الباحث القرآني
(p-١٠٢)﴿قُلْ رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ ﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ ﴿وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ﴾ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ ﴿عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿قُلْ رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ ﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ ﴿وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ﴾ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ ادَّعى أمْرَيْنِ، أحَدُهُما قَوْلُهُ: ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ﴾ وهو كالتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ ذَلِكَ مِن قَوْلِ هَؤُلاءِ الكُفّارِ، فَإنَّ جَمْعًا مِنهم كانُوا يَقُولُونَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ﴾ وهو قَوْلُهم بِاتِّخاذِ الأصْنامِ آلِهَةً، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ إبْطالَ قَوْلِ النَّصارى والثَّنَوِيَّةِ، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى ذَكَرَ الدَّلِيلَ المُعْتَمَدَ بِقَوْلِهِ: ﴿إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ والمَعْنى لانْفَرَدَ عَلى [ذَلِكَ] كُلُّ واحِدٍ مِنَ الآلِهَةِ بِخَلْقِهِ الَّذِي خَلَقَهُ واسْتَبَدَّ بِهِ، ولَرَأيْتُمْ مُلْكَ كُلِّ واحِدٍ مِنهم مُتَمَيِّزًا عَنْ مُلْكِ الآخَرِ، ولَغَلَبَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ، كَما تَرَوْنَ حالَ مُلُوكِ الدُّنْيا؛ مَمالِكُهم مُتَمَيِّزَةٌ وهم مُتَغالِبُونَ، وحَيْثُ لَمْ تَرَوْا أثَرَ التَّمايُزِ في المَمالِكِ والتَّغالُبِ، فاعْلَمُوا أنَّهُ إلَهٌ واحِدٌ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ. فَإنْ قِيلَ: ”إذًا“ لا يَدْخُلُ إلّا عَلى كَلامٍ هو جَزاءٌ وجَوابٌ، فَكَيْفَ وقَعَ قَوْلُهُ: (لَذَهَبَ) جَزاءً وجَوابًا؟ ولَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَرْطٌ ولا سُؤالُ سائِلٍ؟ قُلْنا: الشَّرْطُ مَحْذُوفٌ، وتَقْدِيرُهُ ولَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، وإنَّما حُذِفَ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ﴾ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ مِن إثْباتِ الوَلَدِ والشَّرِيكِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ فَقُرِئَ بِالجَرِّ صِفَةً لِلَّهِ، وبِالرَّفْعِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والمَعْنى أنَّهُ سُبْحانَهُ هو المُخْتَصُّ بِعِلْمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، فَغَيْرُهُ وإنْ عَلِمَ الشَّهادَةَ فَلَنْ يَعْلَمَ مَعَها الغَيْبَ، والشَّهادَةُ الَّتِي يَعْلَمُها لا يَتَكامَلُ بِها النَّفْعُ إلّا مَعَ العِلْمِ بِالغَيْبِ، وذَلِكَ كالوَعِيدِ لَهُمْ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ثُمَّ أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِالِانْقِطاعِ إلَيْهِ وأنْ يَدْعُوَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ ﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ما والنُّونُ مُؤَكِّدَتانِ، أيْ: إنْ كانَ ولا بُدَّ مِن أنْ تُرِيَنِّي ما تَعِدُهم مِنَ العَذابِ في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ، فَلا تَجْعَلْنِي قَرِينًا لَهم ولا تُعَذِّبْنِي بِعَذابِهِمْ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ نَبِيَّهُ المَعْصُومَ مَعَ الظّالِمِينَ حَتّى يَطْلُبَ أنْ لا يَجْعَلَهُ مَعَهُمْ؟ قُلْنا: يَجُوزُ أنْ يَسْألَ العَبْدُ رَبَّهُ ما عَلِمَ أنَّهُ يَفْعَلُهُ، وأنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِمّا عَلِمَ أنَّهُ لا يَفْعَلُهُ؛ إظْهارًا لِلْعُبُودِيَّةِ وتَواضُعًا لِرَبِّهِ. وما أحْسَنَ قَوْلَ الحَسَنِ في قَوْلِ الصِّدِّيقِ: وُلِّيتُكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، مَعَ أنَّهُ كانَ يَعْلَمُ أنَّهُ خَيْرُهُمْ، ولَكِنَّ المُؤْمِنَ يَهْضِمُ نَفْسَهُ. وإنَّما ذَكَرَ ”رَبِّ“ مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً قَبْلَ الشَّرْطِ ومَرَّةً قَبْلَ الجَزاءِ مُبالَغَةً في التَّضَرُّعِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ، أحَدُهُما: أنَّهم كانُوا يُنْكِرُونَ الوَعْدَ بِالعَذابِ ويَضْحَكُونَ مِنهُ، فَقِيلَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى إنْجازِ ما وعَدَ. ويَحْتَمِلُ عَذابًا في الدُّنْيا مُؤَخَّرًا (p-١٠٣)عَنْ أيّامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلِذَلِكَ قالَ بَعْضُهُمْ: هو في أهْلِ البَغْيِ، وبَعْضُهم: في الكُفّارِ الَّذِينَ قُوتِلُوا بَعْدَ الرَّسُولِ ﷺ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ عَذابُ الآخِرَةِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ﴾ فالمُرادُ مِنهُ أنَّ الأوْلى بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يُعامِلَ بِهِ الكُفّارَ، فَأُمِرَ بِاحْتِمالِ ما يَكُونُ مِنهم مَنِ التَّكْذِيبِ وضُرُوبِ الأذى، وأنْ يَدْفَعَهُ بِالكَلامِ الجَمِيلِ كالسَّلامِ وبَيانِ الأدِلَّةِ عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ، وبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ أعْلَمُ بِحالِهِمْ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا لَمْ يَقْطَعْ نِعَمَهُ عَنْهُمْ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هو عَلَيْهِ السَّلامُ مُواظِبًا عَلى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَوْلُهُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ أبْلَغُ مِن أنْ يُقالَ: بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، لِما فِيهِ مِنَ التَّفْضِيلِ، والمَعْنى الصَّفْحُ عَنْ إساءَتِهِمْ، ومُقابَلَتُها بِما أمْكَنَ مِنَ الإحْسانِ، حَتّى إذا اجْتَمَعَ الصَّفْحُ والإحْسانُ وبَذْلَ الطّاقَةِ فِيهِ، كانَتْ حَسَنَةً مُضاعَفَةً بِإزاءِ السَّيِّئَةِ. وقِيلَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وقِيلَ: مُحْكَمَةٌ؛ لِأنَّ المُداراةَ مَحْثُوثٌ عَلَيْها ما لَمْ تُؤَدِّ إلى نُقْصانِ دِينٍ أوْ مُرُوءَةٍ.
{"ayahs_start":91,"ayahs":["مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدࣲ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَـٰهٍۚ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهِۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ","عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ","قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِیَنِّی مَا یُوعَدُونَ","رَبِّ فَلَا تَجۡعَلۡنِی فِی ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَإِنَّا عَلَىٰۤ أَن نُّرِیَكَ مَا نَعِدُهُمۡ لَقَـٰدِرُونَ","ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ ٱلسَّیِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَصِفُونَ"],"ayah":"وَإِنَّا عَلَىٰۤ أَن نُّرِیَكَ مَا نَعِدُهُمۡ لَقَـٰدِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق