الباحث القرآني

أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ: المسألة الأُولى: لَمّا كانَتْ عادَةُ الجاهِلِيَّةِ عَلى ما رُوِيَ في القُرْبانِ أنَّهم يُلَوِّثُونَ بِدِمائِها ولُحُومِها الوَثَنَ وحِيطانَ الكَعْبَةِ بَيَّنَ تَعالى ما هو القَصْدُ مِنَ النَّحْرِ فَقالَ: ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنكُمْ﴾ فَبَيَّنَ أنَّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ تَعالى ويَرْتَفِعُ إلَيْهِ مِن صُنْعِ المَهْدِيِّ مِن قَوْلِهِ ونَحْرِهِ وما شاكَلَهُ مِن فَرائِضِهِ هو تَقْوى اللَّهِ دُونَ نَفْسِ اللَّحْمِ والدَّمِ، ومَعْلُومٌ أنَّ شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ لا يُوصَفُ بِأنَّهُ يَنالُهُ سُبْحانَهُ، فالمُرادُ وصُولُ ذَلِكَ إلى حَيْثُ يُكْتَبُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠] . المسألة الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أُمُورٍ: أحَدُها: أنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ المَرْءُ فِعْلُهُ دُونَ الجِسْمِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِنَحْرِهِ. وثانِيها: أنَّهُ سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، وإنَّما المُرادُ أنْ يَجْتَهِدَ العَبْدُ في امْتِثالِ أوامِرِهِ. وثالِثُها: أنَّهُ لَمّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِالأجْسامِ الَّتِي هي اللُّحُومُ والدِّماءُ وانْتَفَعَ بِتَقْواهُ وجَبَ أنْ تَكُونَ تَقْواهُ فِعْلًا وإلّا لَكانَتْ تَقْواهُ بِمَنزِلَةِ اللُّحُومِ. ورابِعُها: أنَّهُ لَمّا شَرَطَ القَبُولَ بِالتَّقْوى وصاحِبُ الكَبِيرَةِ غَيْرُ مُتَّقٍ فَوَجَبَ أنْ لا يَكُونَ عَمَلُهُ مَقْبُولًا وأنَّهُ لا ثَوابَ لَهُ، والجَوابُ: أمّا الأوَّلانِ فَحَقّانِ، وأمّا الثّالِثُ: فَمُعارَضٌ بِالدّاعِي والعِلْمِ، وأمّا الرّابِعُ: فَصاحِبُ الكَبِيرَةِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّقِيًا مُطْلَقًا، ولَكِنَّهُ مُتَّقٍ فِيما أتى بِهِ مِنَ الطّاعَةِ عَلى سَبِيلِ الإخْلاصِ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ طاعَتُهُ مَقْبُولَةً وعِنْدَ هَذا تَنْقَلِبُ الآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. المسألة الثّالِثَةُ: كُلُّهم قَرَؤُوا ”يَنالَ اللَّهَ، ويَنالُهُ“ بِالياءِ إلّا يَعْقُوبَ فَإنَّهُ قَرَأ بِالتّاءِ في الحَرْفَيْنِ، فَمَن أنَّثَ فَقَدْ رَدَّهُ إلى اللَّفْظِ، ومَن ذَكَّرَ فَلِلْحائِلِ بَيْنَ الِاسْمِ والفِعْلِ، ثم قال: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ﴾ والمُرادُ أنَّهُ إنَّما سَخَّرَها كَذَلِكَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ وهو التَّعْظِيمُ، بِما نَفْعَلُهُ عِنْدَ النَّحْرِ وقَبْلَهُ وبَعْدَهُ، عَلى ما هَدانا ودَلَّنا عَلَيْهِ وبَيَّنَهُ لَنا، ثم قال بَعْدَهُ عَلى وجْهِ الوَعْدِ لِمَنِ امْتَثَلَ أمْرَهُ ﴿وبَشِّرِ المُحْسِنِينَ﴾ كَما قالَ مِن قَبْلُ ﴿وبَشِّرِ المُخْبِتِينَ﴾ والمُحْسِنُ هو الَّذِي يَفْعَلُ الحَسَنَ مِنَ الأعْمالِ ويَتَمَسَّكُ بِهِ فَيَصِيرُ مُحْسِنًا إلى نَفْسِهِ بِتَوْفِيرِ الثَّوابِ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب