الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الأوَّلُونَ﴾ ﴿قالُوا أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ﴿لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وآباؤُنا هَذا مِن قَبْلُ إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا أوْضَحَ القَوْلَ في دَلائِلِ التَّوْحِيدِ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ المَعادِ فَقالَ: ﴿بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الأوَّلُونَ﴾ في إنْكارِ البَعْثِ مَعَ وُضُوحِ الدَّلائِلِ، ونَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّهم إنَّما أنْكَرُوا ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِلْأوَّلِينَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى فَسادِ القَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ حَكى الشُّبْهَةَ عَنْهم مِن وجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: قَوْلُهُمْ: ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ وهو مَشْهُورٌ.
وثانِيهُما: قَوْلُهُمْ: ﴿لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وآباؤُنا هَذا مِن قَبْلُ﴾ كَأنَّهم قالُوا: إنَّ هَذا الوَعْدَ كَما وقَعَ مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَدْ وقَعَ قَدِيمًا مِنَ الأنْبِياءِ، ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ مَعَ طُولِ العَهْدِ، فَظَنُّوا أنَّ الإعادَةَ (p-١٠١)تَكُونُ في دارِ الدُّنْيا، ثُمَّ قالُوا: لَمّا كانَ كَذَلِكَ فَهو مِن أساطِيرِ الأوَّلِينَ، والأساطِيرُ جَمْعُ أسْطارٍ، والأسْطارُ جَمْعُ سَطْرٍ؛ أيْ: ما كَتَبَهُ الأوَّلُونَ مِمّا لا حَقِيقَةَ لَهُ، وجَمْعُ أُسْطُورَةٍ أوْفَقُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ ﴿بَلْ أتَيْناهم بِالحَقِّ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآياتِ الرَّدَّ عَلى مُنْكِرِي الإعادَةِ، وأنْ يَكُونَ المَقْصُودُ الرَّدَّ عَلى عَبَدَةِ الأوْثانِ، وذَلِكَ لِأنَّ القَوْمَ كانُوا مُقِرِّينَ بِاللَّهِ تَعالى، فَقالُوا: نَعْبُدُ الأصْنامَ لِتُقَرِّبَنا إلى اللَّهِ زُلْفى، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأُمُورٍ ثَلاثَةٍ.
أحَدُها: قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها﴾ ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلى الإعادَةِ أنَّهُ تَعالى لَمّا كانَ خالِقًا لِلْأرْضِ ولِمَن فِيها مِنَ الأحْياءِ، وخالِقًا لِحَياتِهِمْ وقُدْرَتِهِمْ وغَيْرِها، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى أنْ يُعِيدَهم بَعْدَ أنْ أفْناهم. ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلى نَفْيِ عِبادَةِ الأوْثانِ، مِن حَيْثُ إنَّ عِبادَةَ مَن خَلَقَكم وخَلَقَ الأرْضَ وكُلَّ ما فِيها مِنَ النِّعَمِ هي الواجِبَةُ دُونَ عِبادَةِ ما لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ، وقَوْلُهُ: ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ مَعْناهُ التَّرْغِيبُ في التَّدَبُّرِ لِيَعْلَمُوا بُطْلانَ ما هم عَلَيْهِ.
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ عَلى الأمْرَيْنِ كَما تَقَدَّمَ، وإنَّما قالَ: ﴿أفَلا تَتَّقُونَ﴾ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ اتِّقاءَ عَذابِ اللَّهِ لا يَحْصُلُ إلّا بِتَرْكِ عِبادَةِ الأوْثانِ والِاعْتِرافِ بِجَوازِ الإعادَةِ.
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ الأرْضَ أوَّلًا والسَّماءَ ثانِيًا عَمَّمَ الحُكْمَ هاهُنا، فَقالَ: مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، ويَدْخُلُ في المَلَكُوتِ المُلْكُ والمِلْكُ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ﴾ يُقالُ: أجَرْتُ فُلانًا عَلى فُلانٍ: إذا أغَثْتَهُ مِنهُ ومَنَعْتَهُ. يَعْنِي وهو يُغِيثُ مَن يَشاءُ مِمَّنْ يَشاءُ، ولا يُغِيثُ أحَدٌ مِنهُ أحَدًا.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ فالمَعْنى أنّى تُخْدَعُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ وطاعَتِهِ، والخادِعُ هو الشَّيْطانُ والهَوى. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ أتَيْناهم بِالحَقِّ﴾ أنَّهُ قَدْ بالَغَ في الحِجِاجِ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الآياتِ وغَيْرِها وهم مَعَ ذَلِكَ كاذِبُونَ، وذَلِكَ كالتَّوَعُّدِ والتَّهْدِيدِ، وقُرِئَ (أتَيْتُهُمْ) و(أتَيْتَهُمْ) بِالضَّمِّ والفَتْحِ. وهاهُنا سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: قُرِئَ (قُلْ لِلَّهِ) في الجَوابِ الأوَّلِ بِاللّامِ لا غَيْرُ، وقُرِئَ (اللَّهُ) في الأخِيرَيْنِ بِغَيْرِ اللّامِ في مَصاحِفِ أهْلِ الحَرَمَيْنِ والكُوفَةِ والشّامِ، وبِاللّامِ في مَصاحِفِ أهْلِ البَصْرَةِ، فَما الفَرْقُ؟ الجَوابُ: لا فَرْقَ في المَعْنى؛ لِأنَّ قَوْلَكَ: مَن رَبُّهُ، ولِمَن هُوَ؟ في مَعْنًى واحِدٍ.
السُّؤالُ الثّانِي: كَيْفَ قالَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ثُمَّ حَكى عَنْهم (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) وفِيهِ تَناقُضٌ؟ الجَوابُ: لا تَناقُضَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا يَنْفِي عِلْمَهم بِذَلِكَ. وقَدْ يُقالُ مِثْلُ ذَلِكَ في الحِجاجِ عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ لِعِلْمِهِمْ والبَعْثِ عَلى اعْتِرافِهِمْ بِما يُورِدُ مِن ذَلِكَ.
{"ayahs_start":81,"ayahs":["بَلۡ قَالُوا۟ مِثۡلَ مَا قَالَ ٱلۡأَوَّلُونَ","قَالُوۤا۟ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ","لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَاۤؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهَاۤ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ","قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ","سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ","قُلۡ مَنۢ بِیَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَیۡءࣲ وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ","بَلۡ أَتَیۡنَـٰهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"],"ayah":"سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











