الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ لِلرَّسُولِ ﷺ أنَّهُ يَجِبُ أنْ يَقُولَ لَهم: أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ أرْدَفَ ذَلِكَ بِأنْ أمَرَهُ بِوَعْدِهِمْ ووَعِيدِهِمْ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ إنَّما يَكُونُ مُنْذِرًا بِذِكْرِ الوَعْدِ لِلْمُطِيعِينَ والوَعِيدِ لِلْعاصِينَ. فَقالَ: والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَجَمَعَ بَيْنَ الوَصْفَيْنِ، وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ العَمَلَ الصّالِحَ خارِجٌ عَنْ مُسَمّى الإيمانِ وبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ (p-٤٢)المُعْتَزِلَةِ، ويَدْخُلُ في الإيمانِ كُلُّ ما يَجِبُ مِنَ الِاعْتِقادِ بِالقَلْبِ والإقْرارِ بِاللِّسانِ، ويَدْخُلُ في العَمَلِ الصّالِحِ أداءُ كُلِّ واجِبٍ وتَرْكُ كُلِّ مَحْظُورٍ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ مَن جَمَعَ بَيْنَهُما فاللَّهُ تَعالى يَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ المَغْفِرَةِ والرِّزْقِ الكَرِيمِ. أمّا المَغْفِرَةُ فَإمّا أنْ تَكُونَ عِبارَةً عَنْ غُفْرانِ الصَّغائِرِ، أوْ عَنْ غُفْرانِ الكَبائِرِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، أوْ عَنْ غُفْرانِها قَبْلَ التَّوْبَةِ، والأوَّلانِ واجِبانِ عِنْدَ الخَصْمِ، وأداءُ الواجِبِ لا يُسَمّى غُفْرانًا، فَبَقِيَ الثّالِثُ: وهو دَلالَتُهُ عَلى العَفْوِ عَنْ أصْحابِ الكَبائِرِ مِن أهْلِ القِبْلَةِ. وأمّا الرِّزْقُ الكَرِيمُ فَهو إشارَةٌ إلى الثَّوابِ، وكَرَمُهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلصِّفاتِ السَّلْبِيَّةِ، وهو أنَّ الإنْسانَ هُناكَ يَسْتَغْنِي عَنِ المَكاسِبِ وتَحَمُّلِ المَشاقِّ والذُّلِّ فِيها وارْتِكابِ المَآثِمِ والدَّناءَةِ بِسَبَبِها، وأنْ يَكُونَ لِلصِّفاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، وهو أنْ يَكُونَ رِزْقًا كَثِيرًا دائِمًا خالِصًا عَنْ شَوائِبِ الضَّرَرِ، مَقْرُونًا بِالتَّعْظِيمِ والتَّبْجِيلِ. والأوْلى جَعْلُ الكَرِيمِ دالًّا عَلى كُلِّ هَذِهِ الصِّفاتِ، فَهَذا شَرْحُ حالِ المُؤْمِنِينَ. وأمّا حالُ الكُفّارِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ﴾ والمُرادُ اجْتَهَدُوا في رَدِّها والتَّكْذِيبِ بِها حَيْثُ سَمَّوْها سِحْرًا وشِعْرًا وأساطِيرَ الأوَّلِينَ، ويُقالُ لِمَن بَذَلَ جُهْدَهُ في أمْرٍ: إنَّهُ سَعى فِيهِ تَوَسُّعًا مِن حَيْثُ بَلَغَ في بَذْلِ الجُهْدِ النِّهايَةَ، كَما إذا بَلَغَ الماشِي نِهايَةَ طاقَتِهِ فَيُقالُ لَهُ: سَعى، وذَكَرَ الآياتِ وأرادَ التَّكْذِيبَ بِها مَجازًا. قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: يُقالُ سَعى في أمْرِ فُلانٍ إذا أصْلَحَهُ أوْ أفْسَدَهُ بِسَعْيِهِ، أمّا المُعاجِزُ فَيُقالُ: عاجَزْتُهُ، أيْ طَمِعْتُ في إعْجازِهِ، واخْتَلَفُوا في المُرادِ، هَلْ مُعاجِزِينَ لِلَّهِ أوْ لِلرَّسُولِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ؟ والأقْرَبُ هو الثّانِي؛ لِأنَّهم إنْ أنْكَرُوا اللَّهَ اسْتَحالَ مِنهم أنْ يَطْمَعُوا في إعْجازِهِ وإنْ أثْبَتُوهُ فَيَبْعُدُ أنْ يَعْتَقِدُوا أنَّهم يُعْجِزُونَهُ ويَغْلِبُونَهُ، ويَصِحُّ مِنهم أنْ يَظُنُّوا ذَلِكَ في الرَّسُولِ بِالحِيَلِ والمَكايِدِ. أمّا الَّذِينَ قالُوا: المُرادُ مُعاجِزِينَ لِلَّهِ، فَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا:
أحَدُها: المُرادُ بِمُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ مُفَوِّتِينَ لِرَبِّهِمْ مِن عَذابِهِمْ وحِسابِهِمْ حَيْثُ جَحَدُوا البَعْثَ. وثانِيها: أنَّهم يُثَبِّطُونَ غَيْرَهم عَنِ التَّصْدِيقِ بِاللَّهِ ويُثَبِّطُونَهم بِسَبَبِ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ. وثالِثُها: يُعْجِزُونَ اللَّهَ بِإدْخالِ الشُّبَهِ في قُلُوبِ النّاسِ، والجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: أنَّ مَن جَحَدَ أصْلَ الشَّيْءِ لا يُوصَفُ بِأنَّهُ مُغالِبٌ لِمَن يَفْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، ومَن تَأوَّلَ الآيَةَ عَلى ذَلِكَ فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ أنَّهم ظَنُّوا مُغالَبَةَ الرَّسُولِ ﷺ فِيما كانَ يَقُولُهُ مِن أمْرِ الحَشْرِ والنَّشْرِ. والجَوابُ عَنِ الثّانِي والثّالِثِ: أنَّ المُغالَبَةَ في الحَقِيقَةِ تَرْجِعُ إلى الرَّسُولِ والأُمَّةِ، لا إلى اللَّهِ تَعالى.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ فالمُرادُ أنَّهم يَدُومُونَ فِيها وشَبَّهَهم مِن حَيْثُ الدَّوامِ بِالصّاحِبِ، فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في هَذِهِ الآيَةِ بَشَّرَ المُؤْمِنِينَ أوَّلًا وأنْذَرَ الكافِرِينَ ثانِيًا، فَكانَ القِياسُ أنْ يُقالَ: قُلْ يا أيُّها النّاسُ إنَّما أنا لَكم بَشِيرٌ ونَذِيرٌ، قُلْنا: الكَلامُ مَسُوقٌ إلى المُشْرِكِينَ، ويا أيُّها النّاسُ نِداءٌ لَهم، وهُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ [غافر: ٨٢] ووُصِفُوا بِالِاسْتِعْجالِ، وإنَّما ألْقى ذِكْرَ المُؤْمِنِينَ وثَوابِهِمْ في البَيْنِ زِيادَةً لِغَيْظِهِمْ وإيذائِهِمْ.
{"ayahs_start":50,"ayahs":["فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ سَعَوۡا۟ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِینَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ سَعَوۡا۟ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِینَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











