الباحث القرآني

ثُمَّ إنَّهُ (p-١٠)سُبْحانَهُ لَمّا قَرَّرَ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ رَتَّبَ عَلَيْهِما ما هو المَطْلُوبُ والنَّتِيجَةُ وذَكَرَ أُمُورًا خَمْسَةً: أحَدُها: قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾ والحَقُّ هو المَوْجُودُ الثّابِتُ، فَكَأنَّهُ سُبْحانَهُ بَيَّنَ أنَّ هَذِهِ الوُجُوهَ دالَّةٌ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ وحاصِلُها راجِعٌ إلى أنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الأمْراضِ المُتَنافِيَةِ وتَوارُدَها عَلى الأجْسامِ يَدُلُّ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ. وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنَّهُ يُحْيِي المَوْتى﴾ فَهَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لَمّا لَمْ يُسْتَبْعَدْ مِنَ الإلَهِ إيجادُ هَذِهِ الأشْياءِ فَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ مِنهُ إعادَةُ الأمْواتِ ؟ وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿وأنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يَعْنِي أنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنهُ إيجادُ هَذِهِ الأشْياءِ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ واجِبَ الإنْصافِ لِذاتِهِ بِالقُدْرَةِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ كانَ قادِرًا عَلى جَمِيعِ المُمْكِناتِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ فَإنَّهُ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى الإعادَةِ. ورابِعُها: قَوْلُهُ: ﴿وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ﴾ والمَعْنى أنَّهُ لَمّا أقامَ الدَّلائِلَ عَلى أنَّ الإعادَةَ في نَفْسِها مُمْكِنَةٌ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ وجَبَ القَطْعُ بِكَوْنِهِ قادِرًا عَلى الإعادَةِ في نَفْسِها وإذا ثَبَتَ الإمْكانُ والصّادِقُ أخْبَرَ عَنْ وُقُوعِهِ، فَلا بُدَّ مِنَ القَطْعِ بِوُقُوعِهِ، واعْلَمْ أنَّ تَحْرِيرَ هَذِهِ الدَّلالَةِ عَلى الوجه النَّظَرِيِّ أنْ يُقالَ: الإعادَةُ في نَفْسِها مُمْكِنَةٌ، والصّادِقُ أخْبَرَ عَنْ وُقُوعِها فَلا بُدَّ مِنَ القَطْعِ بِوُقُوعِها، أمّا بَيانُ الإمْكانِ فالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ هَذِهِ الأجْسامَ بَعْدَ تَفَرُّقِها قابِلَةٌ لِتِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي كانَتْ قائِمَةً بِها حالَ كَوْنِها حَيَّةً عاقِلَةً، والبارِئُ سُبْحانَهُ عالِمٌ بِكُلِّ المَعْلُوماتِ قادِرٌ عَلى كُلِّ المَقْدُوراتِ المُمْكِنَةِ وذَلِكَ يَقْتَضِي القَطْعَ بِإمْكانِ الإعادَةِ لِما قُلْنا: إنَّ تِلْكَ الأجْسامَ بَعْدَ تَفَرُّقِها قابِلَةٌ لِتِلْكَ الصِّفاتِ؛ لِأنَّها لَوْ لَمْ تَكُنْ قابِلَةً لَها في وقْتٍ لَما كانَتْ قابِلَةً لَها في شَيْءٍ مِنَ الأوْقاتِ لِأنَّ الأُمُورَ الذّاتِيَّةَ لا تَزُولُ، ولَوْ لَمْ تَكُنْ قابِلَةً لَها في شَيْءٍ مِنَ الأوْقاتِ لَما كانَتْ حَيَّةً عاقِلَةً في شَيْءٍ مِنَ الأوْقاتِ، لَكِنَّها كانَتْ حَيَّةً عاقِلَةً فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ قابِلَةً أبَدًا لِهَذِهِ الصِّفاتِ. وأمّا أنَّ البارِئَ سُبْحانَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ المُمْكِنِ فَلِأنَّهُ سُبْحانَهُ عالِمٌ بِكُلِّ المَعْلُوماتِ فَيَكُونُ عالِمًا بِأجْزاءِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُكَلَّفِينَ عَلى التَّعْيِينِ وقادِرًا عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ، فَيَكُونُ قادِرًا عَلى إيجادِ تِلْكَ الصِّفاتِ في تِلْكَ الذَّواتِ. فَثَبَتَ أنَّ الإعادَةَ في نَفْسِها مُمْكِنَةٌ وأنَّهُ سُبْحانَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ المُمْكِنِ. فَثَبَتَ أنَّ الإعادَةَ مُمْكِنَةٌ في نَفْسِها. فَإذا أخْبَرَ الصّادِقُ عَنْ وُقُوعِها فَلا بُدَّ مِنَ القَطْعِ بِوُقُوعِها، فَهَذا هو الكَلامُ في تَقْرِيرِ هَذا الأصْلِ. فَإنْ قِيلَ: فَأيُّ مَنفَعَةٍ لِذِكْرِ مَراتِبِ خِلْقَةِ الحَيَواناتِ وخِلْقَةِ النَّباتِ في هَذِهِ الدَّلالَةِ ؟ قُلْنا: إنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ وعالِمٌ بِكُلِّ المَعْلُوماتِ، ومَتى صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ كَوْنُ الإعادَةِ مُمْكِنَةً، فَإنَّ الخَصْمَ لا يُنْكِرُ المَعادَ إلّا بِناءً عَلى إنْكارِ أحَدِ هَذَيْنِ الأصْلَيْنِ، ولِذَلِكَ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى حَيْثُ أقامَ الدَّلالَةَ عَلى البَعْثِ في كِتابِهِ ذَكَرَ مَعَهُ كَوْنَهُ قادِرًا عالِمًا كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٩] فَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أنْشَأها﴾ بَيانٌ لِلْقُدْرَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ بَيانٌ لِلْعِلْمِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب