الباحث القرآني

السُّؤالُ الثّالِثُ: إذا أثْبَتُّمْ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اخْتِلافُهُما لِأجْلِ النَّصِّ، وأنْ يَكُونَ لِأجْلِ الِاجْتِهادِ فَأيُّ (p-١٧٢)القَوْلَيْنِ أوْلى ؟ والجَوابُ: الِاجْتِهادُ أرْجَحُ لِوُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّهُ رُوِيَ في الأخْبارِ الكَثِيرَةِ أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَتَّ الحُكْمَ في ذَلِكَ حَتّى سَمِعَ مِن سُلَيْمانَ أنَّ غَيْرَ ذَلِكَ أوْلى، وفي بَعْضِها أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ ناشَدَهُ لِكَيْ يُورِدَ ما عِنْدَهُ، وكُلُّ ذَلِكَ لا يَلِيقُ بِالنَّصِّ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ نَصًّا لَكانَ يُظْهِرُهُ ولا يَكْتُمُهُ. السُّؤالُ الرّابِعُ: بَيِّنُوا أنَّهُ كَيْفَ كانَ طَرِيقُ الِاجْتِهادِ ؟ الجَوابُ: أنَّ وجْهَ الِاجْتِهادِ فِيهِ ما ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - مِن أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَوَّمَ قَدْرَ الضَّرَرِ بِالكَرْمِ، فَكانَ مُساوِيًا لِقِيمَةِ الغَنَمِ، فَكانَ عِنْدَهُ أنَّ الواجِبَ في ذَلِكَ الضَّرَرِ أنْ يُزالَ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّفْعِ، فَلا جَرَمَ سَلَّمَ الغَنَمَ إلى المَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَما قالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في العَبْدِ: إذا جَنى عَلى النَّفْسِ يَدْفَعُهُ المَوْلى بِذَلِكَ أوْ يَفْدِيهِ، وأمّا سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإنَّ اجْتِهادَهُ أدّى إلى أنْ يَجِبَ مُقابَلَةُ الأُصُولِ بِالأُصُولِ والزَّوائِدِ بِالزَّوائِدِ، فَأمّا مُقابَلَةُ الأُصُولِ بِالزَّوائِدِ فَغَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي الحَيْفَ والجَوْرَ، ولَعَلَّ مَنافِعَ الغَنَمِ في تِلْكَ السَّنَةِ كانَتْ مُوازِيَةً لِمَنافِعِ الكَرْمِ فَحَكَمَ بِهِ، كَما قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِيمَن غَصَبَ عَبْدًا فَأبَقَ مِن يَدِهِ أنَّهُ يَضْمَنُ القِيمَةَ لِيَنْتَفِعَ بِها المَغْصُوبُ مِنهُ بِإزاءِ ما فَوَّتَهُ الغاصِبُ مِن مَنافِعِ العَبْدِ، فَإذا ظَهَرَ تَرادّا. السُّؤالُ الخامِسُ: عَلى تَقْدِيرِ أنْ ثَبَتَ قَطْعًا أنَّ تِلْكَ المُخالَفَةَ كانَتْ مَبْنِيَّةً عَلى الِاجْتِهادِ، فَهَلْ تَدُلُّ هَذِهِ القِصَّةُ عَلى أنَّ المُصِيبَ واحِدٌ أوِ الكُلَّ مُصِيبُونَ ؟ الجَوابُ: أمّا القائِلُونَ بِأنَّ المُصِيبَ واحِدٌ فَفِيهِمْ مَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ﴾ قالَ: ولَوْ كانَ الكُلُّ مُصِيبًا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذا التَّفْهِيمِ فائِدَةٌ، وأمّا القائِلُونَ بِأنَّ الكُلَّ مُصِيبُونَ فَفِيهِمْ مَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وعِلْمًا﴾ ولَوْ كانَ المُصِيبُ واحِدًا ومُخالِفُهُ مُخْطِئًا لَما صَحَّ أنْ يُقالَ: ﴿وكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وعِلْمًا﴾ واعْلَمْ أنَّ الِاسْتِدْلالَيْنِ ضَعِيفانِ. أمّا الأوَّلُ: فَلِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ فَهَّمَهُ الصَّوابَ، فَيُحْتَمَلُ أنَّهُ فَهَّمَهُ النّاسِخَ ولَمْ يُفَهِّمْ ذَلِكَ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وكُلُّ واحِدٍ مِنهُما مُصِيبٌ فِيما حَكَمَ بِهِ، عَلى أنَّ أكْثَرَ ما في الآيَةِ أنَّها دالَّةٌ عَلى أنَّ داوُدَ وسُلَيْمانَ عَلَيْهِما السَّلامُ ما كانا مُصِيبَيْنِ وذَلِكَ لا يُوجِبُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ كَذَلِكَ في شَرْعِنا. وأمّا الثّانِي: فَلِأنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ: إنَّ كُلًّا آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا بِما حَكَمَ بِهِ، بَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا بِوُجُوهِ الِاجْتِهادِ وطُرُقِ الأحْكامِ، عَلى أنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن كَوْنِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا في شَرْعِهِمْ أنْ يَكُونَ الأمْرُ كَذَلِكَ في شَرْعِنا. * * * السُّؤالُ السّادِسُ: لَوْ وقَعَتْ هَذِهِ الواقِعَةُ في شَرْعِنا ما حُكْمُها ؟ الجَوابُ: قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، والقُضاةُ بِذَلِكَ يَقْضُونَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، واعْلَمْ أنَّ كَثِيرًا مِنَ العُلَماءِ يَزْعُمُونَ أنَّهُ مَنسُوخٌ بِالإجْماعِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا في حُكْمِهِ فَقالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كانَ ذَلِكَ بِالنَّهارِ لا ضَمانَ؛ لِأنَّ لِصاحِبِ الماشِيَةِ تَسْيِيبَ ماشِيَتِهِ بِالنَّهارِ، وحِفْظَ الزَّرْعِ بِالنَّهارِ عَلى صاحِبِهِ. وإنْ كانَ لَيْلًا يَلْزَمُهُ الضَّمانُ؛ لِأنَّ حِفْظَها بِاللَّيْلِ عَلَيْهِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا ضَمانَ عَلَيْهِ لَيْلًا كانَ أوْ نَهارًا إذا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالإرْسالِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: «جُرْحُ العَجْماءِ جُبارٌ» واحْتَجَّ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِما رُوِيَ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ أنَّهُ قالَ: «كانَتْ ناقَةٌ ضارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حائِطًا فَأفْسَدَتْهُ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَضى أنَّ حِفْظَ الحَوائِطِ بِالنَّهارِ عَلى أهْلِها، وأنَّ حِفْظَ الماشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلى أهْلِها، وأنَّ عَلى أهْلِ الماشِيَةِ ما أصابَتْ ماشِيَتُهم بِاللَّيْلِ» وهَذا تَمامُ القَوْلِ في هَذِهِ الآيَةِ. * * * ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّ بِها داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ أمْرَيْنِ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ وكُنّا فاعِلِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: (p-١٧٣)المَسْألَةُ الأُولى: في تَفْسِيرِ هَذا التَّسْبِيحِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ الجِبالَ كانَتْ تُسَبِّحُ ثُمَّ ذَكَرُوا وُجُوهًا: أحَدُها: قالَ مُقاتِلٌ: إذا ذَكَرَ داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ ذَكَرَتِ الجِبالُ والطَّيْرُ رَبَّها مَعَهُ. وثانِيها: قالَ الكَلْبِيُّ: إذا سَبَّحَ داوُدُ أجابَتْهُ الجِبالُ. وثالِثُها: قالَ سُلَيْمانُ بْنُ حَيّانَ: كانَ داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ إذا وجَدَ فَتْرَةً أمَرَ اللَّهُ تَعالى الجِبالَ فَسَبَّحَتْ فَيَزْدادُ نَشاطًا واشْتِياقًا. القَوْلُ الثّانِي: وهو اخْتِيارُ بَعْضِ أصْحابِ المَعانِي أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ تَسْبِيحُ الجِبالِ والطَّيْرِ بِمَثابَةِ قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] وتَخْصِيصُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ إنَّما كانَ بِسَبَبِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ ضَرُورَةً فَيَزْدادُ يَقِينًا وتَعْظِيمًا، والقَوْلُ الأوَّلُ أقْرَبُ؛ لِأنَّهُ لا ضَرُورَةَ في صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظاهِرِهِ. وأمّا المُعْتَزِلَةُ فَقالُوا: لَوْ حَصَلَ الكَلامُ مِنَ الجَبَلِ لَحَصَلَ إمّا بِفِعْلِهِ أوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعالى فِيهِ؛ والأوَّلُ: مُحالٌ؛ لِأنَّ بِنْيَةَ الجَبَلِ لا تَحْتَمِلُ الحَياةَ والعِلْمَ والقُدْرَةَ، وما لا يَكُونُ حَيًّا عالِمًا قادِرًا يَسْتَحِيلُ مِنهُ الفِعْلُ، والثّانِي: أيْضًا مُحالٌ؛ لِأنَّ المُتَكَلِّمَ عِنْدَهم مَن كانَ فاعِلًا لِلْكَلامِ، لا مَن كانَ مَحَلًّا لِلْكَلامِ، فَلَوْ كانَ فاعِلُ ذَلِكَ الكَلامِ هو اللَّهُ تَعالى لَكانَ المُتَكَلِّمُ هو اللَّهُ تَعالى لا الجَبَلُ، فَثَبَتَ أنَّهُ لا يُمْكِنُ إجْراؤُهُ عَلى ظاهِرِهِ، فَعِنْدَ هَذا قالُوا في: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ﴾ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياجِبالُ أوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] مَعْناهُ تَصَرَّفِي مَعَهُ وسِيرِي بِأمْرِهِ، ويُسَبِّحْنَ مِنَ السَّبْحِ الَّذِي السِّباحَةُ خَرَجَ اللَّفْظُ فِيهِ عَلى التَّكْثِيرِ، ولَوْ لَمْ يَقْصِدِ التَّكْثِيرَ لَقِيلَ: يَسْبَحْنَ، فَلَمّا كَثُرَ قِيلَ: يُسَبِّحْنَ مَعَهُ، أيْ سِيرِي وهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ لَكَ في اَلنَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا﴾ [المزمل: ٧] أيْ تَصَرُّفًا ومَذْهَبًا. إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّ سَيْرَها هو التَّسْبِيحُ لِدَلالَتِهِ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وعَلى سائِرِ ما تَنَزَّهَ عَنْهُ، واعْلَمْ أنَّ مَدارَ هَذا القَوْلِ عَلى أنَّ بِنْيَةَ الجَبَلِ لا تَقْبَلُ الحَياةَ، وهَذا مَمْنُوعٌ، وعَلى أنَّ التَّكَلُّمَ مِن فِعْلِ اللَّهِ، وهو أيْضًا مَمْنُوعٌ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أمّا الطَّيْرُ فَلا امْتِناعَ في أنْ يَصْدُرَ عَنْها الكَلامُ، ولَكِنْ أجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى أنَّ المُكَلَّفِينَ إمّا الجِنُّ أوِ الإنْسُ أوِ المَلائِكَةُ فَيَمْتَنِعُ فِيها أنْ تَبْلُغَ في العَقْلِ إلى دَرَجَةِ التَّكْلِيفِ، بَلْ تَكُونُ عَلى حالَةٍ كَحالِ الطِّفْلِ في أنْ يُؤْمَرَ ويُنْهى، وإنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَصارَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً مِن حَيْثُ جَعَلَها في الفَهْمِ بِمَنزِلَةِ المُراهِقِ، وأيْضًا فِيهِ دَلالَةٌ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وعَلى تَنَزُّهِهِ عَمّا لا يَجُوزُ؛ فَيَكُونُ القَوْلُ فِيهِ كالقَوْلِ في الجِبالِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: يُسَبِّحْنَ حالٌ بِمَعْنى مُسَبِّحاتٍ أوِ اسْتِئْنافٌ، كَأنَّ قائِلًا قالَ: كَيْفَ سَخَّرَهُنَّ ؟ فَقالَ: يُسَبِّحْنَ. ”والطَّيْرَ“ إمّا مَعْطُوفٌ عَلى الجِبالِ وإمّا مَفْعُولٌ مَعَهُ. فَإنْ قُلْتَ: لِمَ قُدِّمَتِ الجِبالُ عَلى الطَّيْرِ ؟ قُلْتُ: لِأنَّ تَسْخِيرَها وتَسْبِيحَها أعْجَبُ وأدَلُّ عَلى القُدْرَةِ وأدْخَلُ في الإعْجازِ؛ لِأنَّها جَمادٌ، والطَّيْرُ حَيَوانٌ ناطِقٌ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿وكُنّا فاعِلِينَ﴾ فالمَعْنى أنّا قادِرُونَ عَلى أنْ نَفْعَلَ هَذا، وإنْ كانَ عَجَبًا عِنْدَكم، وقِيلَ: نَفْعَلُ ذَلِكَ بِالأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. الإنْعامُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكم لِتُحْصِنَكم مِن بَأْسِكم فَهَلْ أنْتُمْ شاكِرُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اللَّبُوسُ اللِّباسُ، قالَ: البَسْ لِكُلِّ حالَةٍ لَبُوسَها. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ”لِتُحْصِنَكم“ قُرِئَ بِالنُّونِ والياءِ والتّاءِ وتَخْفِيفِ الصّادِ وتَشْدِيدِها، فالنُّونُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، والتّاءُ لِلصَّنْعَةِ أوْ لِلَّبُوسِ عَلى تَأْوِيلِ الدِّرْعِ، والياءُ لِلَّهِ تَعالى أوْ لِداوُدَ أوْ لِلَّبُوسِ. (p-١٧٤)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ قَتادَةُ: أوَّلُ مَن صَنَعَ الدِّرْعَ داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإنَّما كانَتْ صَفائِحَ قَبْلَهُ، فَهو أوَّلُ مَن سَرَدَها واتَّخَذَها حِلَقًا، ذَكَرَ الحَسَنُ أنَّ لُقْمانَ الحَكِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَضَرَهُ وهو يَعْمَلُ الدِّرْعَ، فَأرادَ أنْ يَسْألَ عَمّا يَفْعَلُ ثُمَّ سَكَتَ حَتّى فَرَغَ مِنها ولَبِسَها عَلى نَفْسِهِ، فَقالَ: الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وقَلِيلٌ فاعِلُهُ؛ قالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعالى ألانَ الحَدِيدَ لَهُ يَعْمَلُ مِنهُ بِغَيْرِ نارٍ كَأنَّهُ طِينٌ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: البَأْسُ هاهُنا الحَرْبُ، وإنْ وقَعَ عَلى السُّوءِ كُلِّهِ، والمَعْنى لِيَمْنَعَكم ويَحْرُسَكم مِن بَأْسِكم، أيْ مِنَ الجَرْحِ والقَتْلِ والسَّيْفِ والسَّهْمِ والرُّمْحِ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ أوَّلَ مَن عَمِلَ الدِّرْعَ داوُدُ ثُمَّ تَعَلَّمُ النّاسُ مِنهُ، فَتَوارَثَ النّاسُ عَنْهُ ذَلِكَ، فَعَمَّتِ النِّعْمَةُ بِها كُلَّ المُحارِبِينَ مِنَ الخَلْقِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ، فَلَزِمَهم شُكْرُ اللَّهِ تَعالى عَلى النِّعْمَةِ فَقالَ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ شاكِرُونَ﴾ أيِ اشْكُرُوا اللَّهَ عَلى ما يَسَّرَ عَلَيْكم مِن هَذِهِ الصَّنْعَةِ، واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ النِّعَمَ الَّتِي خَصَّ داوُدَ بِها ذَكَرَ بَعْدَهُ النِّعَمَ الَّتِي خَصَّ بِها سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقالَ قَتادَةُ: ورَّثَ اللَّهُ تَعالى سُلَيْمانَ مِن داوُدَ مُلْكَهُ ونُبُوَّتَهُ وزادَهُ عَلَيْهِ أمْرَيْنِ سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ والشَّياطِينَ. الإنْعامُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأمْرِهِ﴾ أيْ جَعَلْناها طائِعَةً مُنْقادَةً لَهُ، بِمَعْنى أنَّهُ إنْ أرادَها عاصِفَةً كانَتْ عاصِفَةً، وإنْ أرادَها لَيِّنَةً كانَتْ لَيِّنَةً، واللَّهُ تَعالى مُسَخِّرُها في الحالَتَيْنِ، فَإنْ قِيلَ: العاصِفُ الشَّدِيدَةُ الهُبُوبِ، وقَدْ وصَفَها اللَّهُ تَعالى بِالرَّخاوَةِ في قَوْلِهِ: ﴿رُخاءً حَيْثُ أصابَ﴾ [ص: ٣٦] فَكَيْفَ يَكُونُ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ والجَوابُ: مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّها كانَتْ في نَفْسِها رَخِيَّةً طَيِّبَةً كالنَّسِيمِ، فَإذا مَرَّتْ بِكُرْسِيِّهِ أبْعَدَتْ بِهِ في مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ عَلى ما قالَ: ﴿غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] وكانَتْ جامِعَةً بَيْنَ الأمْرَيْنِ رُخاءٍ في نَفْسِها وعاصِفَةٍ في عَمَلِها مَعَ طاعَتِها لِسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهُبُوبُها عَلى حَسَبِ ما يُرِيدُ ويُحْكِمُ آيَةً إلى آيَةٍ، ومُعْجِزَةً إلى مُعْجِزَةٍ. الثّانِي: أنَّها كانَتْ في وقْتٍ رُخاءً وفي وقْتٍ عاصِفًا، لِأجْلِ هُبُوبِها عَلى حُكْمِ إرادَتِهِ. المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قُرِئَ ”الرِّيحُ“ و”الرِّياحُ“ بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ فِيهِما، فالرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ، والنَّصْبُ لِلْعَطْفِ عَلى الجِبالِ، فَإنْ قِيلَ: قالَ في داوُدَ: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ﴾ وقالَ في حَقِّ سُلَيْمانَ: ﴿ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ﴾ فَذَكَرَهُ في حَقِّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِكَلِمَةِ مَعَ وفي حَقِّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِاللّامِ وراعى هَذا التَّرْتِيبَ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿ياجِبالُ أوِّبِي مَعَهُ والطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] وقالَ: ﴿فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأمْرِهِ﴾ [ص: ٣٦] فَما الفائِدَةُ في تَخْصِيصِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِلَفْظِ مَعَ، وسُلَيْمانَ بِاللّامِ ؟ قُلْنا: يُحْتَمَلُ أنَّ الجَبَلَ لَمّا اشْتَغَلَ بِالتَّسْبِيحِ حَصَلَ لَهُ نَوْعُ شَرَفٍ، فَما أُضِيفَ إلَيْهِ بِلامِ التَّمْلِيكِ، أمّا الرِّيحُ فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ إلّا ما يَجْرِي مَجْرى الخِدْمَةِ، فَلا جَرَمَ أُضِيفَ إلى سُلَيْمانَ بِلامِ التَّمْلِيكِ، وهَذا إقْناعِي. * * * أمّا قَوْلُهُ: ﴿إلى الأرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ﴾ أيْ إلى المُضِيِّ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَ الكَلْبِيُّ: كانَتْ تَسِيرُ مِن إصْطَخْرَ إلى الشّامِ يَرْكَبُ عَلَيْها سُلَيْمانُ وأصْحابُهُ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿وكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ﴾ أيْ لِعِلْمِنا بِالأشْياءِ صَحَّ مِنّا أنْ نُدَبِّرَ هَذا التَّدْبِيرَ في رُسُلِنا، وفي (p-١٧٥)خَلْقِنا، وأنْ نَفْعَلَ هَذِهِ المُعْجِزاتِ القاهِرَةَ. الإنْعامُ الثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنَ الشَّياطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ويَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وكُنّا لَهم حافِظِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: المُرادُ أنَّهم يَغُوصُونَ لَهُ في البِحارِ فَيَسْتَخْرِجُونَ الجَواهِرَ ويَتَجاوَزُونَ ذَلِكَ إلى الأعْمالِ والمِهَنِ، وبِناءِ المُدُنِ والقُصُورِ، واخْتِراعِ الصَّنائِعِ العَجِيبَةِ؛ كَما قالَ: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحارِيبَ وتَماثِيلَ وجِفانٍ﴾ [سَبَأٍ: ١٣ ] وأمّا الصِّناعاتُ فَكاتِّخاذِ الحَمّامِ والنَّوْرَةِ والطَّواحِينِ والقَوارِيرِ والصّابُونِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ومِنَ الشَّياطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾ يَعْنِي وسَخَّرْنا لِسُلَيْمانَ مِنَ الشَّياطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ النَّصْبِ نَسَقًا عَلى الرِّيحِ؛ قالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: النَّسَقُ عَلى الرِّيحِ، وأنْ يَكُونَ المَعْنى: ولِسُلَيْمانَ الرِّيحُ، ولَهُ مَن يَغُوصُونَ لَهُ مِنَ الشَّياطِينِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلى الِابْتِداءِ، ويَكُونُ ”لَهُ“ هو الخَبَرُ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَن يَغُوصُ مِنهم هو الَّذِي يَعْمَلُ سائِرَ الأعْمالِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهم فِرْقَةٌ أُخْرى، ويَكُونُ الكُلُّ داخِلِينَ في لَفْظَةِ مَن، وإنْ كانَ الأوَّلُ هو الأقْرَبَ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: لَيْسَ في الظّاهِرِ إلّا أنَّهُ سَخَّرَهم، لَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أنَّهُ تَعالى سَخَّرَ كُفّارَهم دُونَ المُؤْمِنِينَ، وهو الأقْرَبُ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: إطْلاقُ لَفْظِ الشَّياطِينِ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿وكُنّا لَهم حافِظِينَ﴾ فَإنَّ المُؤْمِنَ إذا سُخِّرَ في أمْرٍ لا يَجِبُ أنْ يُحْفَظَ لِئَلّا يُفْسِدَ، وإنَّما يَجِبُ ذَلِكَ في الكافِرِ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وكُنّا لَهم حافِظِينَ﴾ وُجُوهٌ: أحَدُها: أنَّهُ تَعالى وكَّلَ بِهِمْ جَمْعًا مِنَ المَلائِكَةِ، أوْ جَمْعًا مِن مُؤْمِنِي الجِنِّ. وثانِيها: سَخَّرَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِأنْ حَبَّبَ إلَيْهِمْ طاعَتَهُ وخَوَّفَهم مِن مُخالَفَتِهِ. وثالِثُها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُرِيدُ وسُلْطانُهُ مُقِيمٌ عَلَيْهِمْ يَفْعَلُ بِهِمْ ما يَشاءُ، فَإنْ قِيلَ: وعَنْ أيِّ شَيْءٍ كانُوا مَحْفُوظِينَ ؟ قُلْنا: فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ تَعالى كانَ يَحْفَظُهم عَلَيْهِ لِئَلّا يَذْهَبُوا ويَتْرُكُوهُ. وثانِيها: قالَ الكَلْبِيُّ: كانَ يَحْفَظُهم مِن أنْ يُهَيِّجُوا أحَدًا في زَمانِهِ. وثالِثُها: كانَ يَحْفَظُهم مِن أنْ يُفْسِدُوا ما عَمِلُوا، فَكانَ دَأْبُهم أنَّهم يَعْمَلُونَ بِالنَّهارِ ثُمَّ يُفْسِدُونَهُ في اللَّيْلِ. المَسْألَةُ السّادِسَةُ: سَألَ الجُبّائِيُّ نَفْسَهُ، وقالَ: كَيْفَ يَتَهَيَّأُ لَهم هَذِهِ الأعْمالُ وأجْسامُهم رَقِيقَةٌ لا يَقْدِرُونَ عَلى عَمَلِ الثَّقِيلِ، وإنَّما يُمْكِنُهُمُ الوَسْوَسَةُ ؟ وأجابَ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ كَثَّفَ أجْسامَهم خاصَّةً وقَوّاهم، وزادَ في عَظْمِهِمْ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُعْجِزًا لِسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا ماتَ سُلَيْمانُ رَدَّهُمُ اللَّهُ إلى الخِلْقَةِ الأُولى؛ لِأنَّهُ لَوْ بَقّاهم عَلى الخِلْقَةِ الثّانِيَةِ لَصارَ شُبْهَةً عَلى النّاسِ، ولَوِ ادَّعى مُتَنَبِّئٌ النُّبُوَّةَ وجَعَلَهُ دَلالَةً، لَكانَ كَمُعْجِزاتِ الرُّسُلِ؛ فَلِذا رَدَّهم إلى خِلْقَتِهِمُ الأُولى، واعْلَمْ أنَّ هَذا الكَلامَ ساقِطٌ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: لِمَ قُلْتَ: إنَّ الجِنَّ مِنَ الأجْسامِ ؟ ولِمَ لا يَجُوزُ وُجُودُ مُحْدَثٍ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ ولا قائِمٍ بِالمُتَحَيِّزِ، ويَكُونُ الجِنُّ مِنهم ؟ فَإنْ قُلْتَ: لَوْ كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ لَكانَ مِثْلًا لِلْبارِي تَعالى؟، قُلْتُ: هَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ الِاشْتِراكَ في اللَّوازِمِ الثُّبُوتِيَّةِ لا يَدُلُّ عَلى الِاشْتِراكِ في المَلْزُوماتِ فَكَيْفَ اللَّوازِمُ السَّلْبِيَّةُ، سَلَّمْنا أنَّهُ جِسْمٌ، لَكِنْ لا يَجُوزُ حُصُولُ القُدْرَةِ عَلى هَذِهِ الأعْمالِ الشّاقَّةِ في الجِسْمِ اللَّطِيفِ، وكَلامُهُ بِناءً عَلى البِنْيَةِ شَرْطٌ ولَيْسَ في يَدِهِ إلّا الِاسْتِقْراءُ الضَّعِيفُ؛ سَلَّمْنا أنَّهُ لا (p-١٧٦)بُدَّ مِن تَكْثِيفِ أجْسامِهِمْ لَكِنْ لِمَ قُلْتَ: بِأنَّهُ لا بُدَّ مِن رَدِّها إلى الخِلْقَةِ الأُولى بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإنْ قالَ: لِئَلّا يُفْضِيَ إلى التَّلْبِيسِ؛ قُلْنا: التَّلْبِيسُ غَيْرُ لازِمٍ؛ لِأنَّ المُتَنَبِّيَ إذا جَعَلَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلْمُدَّعِي أنْ يَقُولَ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ قُوَّةَ أجْسادِهِمْ كانَتْ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ آخَرَ قَبْلَكَ، ومَعَ قِيامِ هَذا الِاحْتِمالِ لا يَتَمَكَّنُ المُتَنَبِّي مِنَ الِاسْتِدْلالِ بِهِ، واعْلَمْ أنَّ أجْسامَ هَذا العالَمِ إمّا كَثِيفَةٌ أوْ لَطِيفَةٌ، أمّا الكَثِيفُ فَأكْثَفُ الأجْسامِ الحِجارَةُ والحَدِيدُ، وقَدْ جَعَلَهُما اللَّهُ تَعالى مُعْجِزَةً لِداوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأنْطَقَ الحَجْرَ ولَيَّنَ الحَدِيدَ، وكُلُّ واحِدٍ مِنهُما كَما يَدُلُّ عَلى التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ الحَشْرِ؛ لِأنَّهُ لَمّا قَدَرَ عَلى إحْياءِ الحِجارَةِ فَأيُّ بُعْدٍ في إحْياءِ العِظامِ الرَّمِيمَةِ، وإذا قَدَرَ عَلى أنْ يَجْعَلَ في إصْبَعِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ قُوَّةَ النّارِ مَعَ كَوْنِ الإصْبَعِ في نِهايَةِ اللَّطافَةِ، فَأيُّ بُعْدٍ في أنْ يَجْعَلَ التُّرابَ اليابِسَ جِسْمًا حَيَوانِيًّا، وألْطَفُ الأشْياءِ في هَذا العالَمِ الهَواءُ والنّارُ، وقَدْ جَعَلَهُما اللَّهُ مُعْجِزَةً لِسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أمّا الهَواءُ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ﴾ [ص: ٣٦] وأمّا النّارُ فَلِأنَّ الشَّياطِينَ مَخْلُوقُونَ مِنها، وقَدْ سَخَّرَهُمُ اللَّهُ تَعالى، فَكانَ يَأْمُرُهم بِالغَوْصِ في المِياهِ، والنّارُ تَنْطَفِئُ بِالماءِ، وهم ما كانَ يَضُرُّهم ذَلِكَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى إظْهارِ الضِّدِّ مِنَ الضِّدِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب