الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ﴾ ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا وإنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وبِيَعٌ وصَلَواتٌ ومَساجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ولَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ ولِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ ما يَلْزَمُ الحَجَّ ومَناسِكَهُ وما فِيهِ مِن مَنافِعِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وقَدْ ذَكَرْنا مِن قَبْلُ أنَّ الكُفّارَ صَدُّوهم أتْبَعَ ذَلِكَ بِبَيانِ ما يُزِيلُ الصَّدَّ ويُؤْمَنُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنَ الحَجِّ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المسألة الأُولى: قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ ونافِعٌ بِالألِفِ ومِثْلُهُ ﴿ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ﴾ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِغَيْرِ ألِفٍ فِيهِما. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وعاصِمٌ ”إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ“ بِالألِفِ، ﴿ولَوْلا دَفْعُ﴾ بِغَيْرِ ألِفٍ، فَمَن قَرَأ ”يُدافِعُ“ فَمَعْناهُ يُبالِغُ في الدَّفْعِ عَنْهم، وقالَ الخَلِيلُ: يُقالُ: دَفَعَ اللَّهُ المَكْرُوهَ عَنْكَ دَفْعًا ودافَعَ عَنْكَ دِفاعًا، والدِّفاعُ أحْسَنُهُما. المسألة الثّانِيَةُ: ذَكَرَ ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولَمْ يَذْكُرْ ما يَدْفَعُهُ حَتّى يَكُونَ أفْخَمَ وأعْظَمَ وأعَمَّ، وإنْ كانَ في الحَقِيقَةِ أنَّهُ يُدافِعُ بَأْسَ المُشْرِكِينَ. فَلِذَلِكَ قالَ بَعْدَهُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ﴾ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّهُ يَدْفَعُ عَنِ المُؤْمِنِينَ كَيْدَ مَن هَذا صِفَتُهُ. المسألة الثّالِثَةُ: قالَ مُقاتِلٌ: إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ كُفّارَ مَكَّةَ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَكَّةَ، هَذا حِينَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالكَفِّ عَنْ كُفّارِ مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ حِينَ آذَوْهم، فاسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ ﷺ في قَتْلِهِمْ سِرًّا فَنَهاهم. المسألة الرّابِعَةُ: هَذِهِ الآيَةُ بِشارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِإعْلائِهِمْ عَلى الكُفّارِ وكَفِّ بَوائِقِهِمْ عَنْهم وهي كَقَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَضُرُّوكم إلّا أذًى﴾ [آل عمران: ١١١] وقَوْلِهِ: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٥١] وقالَ: ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ [الصافات: ١٧٢] ﴿وأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣] . أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ﴾ فالمَعْنى أنَّهُ سُبْحانَهُ جَعَلَ العِلَّةَ في أنَّهُ يُدافِعُ عَنِ (p-٣٥)الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ صَدَّهم، وهو الخَوّانُ الكَفُورُ أيْ خَوّانٌ في أمانَةِ اللَّهِ كَفُورٌ لِنِعْمَتِهِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ والرَّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] قالَ مُقاتِلٌ: أقَرُّوا بِالصّانِعِ وعَبَدُوا غَيْرَهُ فَأيُّ خِيانَةٍ أعْظَمُ مِن هَذِهِ ؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب