْلِهِ: ﴿بِهِ﴾ صِلَةٌ، والمَعْنى: فَسَلْهُ خَبِيرًا، وخَبِيرًا نُصِبَ عَلى الحالِ. ورابِعُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بِهِ﴾ يَجْرِي مَجْرى القَسَمِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ﴾ [النِّساءِ: ١] . * * * أمّا قَوْلُهُ: ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ فَهو خَبَرٌ عَنْ قَوْمٍ قالُوا هَذا القَوْلَ. (p-٩٢)ويُحْتَمَلُ أنَّهم جَهِلُوا اللَّهَ تَعالى، ويُحْتَمَلُ أنَّهم وإنْ عَرَفُوهُ لَكِنَّهم جَحَدُوهُ، ويُحْتَمَلُ أنَّهم وإنِ اعْتَرَفُوا بِهِ لَكِنَّهم جَهِلُوا أنَّ هَذا الِاسْمَ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، وكَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ عَلى هَذا القَوْلِ الأخِيرِ قالُوا: الرَّحْمَنُ اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ مَذْكُورٌ في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ، والعَرَبُ ما عَرَفُوهُ، قالَ مُقاتِلٌ: «إنَّ أبا جَهْلٍ قالَ: إنَّ الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ شِعْرٌ، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: الشِّعْرُ غَيْرُ هَذا، إنْ هَذا إلّا كَلامُ الرَّحْمَنِ. فَقالَ أبُو جَهْلٍ: بَخٍ بَخٍ، لَعَمْرِي واللَّهِ إنَّهُ لَكَلامُ الرَّحْمَنِ الَّذِي بِاليَمامَةِ هو يُعَلِّمُكَ. فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”الرَّحْمَنُ الَّذِي هو إلَهُ السَّماءِ ومِن عِنْدِهِ يَأْتِينِي الوَحْيُ“، فَقالَ: يا آلَ غالِبٍ، مَن يَعْذِرُنِي مِن مُحَمَّدٍ، يَزْعُمُ أنَّ اللَّهَ واحِدٌ، وهو يَقُولُ: اللَّهُ يُعَلِّمُنِي والرَّحْمَنُ، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُما إلَهانِ. ثم قال: رَبُّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الأشْياءَ، أمّا الرَّحْمَنُ فَهو مُسَيْلِمَةُ» . قالَ القاضِي: والأقْرَبُ أنَّ المُرادَ إنْكارُهم لِلَّهِ، لا لِلِاسْمِ؛ لِأنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَرَبِيَّةٌ، وهم كانُوا يَعْلَمُونَ أنَّها تُفِيدُ المُبالَغَةَ في الإنْعامِ، ثُمَّ إنْ قُلْنا بِأنَّهم كانُوا مُنْكِرِينَ لِلَّهِ كانَ قَوْلُهم: ﴿وما الرَّحْمَنُ﴾ سُؤالَ طالِبٍ عَنِ الحَقِيقَةِ، وهو يَجْرِي مَجْرى قَوْلِ فِرْعَوْنَ: ﴿وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٢٣]، وإنْ قُلْنا بِأنَّهم كانُوا مُقِرِّينَ بِاللَّهِ، لَكِنَّهم جَهِلُوا كَوْنَهُ تَعالى مُسَمًّى بِهَذا الِاسْمِ كانَ قَوْلُهم ﴿وما الرَّحْمَنُ﴾ سُؤالًا عَنِ الِاسْمِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿أنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا﴾ فالمَعْنى لِلَّذِي تَأْمُرُنا بِسُجُودِهِ عَلى قَوْلِهِ: أمَرْتُكَ بِالخَيْرِ، أوْ لِأمْرِكَ لَنا، وقُرِئَ: ”يَأْمُرُنا“ بِالياءِ، كَأنَّ بَعْضَهم قالَ لِبَعْضٍ: أنَسْجُدُ لِما يَأْمُرُنا مُحَمَّدٌ، أوْ يَأْمُرُنا المُسَمّى بِالرَّحْمَنِ، ولا نَعْرِفُ ما هو، وزادَهم أمْرُهُ نُفُورًا، ومِن حَقِّهِ أنْ يَكُونَ باعِثًا عَلى الفِعْلِ والقَبُولِ. قالَ الضَّحّاكُ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ وعُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ وعَمْرُو بْنُ عَنْبَسَةَ، ولَمّا رَآهُمُ المُشْرِكُونَ يَسْجُدُونَ تَباعَدُوا في ناحِيَةِ المَسْجِدِ مُسْتَهْزِئِينَ. فَهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿تَأْمُرُنا وزادَهم نُفُورًا﴾ أيْ: فَزادَهم سُجُودُهم نُفُورًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب