الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وهو مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وإنّا لَهُ كاتِبُونَ﴾ ﴿وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهم مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ فَإذا هي شاخِصَةٌ أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ياوَيْلَنا قَدْ كُنّا في غَفْلَةٍ مِن هَذا بَلْ كُنّا ظالِمِينَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ أمْرَ الأُمَّةِ مِن قَبْلُ وذَكَرَ تَفَرُّقَهم وأنَّهم أجْمَعَ راجِعُونَ إلى حَيْثُ لا أمْرَ إلّا لَهُ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وهو مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ﴾ بَيَّنَ أنَّ مَن جَمَعَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا وبَيْنَ أنْ يَعْمَلَ الصّالِحاتِ؛ فَيَدْخُلُ في الأوَّلِ العِلْمُ والتَّصْدِيقُ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ، وفي الثّانِي فِعْلُ الواجِباتِ وتَرْكُ المَحْظُوراتِ: ﴿فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ﴾ أيْ لا بُطْلانَ لِثَوابِ عَمَلِهِ، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن أرادَ الآخِرَةَ وسَعى﴾ (p-١٩١)﴿لَها سَعْيَها وهو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كانَ سَعْيُهم مَشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٩] فالكُفْرانُ مَثَلٌ في حِرْمانِ الثَّوابِ، والشُّكْرُ مَثَلٌ في إعْطائِهِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿فَلا كُفْرانَ﴾ المُرادُ نَفْيُ الجِنْسِ؛ لِيَكُونَ في نِهايَةِ المُبالَغَةِ؛ لِأنَّ نَفْيَ الماهِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ جَمِيعِ أفْرادِها. * * * وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنّا لَهُ كاتِبُونَ﴾ فالمُرادُ وإنّا لِسَعْيِهِ كاتِبُونَ، فَقِيلَ: المُرادُ حافِظُونَ لِنُجازِيَ عَلَيْهِ، وقِيلَ: كاتِبُونَ إمّا في أُمِّ الكِتابِ أوْ في الصُّحُفِ الَّتِي تُعْرَضُ يَوْمَ القِيامَةِ، والمُرادُ بِذَلِكَ تَرْغِيبُ العِبادِ في التَّمَسُّكِ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى. أمّا قَوْلُهُ: ﴿وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾؛ فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: (وحَرامٌ) خَبَرٌ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُبْتَدَأٍ، وهو إمّا قَوْلُهُ: ﴿أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ أوْ شَيْءٌ آخَرُ؛ أمّا الأوَّلُ فالتَّقْدِيرُ: أنَّ عَدَمَ رُجُوعِهِمْ حَرامٌ أيْ مُمْتَنِعٌ، وإذا كانَ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ مُمْتَنِعًا كانَ رُجُوعُهم واجِبًا، فَهَذا الرُّجُوعُ إمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ الرُّجُوعَ إلى الآخِرَةِ أوْ إلى الدُّنْيا؛ أمّا الأوَّلُ: فَيَكُونُ المَعْنى أنَّ رُجُوعَهم إلى الحَياةِ في الدّارِ الآخِرَةِ واجِبٌ، ويَكُونُ الغَرَضُ مِنهُ إبْطالَ قَوْلِ مَن يُنْكِرُ البَعْثَ، وتَحْقِيقُ ما تَقَدَّمَ أنَّهُ لا كُفْرانَ لِسَعْيِ أحَدٍ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ سَيُعْطِيهِ الجَزاءَ عَلى ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ، وهو تَأْوِيلُ أبِي مُسْلِمِ بْنِ بَحْرٍ. وأمّا الثّانِي: فَيَكُونُ المَعْنى أنَّ رُجُوعَهم إلى الدُّنْيا واجِبٌ، لَكِنَّ المَعْلُومَ أنَّهم لَمْ يَرْجِعُوا إلى الدُّنْيا فَعِنْدَ هَذا ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ وجْهَيْنِ. الأوَّلُ: أنَّ الحَرامَ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنى الواجِبِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ الآيَةُ والِاسْتِعْمالُ والشِّعْرُ، أمّا الآيَةُ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]؛ وتَرْكُ الشِّرْكِ واجِبٌ، ولَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وأمّا الشِّعْرُ فَقَوْلُ الخَنْساءِ: ؎وإنَّ حَرامًا لا أرى الدَّهْرَ باكِيًا عَلى شَجْوِهِ إلّا بَكَيْتُ عَلى عَمْرِو يَعْنِي وإنَّ واجِبًا، وأمّا الِاسْتِعْمالُ فَلِأنَّ تَسْمِيَةَ أحَدِ الضِّدَّيْنِ بِاسْمِ الآخَرِ مَجازٌ مَشْهُورُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] إذا ثَبَتَ هَذا فالمَعْنى أنَّهُ واجِبٌ عَلى أهْلِ كُلِّ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ، ثُمَّ ذَكَرُوا في تَفْسِيرِ الرُّجُوعِ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهم لا يَرْجِعُونَ عَنِ الشِّرْكِ ولا يَتَوَلَّوْنَ عَنْهُ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ والحَسَنِ. وثانِيها: لا يَرْجِعُونَ إلى الدُّنْيا وهو قَوْلُ قَتادَةَ ومُقاتِلٍ. الوَجْهُ الثّانِي: أنْ يُتْرَكَ قَوْلُهُ: ﴿وحَرامٌ﴾ عَلى ظاهِرِهِ ويُجْعَلَ في قَوْلِهِ: ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ صِلَةٌ زائِدَةٌ كَما أنَّهُ صِلَةٌ في قَوْلِهِ: ﴿ما مَنَعَكَ ألّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢]؛ والمَعْنى حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها رُجُوعُهم إلى الدُّنْيا وهو كَقَوْلِهِ: ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٥٠] أوْ يَكُونَ المَعْنى وحَرامٌ عَلَيْهِمْ رُجُوعُهم عَنِ الشِّرْكِ وتَرْكِ الإيمانَ، وهَذا قَوْلُ طائِفَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وهَذا كُلُّهُ إذا جَعَلْنا قَوْلَهُ: ”﴿وحَرامٌ﴾“ خَبَرًا لِقَوْلِهِ: ﴿أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ أمّا إذا جَعَلْناهُ خَبَرًا لِشَيْءٍ آخَرَ فالتَّقْدِيرُ وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها ذاكَ، وهو المَذْكُورُ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ العَمَلِ الصّالِحِ والسَّعْيِ المَشْكُورِ غَيْرِ المَكْفُورِ، ثُمَّ عَلَّلَ فَقالَ: ﴿أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ عَنِ الكُفْرِ فَكَيْفَ لا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ ؟ هَذا عَلى قِراءَةِ إنَّهم بِالكَسْرِ، والقِراءَةُ بِالفَتْحِ يَصِحُّ حَمْلُها أيْضًا عَلى هَذا أيْ أنَّهم لا يَرْجِعُونَ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهم مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ فَإذا هي شاخِصَةٌ أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ فَفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ حَتّى مُتَعَلِّقَةٌ بِـ”حَرامٌ“، فَأمّا عَلى تَأْوِيلِ أبِي مُسْلِمٍ فالمَعْنى أنَّ رُجُوعَهم إلى الآخِرَةِ واجِبٌ حَتّى إنَّ وجُوبَهُ يَبْلُغُ إلى حَيْثُ إنَّهُ إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ، واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ، فَإذا هي شاخِصَةٌ (p-١٩٢)أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، والمَعْنى أنَّهم يَكُونُونَ أوَّلَ النّاسِ حُضُورًا في مَحْفِلِ القِيامَةِ، فَحَتّى مُتَعَلِّقَةٌ بِـ”حَرامٌ“، وهي غايَةٌ لَهُ؛ ولَكِنَّهُ غايَةٌ مِن جِنْسِ الشَّيْءِ كَقَوْلِكَ: دَخَلَ الحاجُّ حَتّى المُشاةُ، وحَتّى هاهُنا هي الَّتِي يُحْكى بَعْدَها الكَلامُ. والكَلامُ المَحْكِيُّ هو هَذِهِ الجُمْلَةُ مِنَ الشَّرْطِ والجَزاءِ أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ﴾، ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ﴾ فَهُناكَ يَتَحَقَّقُ شُخُوصُ أبْصارِ الَّذِينَ كَفَرُوا، وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّ الشَّرْطَ إنَّما يَحْصُلُ في آخِرِ أيّامِ الدُّنْيا والجَزاءُ إنَّما يَحْصُلُ في يَوْمِ القِيامَةِ، والشَّرْطُ والجَزاءُ لا بُدَّ وأنْ يَكُونا مُتَقارِبَيْنِ، قُلْنا: التَّفاوُتُ القَلِيلُ يَجْرِي مَجْرى المَعْدُومِ، وأمّا عَلى التَّأْوِيلاتِ الباقِيَةِ فالمَعْنى أنَّ امْتِناعَ رُجُوعِهِمْ لا يَزُولُ: حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿حَتّى إذا فُتِحَتْ﴾ المَعْنى فُتِحَ سَدُّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، فَحُذِفَ المُضافُ وأُدْخَلِتْ عَلامَةُ التَّأْنِيثِ في فُتِحَتْ لَمّا حُذِفَ المُضافُ؛ لِأنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُؤَنَّثانِ بِمَنزِلَةِ القَبِيلَتَيْنِ، وقِيلَ: حَتّى إذا فُتِحَتْ جِهَةُ يَأْجُوجَ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: هُما قَبِيلَتانِ مِن جِنْسِ الإنْسِ، يُقالُ: النّاسُ عَشَرَةُ أجْزاءٍ؛ تِسْعَةٌ مِنها يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ يَخْرُجُونَ حِينَ يُفْتَحُ السَّدُّ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قِيلَ: السَّدُّ يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعالى ابْتِداءً، وقِيلَ: بَلْ إذا جَعَلَ اللَّهُ تَعالى الأرْضَ دَكًّا زالَتِ الصَّلابَةُ عَنْ أجْزاءِ الأرْضِ فَحِينَئِذٍ يَنْفَتِحُ السَّدُّ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهم مِن كُلِ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ فَحَشْوٌ في أثْناءِ الكَلامِ، والمَعْنى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ شَخَصَتْ أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، والحَدَبُ النَّشَزُ مِنَ الأرْضِ، ومِنهُ حَدَبَةُ الأرْضِ، ومِنهُ حَدَبَةُ الظَّهْرِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - ”مِن كُلِّ جَدَثٍ يَنْسِلُونَ“ اعْتِبارًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَإذا هم مِنَ الأجْداثِ إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] وقُرِئَ بِضَمِّ السِّينِ؛ ونَسَلَ وعَسَلَ أسْرَعَ ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ، قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: إنَّهُ كِنايَةٌ عَنْ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وقالَ مُجاهِدٌ: هو كِنايَةٌ عَنْ جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ؛ أيْ يَخْرُجُونَ مِن قُبُورِهِمْ مِن كُلِّ مَوْضِعٍ، فَيُحْشَرُونَ إلى مَوْقِفِ الحِسابِ، والأوَّلُ هو الأوْجَهُ وإلّا لَتَفَكَّكَ النَّظْمُ، وأنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ إذا كَثُرُوا عَلى ما رُوِيَ في ”الخَبَرِ“ فَلا بُدَّ مِن أنْ يُنْشَرُوا فَيَظْهَرَ إقْبالُهم عَلى النّاسِ مِن كُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ﴾ فَلا شُبْهَةَ أنَّ الوَعْدَ المَذْكُورَ هو يَوْمُ القِيامَةِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَإذا هِيَ﴾ فاعْلَمْ أنَّ إذا هاهُنا لِلْمُفاجَأةِ، فَسَمّى المَوْعِدَ وعْدًا تَجَوُّزًا، وهي تَقَعُ في المُجازاةِ سادَّةً مَسَدَّ الفاءِ كَقَوْلِهِ: ﴿إذا هم يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] فَإذا جاءَتِ الفاءُ مَعَها تَعاوَنَتا عَلى وصْلِ الجَزاءِ بِالشَّرْطِ؛ فَيَتَأكَّدُ، ولَوْ قِيلَ: ﴿فَإذا هي شاخِصَةٌ﴾ أوْ فَهي شاخِصَةٌ كانَ سَدِيدًا، أمّا لَفْظَةُ ”هي“ فَقَدْ ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ فِيها ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنْ تَكُونَ كِنايَةً عَنِ الأبْصارِ، والمَعْنى فَإذا أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شاخِصَةٌ أبْصارُهم كَنى عَنِ الأبْصارِ ثُمَّ أظْهَرَ. والثّانِي: أنْ تَكُونَ عِمادًا، ويَصْلُحُ في مَوْضِعِها هو فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّنِي أنا اللَّهُ﴾ [طه: ١٤٠] ومِثْلُهُ: ﴿فَإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ﴾ [الحج: ٤٦] وجازَ التَّأْنِيثُ؛ لِأنَّ الأبْصارَ مُؤَنَّثَةٌ، وجازَ التَّذْكِيرُ لِلْعِمادِ، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ بِمَعْنى فَإذا القِصَّةُ شاخِصَةٌ، يَعْنِي أنَّ القِصَّةَ أنَّ أبْصارَ الَّذِينَ كَفَرُوا تَشْخَصُ عِنْدَ ذَلِكَ، ومَعْنى الكَلامِ أنَّ القِيامَةَ إذا قامَتْ شَخَصَتْ أبْصارُ هَؤُلاءِ مِن شِدَّةِ الأهْوالِ، فَلا تَكادُ تَطْرِفُ مِن شِدَّةِ ذَلِكَ اليَوْمِ، ومِن تَوَقُّعِ ما يَخافُونَهُ، ويَقُولُونَ: ﴿يا ويْلَنا قَدْ كُنّا في غَفْلَةٍ مِن هَذا﴾ يَعْنِي في الدُّنْيا (p-١٩٣)حَيْثُ كَذَّبْناهُ وقُلْنا: إنَّهُ غَيْرُ كائِنٍ، بَلْ كُنّا ظالِمِينَ أنْفُسَنا بِتِلْكَ الغَفْلَةِ وبِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ ﷺ وعِبادَةِ الأوْثانِ، واعْلَمْ أنَّهُ لا بُدَّ قَبْلَ قَوْلِهِ: يا ويْلَنا مِن حَذْفٍ، والتَّقْدِيرُ يَقُولُونَ: يا ويْلَنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب