الباحث القرآني
أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
(p-٣٩)المسألة الأُولى: قالَ بَعْضُهم: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَكَأيِّنْ﴾ فَكَمْ عَلى وجْهِ التَّكْثِيرِ، وقِيلَ أيْضًا مَعْناهُ، ورُبَّ قَرْيَةٍ والأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّهُ أوْكَدُ في الزَّجْرِ، فَكَأنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ حالَ قَوْمٍ مِنَ المُكَذِّبِينَ وأنَّهُ عَجَّلَ إهْلاكَهم أتْبَعَهُ بِما دَلَّ عَلى أنَّ لِذَلِكَ أمْثالًا وإنْ لَمْ يُذْكَرْ مُفَصَّلًا.
المسألة الثّانِيَةُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأهْلُ الكُوفَةِ والمَدِينَةِ ”أهْلَكْناها“ بِالنُّونِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ويَعْقُوبُ: ”أهْلَكْتُها“ وهو اخْتِيارُ أبِي عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ في الآيَةِ الأُولى ﴿فَأمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أخَذْتُهُمْ﴾ .
المسألة الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿أهْلَكْناها﴾ أيْ أهْلَها ودَلَّ بِقَوْلِهِ: وهي ظالِمَةٌ عَلى ما ذَكَرْنا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ إهْلاكَ نَفْسِ القَرْيَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ إهْلاكِها إهْلاكُ مَن فِيها؛ لِأنَّ العَذابَ النّازِلَ إذا بَلَغَ أنْ يُهْلِكَ القَرْيَةَ فَتَصِيرَ مُنْهَدِمَةً حَصَلَ بِهَلاكِها هَلاكُ مَن فِيها وإنْ كانَ الأوَّلُ أقْرَبَ.
أمّا قَوْلُهُ وهي: ﴿خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ فَفِيهِ سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: ما مَعْنى هَذِهِ اللَّفْظَةِ ؟ فَقالَ صاحِبُ الكَشّافِ: كُلُّ مُرْتَفِعٍ أظَلَّكَ مِن سَقْفِ بَيْتٍ أوْ خَيْمَةٍ أوْ ظُلَّةٍ فَهو عَرْشٌ، والخاوِي السّاقِطُ مِن خَوِيَ النَّجْمُ إذا سَقَطَ، أوِ الخالِي مِن خَوِيَ المَنزِلُ إذا خَلا مِن أهْلِهِ، فَإنْ فَسَّرْنا الخاوِيَ بِالسّاقِطِ، كانَ المَعْنى أنَّها ساقِطَةٌ عَلى سُقُوفِها، أيْ خَرَّتْ سُقُوفُها عَلى الأرْضِ، ثُمَّ تَهَدَّمَتْ حِيطانُها فَسَقَطَتْ فَوْقَ السُّقُوفِ، وإنْ فَسَّرْناهُ بِالخالِي كانَ المَعْنى أنَّها خالِيَةٌ عَنِ النّاسِ مَعَ بَقاءِ عُرُوشِها وسَلامَتِها، قالَ: ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: هي خاوِيَةٌ وهي عَلى عُرُوشِها، بِمَعْنى أنَّ السُّقُوفَ سَقَطَتْ عَلى الأرْضِ فَصارَتْ في قَرارِ الحِيطانِ وبَقِيَتِ الحِيطانُ قائِمَةً فَهي مُشْرِفَةٌ عَلى السُّقُوفِ السّاقِطَةِ، وبِالجُمْلَةِ فالآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّها بَقِيَتْ مَحَلًّا لِلِاعْتِبارِ.
السُّؤالُ الثّانِي: ما مَحَلُّ هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ مِنَ الإعْرابِ. أعْنِي ﴿وهِيَ ظالِمَةٌ فَهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ الجَوابُ: الأُولى في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِ. والثّانِيَةُ: لا مَحَلَّ لَها؛ لِأنَّها مَعْطُوفَةٌ عَلى أهْلَكْناها وهَذا الفِعْلُ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ. قالَ أبُو مُسْلِمٍ: المَعْنى فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها وهي كانَتْ ظالِمَةً وهي الآنَ خاوِيَةٌ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: قَرَأ الحَسَنُ: ”مُعْطَلَةٍ“ مِن أعْطَلَهُ بِمَعْنى مُعَطَّلَةٍ، ومَعْنى المُعَطَّلَةِ أنَّها عامِرَةٌ فِيها الماءُ ويُمْكِنُ الِاسْتِقاءُ مِنها إلّا أنَّها عُطِّلَتْ أيْ تُرِكَتْ لا يُسْتَقى مِنها لِهَلاكِ أهْلِها، وفي المَشِيدِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المُجَصَّصُ لِأنَّ الجِصَّ بِالمَدِينَةِ يُسَمّى الشِّيدَ. والثّانِي: أنَّهُ المَرْفُوعُ المُطَوَّلُ، والمَعْنى أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّ القَرْيَةَ مَعَ تَكَلُّفِ بِنائِهِمْ لَها واغْتِباطِهِمْ بِها جُعِلَتْ لِأجْلِ كُفْرِهِمْ بِهَذا الوَصْفِ، وكَذَلِكَ البِئْرُ الَّتِي كَلَّفُوها وصارَتْ شِرْبَهم صارَتْ مُعَطَّلَةً بِلا شارِبٍ ولا وارِدٍ، والقَصْرُ الَّذِي أحْكَمُوهُ بِالجِصِّ وطَوَّلُوهُ صارَ ظاهِرًا خالِيًا بِلا ساكِنٍ، وجَعَلَ ذَلِكَ تَعالى عِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ وتَدَبَّرَ. وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ تَفْسِيرَ عَلى بِمَعَ أوْلى؛ لِأنَّ التَّقْدِيرَ وهي خاوِيَةٌ مَعَ عُرُوشِها، ومَعْلُومٌ أنَّها إذا كانَتْ كَذَلِكَ كانَتْ أدْخَلَ في الِاعْتِبارِ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّكم لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ﴾ [الصافات: ١٣٧] واللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
المسألة الثّانِيَةُ: رَوى أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ هَذِهِ البِئْرَ نَزَلَ عَلَيْها صالِحٌ مَعَ أرْبَعَةِ آلافِ نَفَرٍ مِمَّنْ (p-٤٠)آمَنَ بِهِ، ونَجّاهُمُ اللَّهُ تَعالى مِنَ العَذابِ وهم بِحَضْرَمَوْتَ، وإنَّما سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ صالِحًا حِينَ حَضَرَها ماتَ ثَمَّ، وثَمَّ بَلْدَةٌ عِنْدَ البِئْرِ اسْمُها حاضُورا بَناها قَوْمُ صالِحٍ، وأمَّرُوا عَلَيْها حاسِرَ بْنَ جُلاسٍ وجَعَلُوا وزِيرَهُ سِنْحارِيبَ، وأقامُوا بِها زَمانًا ثُمَّ كَفَرُوا وعَبَدُوا صَنَمًا، وأرْسَلَ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِمْ حَنْظَلَةَ بْنَ صَفْوانَ فَقَتَلُوهُ في السُّوقِ فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعالى، وعَطَّلَ بِئْرَهم وخَرَّبَ قُصُورَهم. قالَ الإمامُ أبُو القاسِمِ الأنْصارِيُّ، وهَذا عَجِيبٌ لِأنِّي زُرْتُ قَبْرَ صالِحٍ بِالشّامِ بِبَلْدَةٍ يُقالُ لَها: عَكَّةُ، فَكَيْفَ يُقالُ إنَّهُ بِحَضْرَمَوْتَ ؟
{"ayah":"فَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا وَهِیَ ظَالِمَةࣱ فَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرࣲ مُّعَطَّلَةࣲ وَقَصۡرࣲ مَّشِیدٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











