الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ بَوَّأْنا لِإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ أنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ والقائِمِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ ﴿وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ﴾ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهم ولْيُوفُوا نُذُورَهم ولْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ﴾ اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإذْ بَوَّأْنا﴾ أيْ واذْكُرْ حِينَ جَعَلْنا لِإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ مَباءَةً، أيْ مَرْجِعًا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِلْعِمارَةِ والعِبادَةِ. وكانَ قَدْ رَفَعَ البَيْتَ إلى السَّماءِ أيّامَ الطُّوفانِ وكانَ مِن ياقُوتَةٍ حَمْراءَ، فَأعْلَمَ اللَّهُ تَعالى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكانَهُ بِرِيحٍ أرْسَلَها فَكَشَفَتْ ما حَوْلَهُ فَبَناهُ عَلى وضْعِهِ الأوَّلِ، وقِيلَ: أمَرَ إبْراهِيمَ بِأنْ يَأْتِيَ مَوْضِعَ البَيْتِ فَيَبْنِيَ، فانْطَلَقَ فَخَفِيَ عَلَيْهِ مَكانُهُ فَبَعَثَ اللَّهُ تَعالى عَلى قَدْرِ البَيْتِ الحَرامِ في العَرْضِ والطُّولِ غَمامَةً وفِيها رَأْسٌ يَتَكَلَّمُ ولَهُ لِسانٌ وعَيْنانِ، فَقالَ: يا إبْراهِيمُ ابْنِ عَلى قَدْرِي وحِيالِي، فَأخَذَ في البِناءِ وذَهَبَتِ السَّحابَةُ، وهاهُنا سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: لا شَكَّ أنَّ (أنْ) هي المُفَسِّرَةُ فَكَيْفَ يَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ والأمْرُ بِتَطْهِيرِ البَيْتِ تَفْسِيرًا لِلتَّبْوِئَةِ ؟ الجَوابُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا قالَ: جَعَلْنا البَيْتَ مَرْجِعًا لِإبْراهِيمَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما مَعْنى كَوْنِ البَيْتِ مَرْجِعًا لَهُ ؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّ مَعْناهُ أنْ يَكُونَ بِقَلْبِهِ مُوَحِّدًا لِرَبِّ البَيْتِ عَنِ الشَّرِيكِ والنَّظِيرِ، وبِقالَبِهِ مُشْتَغِلًا بِتَنْظِيفِ البَيْتِ عَنِ الأوْثانِ والأصْنامِ. السُّؤالُ الثّانِي: أنَّ إبْراهِيمَ لَمّا لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَيْفَ قالَ أنْ لا تُشْرِكْ بِي ؟ الجَوابُ: المَعْنى لا تَجْعَلْ في العِبادَةِ لِي شَرِيكًا، ولا تُشْرِكْ بِي غَرَضًا آخَرَ في بِناءِ البَيْتِ. السُّؤالُ الثّالِثُ: البَيْتُ ما كانَ مَعْمُورًا قَبْلَ ذَلِكَ فَكَيْفَ قالَ: وطَهِّرْ بَيْتِيَ ؟ الجَوابُ: لَعَلَّ ذَلِكَ المَكانَ كانَ صَحْراءَ وكانُوا يَرْمُونَ إلَيْها الأقْذارَ، فَأمَرَ إبْراهِيمَ بِبِناءِ البَيْتِ في ذَلِكَ المَكانِ وتَطْهِيرِهِ مِنَ الأقْذارِ، وكانَتْ (p-٢٥)مَعْمُورَةً فَكانُوا قَدْ وضَعُوا فِيها أصْنامًا فَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِتَخْرِيبِ ذَلِكَ البِناءِ ووَضْعِ بِناءٍ جَدِيدٍ، وذَلِكَ هو التَّطْهِيرُ عَنِ الأوْثانِ، أوْ يُقالُ: المُرادُ أنَّكَ بَعْدَ أنْ تَبْنِيَهُ فَطَهِّرْهُ عَمّا لا يَنْبَغِي مِنَ الشِّرْكِ وقَوْلِ الزُّورِ. * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿لِلطّائِفِينَ والقائِمِينَ﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: لِلطّائِفِينَ بِالبَيْتِ مِن غَيْرِ أهْلِ مَكَّةَ ﴿والقائِمِينَ﴾ أيِ المُقِيمِينَ بِها ﴿والرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أيْ مِنَ المُصَلِّينَ مِنَ الكُلِّ، وقالَ آخَرُونَ: القائِمُونَ وهُمُ المُصَلُّونَ، لِأنَّ المُصَلِّيَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ في صَلاتِهِ جامِعًا بَيْنَ القِيامِ والرُّكُوعِ والسُّجُودِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب