الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنسَكًا هم ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ في الأمْرِ وادْعُ إلى رَبِّكَ إنَّكَ لَعَلى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿وإنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَدَّمَ ذِكْرَ نِعَمِهِ وبَيَّنَ أنَّهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ بِعِبادِهِ وإنْ كانَ مِنهم مَن يَكْفُرُ ولا يَشْكُرُ، أتْبَعَهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ بِما كَلَّفَ فَقالَ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنسَكًا هم ناسِكُوهُ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: إنَّما حَذَفَ الواوَ في قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ لِأنَّهُ لا تَعَلُّقَ لِهَذا الكَلامِ بِما قَبْلَهُ، فَلا جَرَمَ حَذَفَ العاطِفَ.
المسألة الثّانِيَةُ: في المَنسَكِ أقْوالٌ: أحَدُها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ عِيدً[ا] يَذْبَحُونَ فِيهِ. وثانِيها: قُرْبانًا ولَفْظُ (p-٥٧)المَنسَكِ مُخْتَصٌّ بِالذَّبائِحِ عَنْ مُجاهِدٍ. وثالِثُها: مَأْلَفًا يَأْلَفُونَهُ إمّا مَكانًا مُعَيَّنًا أوْ زَمانًا مُعَيَّنًا لِأداءِ الطّاعاتِ. ورابِعُها: المَنسَكُ هو الشَّرِيعَةُ والمِنهاجُ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ واخْتِيارُ القَفّالِ وهو الأقْرَبُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] ولِأنَّ المَنسَكَ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّسُكِ وهو العِبادَةُ، وإذا وقَعَ الِاسْمُ عَلى كُلِّ عِبادَةٍ فَلا وجْهَ لِلتَّخْصِيصِ. فَإنْ قِيلَ: هَلّا حَمَلْتُمُوهُ عَلى الذَّبْحِ لِأنَّ المَنسَكَ في العُرْفِ لا يُفْهَمُ مِنهُ إلّا الذَّبْحُ ؟ وهَلّا حَمَلْتُمُوهُ عَلى مَوْضِعِ العِبادَةِ أوْ عَلى وقْتِها ؟ الجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: لا نُسَلِّمُ أنَّ المَنسَكَ في العُرْفِ مَخْصُوصٌ بِالذَّبْحِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ سائِرَ ما يُفْعَلُ في الحَجِّ يُوصَفُ بِأنَّهُ مَناسِكُ ولِأجْلِهِ قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكم»، وعَنِ الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿هم ناسِكُوهُ﴾ ألْيَقُ بِالعِبادَةِ مِنهُ بِالوَقْتِ والمَكانِ.
المسألة الثّالِثَةُ: زَعَمَ قَوْمٌ أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿هم ناسِكُوهُ﴾ مَن كانَ في زَمَنِ الرَّسُولِ ﷺ مُتَمَسِّكًا بِشَرْعٍ كاليَهُودِ والنَّصارى، ولا يَمْتَنِعُ أنْ يُرِيدَ كُلَّ مَن تَعَبَّدَ مِنَ الأُمَمِ سَواءٌ بَقِيَتْ آثارُهم أوْ لَمْ تَبْقَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿هم ناسِكُوهُ﴾ كالوَصْفِ لِلْأُمَمِ وإنْ لَمْ يَعْبُدُوا في الحالِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا يُنازِعُنَّكَ في الأمْرِ﴾ فَقُرِئَ ”فَلا يَنْزِعُنَّكَ“ أيِ اثْبُتْ في دِينِكَ ثَباتًا لا يَطْمَعُونَ أنْ يَخْدَعُوكَ لِيُزِيلُوكَ عَنْهُ. وأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَلا يُنازِعُنَّكَ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ: أنَّهُ نُهِيَ لَهم عَنْ مُنازَعَتِهِمْ، كَما تَقُولُ لا يُضارِبَنَّكَ فُلانٌ أيْ لا تُضارِبْهُ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ أنَّ عَلَيْهِمُ اتِّباعَكَ وتَرْكَ مُخالَفَتِكَ، وقَدِ اسْتَقَرَّ الأمْرُ الآنَ عَلى شَرْعِكَ وعَلى أنَّهُ ناسِخٌ لِكُلِّ ما عَداهُ. فَكَأنَّهُ تَعالى نَهى كُلَّ أُمَّةٍ بَقِيَتْ مِنها بَقِيَّةٌ أنْ تَسْتَمِرَّ عَلى تِلْكَ العادَةِ، وألْزَمَها أنْ تَتَحَوَّلَ إلى اتِّباعِ الرَّسُولِ ﷺ فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿وادْعُ إلى رَبِّكَ﴾ أيْ لا تَخُصَّ بِالدُّعاءِ أُمَّةً دُونَ أُمَّةٍ فَكُلُّهم أُمَّتُكَ فادْعُهم إلى شَرِيعَتِكَ فَإنَّكَ عَلى هُدًى مُسْتَقِيمٍ، والهُدى يَحْتَمِلُ نَفْسَ الدِّينِ ويَحْتَمِلُ أدِلَّةَ الدِّينِ وهو أوْلى. كَأنَّهُ قالَ: ادْعُهم إلى هَذا الدِّينِ فَإنَّكَ مِن حَيْثُ الدَّلالَةِ عَلى طَرِيقَةٍ واضِحَةٍ ولِهَذا قالَ: ﴿وإنْ جادَلُوكَ﴾ والمَعْنى فَإنْ عَدَلُوا عَنِ النَّظَرِ في هَذِهِ الأدِلَّةِ إلى طَرِيقَةِ المِراءِ والتَّمَسُّكِ بِالعادَةِ فَقَدْ بَيَّنْتَ وأظْهَرْتَ ما يَلْزَمُكَ ﴿فَقُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ لِأنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ إيضاحِ الأدِلَّةِ إلّا هَذا الجِنْسُ الَّذِي يَجْرِي مَجْرى الوَعِيدِ والتَّحْذِيرِ مِن حُكْمِ يَوْمِ القِيامَةِ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بَيْنَ جَنَّةٍ وثَوابٍ لِمَن قَبِلَ، وبَيْنَ نارٍ وعِقابٍ لِمَن رَدَّ وأنْكَرَ. فَقالَ: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ فَتَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["لِّكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا یُنَـٰزِعُنَّكَ فِی ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدࣰى مُّسۡتَقِیمࣲ","وَإِن جَـٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ","ٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ","أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ فِی كِتَـٰبٍۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ"],"ayah":"ٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق