الباحث القرآني
(p-٣٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وثَمُودُ﴾ ﴿وقَوْمُ إبْراهِيمَ وقَوْمُ لُوطٍ﴾ ﴿وأصْحابُ مَدْيَنَ وكُذِّبَ مُوسى فَأمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أخَذْتُهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها وهي ظالِمَةٌ فَهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَتَكُونَ لَهم قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ ولَكِنْ تَعْمى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ فِيما تَقَدَّمَ إخْراجَ الكُفّارِ المُؤْمِنِينَ مِن دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وأذِنَ في مُقاتَلَتِهِمْ وضَمِنَ لِلرَّسُولِ والمُؤْمِنِينَ النُّصْرَةَ وبَيَّنَ أنَّ لِلَّهِ عاقِبَةَ الأُمُورِ، أرْدَفَهُ بِما يَجْرِي مَجْرى التَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ ﷺ في الصَّبْرِ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِن أذِيَّتِهِ وأذِيَّةِ المُؤْمِنِينَ بِالتَّكْذِيبِ وغَيْرِهِ، فَقالَ: وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهم سائِرُ الأُمَمِ أنْبِياءَهم، وذَكَرَ اللَّهُ سَبْعَةً مِنهم. فَإنْ قِيلَ: ولِمَ قالَ: ﴿وكُذِّبَ مُوسى﴾ ولَمْ يَقُلْ: قَوْمُ مُوسى ؟ فالجَوابُ: مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ما كَذَّبَهُ قَوْمُهُ بَنُو إسْرائِيلَ وإنَّما كَذَّبَهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وهُمُ القِبْطُ.
الثّانِي: كَأنَّهُ قِيلَ: بَعْدَ ما ذَكَرَ تَكْذِيبَ كُلِّ قَوْمٍ رَسُولَهُ، وكُذِّبَ مُوسى أيْضًا مَعَ وُضُوحِ آياتِهِ وعِظَمِ مُعْجِزاتِهِ فَما ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ ؟
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ﴾ يَعْنِي أمْهَلْتُهم إلى الوَقْتِ المَعْلُومِ عِنْدِي ثُمَّ أخَذْتُهم بِالعُقُوبَةِ ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ اسْتِفْهامٌ تَقْرِيرِ[يٌّ]، أيْ فَكَيْفَ كانَ إنْكارِي عَلَيْهِمْ بِالعَذابِ، ألَيْسَ كانَ واقِعًا قَطْعًا ؟ ألَمْ أُبْدِلْهم بِالنِّعْمَةِ نِقْمَةً وبِالكَثْرَةِ قِلَّةً وبِالحَياةِ مَوْتًا وبِالعِمارَةِ خَرابًا ؟ ألَسْتُ أعْطَيْتُ الأنْبِياءَ جَمِيعَ ما وعَدْتُهم مِنَ النُّصْرَةِ عَلى أعْدائِهِمْ والتَّمْكِينِ لَهم في الأرْضِ. فَيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ عادَتُكَ يا مُحَمَّدُ الصَّبْرَ عَلَيْهِمْ، فَإنَّهُ تَعالى إنَّما يُمْهِلُ لِلْمَصْلَحَةِ فَلا بُدَّ مِنَ الرِّضاءِ والتَّسْلِيمِ، وإنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلى القَلْبِ. واعْلَمْ أنَّ بِدُونِ ذَلِكَ يَحْصُلُ التَّسْلِيَةُ لِمَن حالُهُ دُونَ حالِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَكَيْفَ بِذَلِكَ مَعَ مَنزِلَتِهِ، لَكِنَّهُ في كُلِّ وقْتٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِن جِهَتِهِمْ ما يَزِيدُهُ غَمًّا، فَأجْرى اللَّهُ عادَتَهُ بِأنْ يُصَبِّرَهُ حالًا بَعْدَ حالٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ وبِأيِّ جِنْسٍ مِن عَذابِ الِاسْتِئْصالِ هَلَكُوا.
وهاهُنا بَحْثٌ، وهو أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ يَفْعَلُ بِهِ وبِقَوْمِهِ كُلَّ ما فَعَلَ بِهِمْ وبِقَوْمِهِمْ إلّا عَذابَ الِاسْتِئْصالِ، فَإنَّهُ لا يَفْعَلُهُ بِقَوْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ وإنْ كانَ قَدْ مَكَّنَهم مِن قَتْلِ أعْدائِهِمْ وثَبَّتَهم. قالَ الحَسَنُ: السَّبَبُ في تَأخُّرِ عَذابِ الِاسْتِئْصالِ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أنَّ ذَلِكَ العَذابَ مَشْرُوطٌ بِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ عِنْدَ اللَّهِ حَدًّ[ا] مِنَ الكُفْرِ مَن بَلَغَهُ عَذَّبَهُ ومَن لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ. والثّانِي: أنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ قَوْمًا حَتّى يَعْلَمَ أنَّ أحَدًا مِنهم لا يُؤْمِنُ، فَأمّا إذا حَصَلَ الشَّرْطانِ وهو أنْ يَبْلُغُوا ذَلِكَ الحَدَّ مِنَ الكُفْرِ وعَلِمَ اللَّهُ أنَّ أحَدًا مِنهم لا يُؤْمِنُ، فَحِينَئِذٍ يَأْمُرُ الأنْبِياءَ فَيَدْعُونَ عَلى أُمَمِهِمْ فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ دُعاءَهم فَيُعَذِّبُهم بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾ [يوسف: ١١٠] أيْ مِن إجابَةِ القَوْمِ، وقَوْلِهِ لِنُوحٍ: ﴿أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلّا مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] وإذا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعالى فَإنَّهُ يُنَجِّي المُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا﴾ [هود: ٨٢] أيْ بِالعَذابِ نَجَّيْنا هُودًا، واعْلَمْ أنَّ الكَلامَ في هَذِهِ المسألة قَدْ تَقَدَّمَ فَلا فائِدَةَ في الإعادَةِ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يُوصَفُ ما يُنْزِلُهُ بِالكَفّارِ مِنَ الهَلاكِ بِالعَذابِ المُعَجَّلِ بِأنَّهُ نَكِيرٌ ؟ قُلْنا: إذا كانَ رادِعًا لِغَيْرِهِ وصادِعًا لَهُ عَنْ مِثْلِ ما أوْجَبَ ذَلِكَ صارَ نَكِيرًا.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَثَمُودُ","وَقَوۡمُ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَقَوۡمُ لُوطࣲ","وَأَصۡحَـٰبُ مَدۡیَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَیۡتُ لِلۡكَـٰفِرِینَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ"],"ayah":"وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَثَمُودُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











